ولادة «السلسلة» بعد مخاض وفذلكة مادتين

هتاف دهام

وأخيراً أقرّت سلسلة الرتب والرواتب بعد مخاض دام سنوات خمساً ككلّ القضايا الكبرى التي لا تولد في البلد إلا بطريقة متعثرة. هذا كان حال قانون الانتخاب وأمس السلسلة. قانون الانتخاب ولد نتيجة تسوية بين المكوّنات كافة. والسلسلة كذلك.

ولد حلّ السلسلة في اجتماع السراي الحكومي عصر أول أمس. وضم إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، الوزيرين علي حسن خليل وجمال الجراح، والنواب: جورج عدوان، علي فياض، أكرم شهيّب وإبراهيم كنعان. خلال هذا الاجتماع برزت مجموعة تناقضات كانت تحتاج إلى تسوية بين مَن يريد السلسلة قبل الموازنة وبين مَن يريد الموازنة قبل السلسلة. لقد عبّر أحد المعنيين في اجتماع السراي أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يريد ضمانات لإقرار الموازنة، فجاء الحلّ في المادة 20 التي عبّرت عن تسوية لهذه الإشكالية، عندما دعت الى إنجاز الموازنة في غضون شهر، لكن في حال لم تقرّ الموازنة تعتبر السلسلة نافذة حكماً.

كذلك برزت مسألة خلافية بين مَن يريد التمسك بسقف 1200 مليار وبين مَن يريد أن يتجاوزه رابطاً هذا الأمر بموضوع المتقاعدين. فهذا البند كان بمثابة الإشكالية الكبرى التي وقفت أمام تفاهم القوى والتي على أساسها يولد الاضطرار لتجاوز سقف 1200 مليار. فولد الحلّ للمادة 18 على قاعدة «لا يموت الذيب ولا يفنى الغنم». لقد ورد في ثنايا هذه المادة التأكيد على حق المتقاعدين كاملاً، المقصود به نسبة الـ85 في المئة من الراتب. لكن مراعاة لخاطر فريق تيار المستقبل، حزب القوات، التقدمي الاشتراكي، وأخذاً بمطالبه بطريقة مخففة جداً جرى تقسيط الزيادة على أن تبدأ بـ 25 في المئة وتنتهي بعد سنتين بـ 85 في المئة. لكن النص تضمّن أيضاً صياغة مخففة بدورها وتنطوي على صيغة إلزام، لكنها لا تشترط الربط عندما نصّت «على أن يُصار إلى إنجاز الحكومة إصلاح النظام التقاعدي وتوفير موارد زيادة تقاعد».

عملياً، أقرّت السلسلة عندما أنجزت هاتان المادتان 18 و20. بعد ذلك لا ضير في الاختلاف في المواد الإصلاحية للسلسلة. إذ إنّ هذه المواد من 21 الى 37 أقرّت جميعها كما هي أو معدلة.

اليوم سيجد المجلس النيابي نفسه في الجلسة العامة برئاسة الرئيس نبيه بري، أمام نقاش الإيرادات والضرائب. وطالما أنّ قسماً من هذه المواد جرى إقراره في جلسة عامة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري في آذار الماضي، فإنّ ما تبقى لن يكون صعباً تمريره تصويتاً، رغم الاختلاف الذي سيبدو حاداً بين النواب من الكتل كافة. اختلاف ظهر أمس بين وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان حول جدية تأمين الموازنة وفراً بقيمة 1000 مليار. فخليل وصف ما صدر عن كنعان بـ«المزحة» و«أقلّ من مزحة». فاستشاط رئيس لجنة المال ليقول لوزير حركة أمل «إذا كان كلامي عن 1000 مليار مزحة، فالمجلس كله مزحة». استدعت الحدّة في المواقف تدخل رئيس المجلس لضبط الأمور. في حين اندفع النائب أحمد فتفت إلى استفزاز كنعان وصبّ الزيت على النار «مرقا يا كنعان متل ما مرقت الإبراء المستحيل». فردّ كنعان ممتعضاً بـ«أنّ الإبراء لم يمرّ». وهذا السجال اعتبره بعض النواب «بلا طعمة» بينما قرأ فيه البعض الآخر «قلة كيميا» بين «الخليل» و«الكنعان»، إذ كان بوسع وزير المال استخدام مصطلح أقلّ قسوة من مصطلح «مزحة» لو لم يكن يتقصّد «التعليم» على أمين سرّ «تكتل التغيير والإصلاح».

لقد سبق أن أقرّت TVA بنسبة 11 في المئة في «جلسة مكاري» وبقيت نقطتان استراتيجيتان. من المتوقع أن تشهدا اليوم نقاشاً قاسياً: معالجة الإشغال غير القانوني للأملاك العامة البحرية، والضريبة على عائدات المصارف. النقاش سيشهد وجهتي نظر. وجهة نظر سيعبّر عنها حزب الله وحركة أمل. ووجهة نظر سيعبّر عنها تيار المستقبل وحزب القوات. في حين أنّ التيار الوطني الحر سيكون «رجل في البور ورجل في الفلاحة»، تعبيراً عن موقعه بين تحالفاته المتناقضة وحساباته المضطربة.

ستنتهي الجلسة العامة. ستقرّ المواد القانونية الضريبية لتمويل السلسلة. سينتقل لبنان إلى رهان آخر، عنوانه الموازنة وإشكالية قطع الحساب التي ستشكل موضوعاً جديداً للتنازع السياسي القابل للتذليل والذي سيساعد كثيراً على انفراج المناخات الداخلية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى