تفاهم روسي أميركي على توسيع الهدنة وبدء نشر المراقبين الروس… وحسم عرسال قاب قوس السلسلة أخيراً… وتفويض الجيش في عرسال بلا شروط… وعون يحذّر من الكراهية مع النازحين
كتب المحرّر السياسي
بدت العلاقة الأميركية الإيرانية المحكومة بقانون الصراع على خلفية وقوف إيران على ضفة صراع وجودي مع «إسرائيل» وتمسّك استراتيجي لواشنطن بأمنها وبقائها وعناصر قوتها، محكومة أيضاً بالمساكنة، حيث لا تملك واشنطن خيار الذهاب للمواجهة المفتوحة والخيارات باتت بهوامش ضيقة في ساحتي المواجهة الرئيسيتين في سورية والعراق، وحيث الملف النووي الإيراني أشدّ تعقيداً وتشابكاً من عنجهيات الخطاب الانتخابي للرئيس الأميركي، فخرج مجلس الأمن القومي الأميركي الذي ترأسه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتأكيد التمسك بالتفاهم حول الملف النووي، والاعتراف بتقيّد إيران بشروطه، وبقي للمواجهة نافذة تطلّ برأسها منها هي نقطة الوجع «الإسرائيلية»، الصواريخ البالستية لإيران، فتحوّل الملف عنواناً لعقوبات ردّت عليها إيران سريعاً بزيادة تمويل فيلق القدس الذي يقلق بال «إسرائيل» ورفع موازنتها المخصصة لبرامج الصواريخ البالستية التي تقضّ مضاجع «إسرائيل»، بينما اتخذت واشنطن من شعار امتلاك إيران لسلاح نووي خطاً أحمر، بما يذكر باتخاذها من شعار استخدام الجيش السوري للسلاح الكيميائي خطاً أحمر، وهي تعلم أن لا سورية تستخدم الكيميائي ولا إيران تريد امتلاك سلاح نووي، وأنّ هذين الخطين الأحمرين يحفظان المهابة الأميركية بلا تكلفة.
بالتوازي كان التفاهم الروسي الأميركي يسجّل نقاطاً جديدة. أبرزها مسألة الممتلكات الروسية الدبلوماسية التي سبق لإدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن وضع اليد عليها بتهمة استخدامها من جواسيس روس للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وهدّد الكرملين بعقوبات مماثلة في حال عدم إعادتها، لتكشف «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» معاً التوصل لحلّ يعيد الممتلكات لموسكو، بينما نقلت مصادر إعلامية روسية معلومات عن تفاهمات لتوسيع نطاق مناطق الهدنة في سورية بإشراف مراقبين روس لتشمل منتصف الشهر المقبل منطقتي حمص والغوطة، وتحدثت المصادر عن وصول الدفعة الأولى من مراقبي الشرطة العسكرية الروسية إلى درعا.
في الميدان من البادية إلى الغوطة، كان الجيش السوري على أبواب مدينة السخنة البوابة الأقرب لدير الزور ويحقق التقدم في ما تبقى من أرياف حمص وحماة والرقة، وينجز المزيد من السيطرة على كتل الأبنية في جوبر وعين ترما، ويصعّد غاراته على جرود فليطا والقلمون الغربي وصولاً للحدود السورية اللبنانية، بينما التحضيرات للجيش اللبناني وحزب الله قد استكملت وتنتظر الخطوة الأولى، وقد باتت قاب قوس واحد لا قوسين، والجيش قد نجح بانتزاع تفويض غير مشروط نطق به رئيس الحكومة سعد الحريري أمام المجلس النيابي، فيما كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يطلق تحذيراً لكلّ الذين حوّلوا قضية النازحين مصدراً لحملات تحريض على السوريين وبث للكراهية ضدّ النازحين، قائلاً إنّ النتائج ستكون بغيضة على الجانبين.
في شأن العمل البرلماني والحكومي كانت ساحة النجمة تشهد إنجازاً طال انتظاره، بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، واعتبارها نافذة بعد شهر إفساحاً في المجال لإقرار الموازنة، وفكاً للارتباط بها، إذا تعثر أو تأخر إقرارها.
المجلس أقرّ السلسلة وعلّق تنفيذها شهراً واحداً
بعد تجميدها منذ العام 2012 أقرّ المجلس النيابي مشروع سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام في بنودها كلّها، مع إدخال بعض التعديلات على أن يُعمَل بها فور نشرها في الجريدة الرسمية، بينما تمّ تعليق تنفيذها لشهرٍ واحد فقط ربطاً بإقرار الموازنة وإلا تصبح نافذة حكماً، بحسب ما أعلن وزير المال علي حسن خليل بأنه «أضيف للمادة 20 نصاً يقول بأن اعتمادات السلسلة تدفع من الموازنة بحال إقرارها خلال شهر، والا فتصبح ناجزة حكماً حتى ولو لم تقر الموازنة»، علماً بأن الموازنة لا تخلو من عقبات في طريق إقرارها، لا سيما لجهة تأمين الموارد الضرائبية وقطع حساب الموازنات السابقة وقيمة الوفر في الخزينة.
وفسّرت مصادر نيابية كلام وزير المال، مشيرة لـ»البناء» بأن هذا يؤكد فصل السلسلة عن الموازنة وبالتالي تمويل السلسلة بات محسوماً ومعمولاً به، أقرّت الموازنة أم لم تُقرّ.
ولفتت المصادر الى أنه لم يتم تحديد كلفة تغطية السلسلة في جلسة أمس، بل تم إقرار بنود السلسلة والوضعية الإصلاحية، أما قانون الجبايات فسيتم إنجازه في جلسة اليوم. ووصفت المصادر الجلسة بأنّها جيدة وإيجابية وسادها نوع من الحوار والتوافق والنقاش العميق والدقيق لبنود السلسلة وتمّت مراعاة التوازن بين إقرار السلسلة والإصلاحات والسياسة الضرائبية، لكنها أشارت الى أن توافقاً حصل بين القوى السياسية ومن الرؤساء الثلاثة تحديداً على تمرير السلسلة قبيل انعقاد الجلسة ما سهّل إنجازها، وتحدّثت المصادر عن تنازلات متبادلة بين الكتل للوصول الى اتفاق، ونفت حصول خلافات أو تباعد بين التيار الوطني الحرّ والتنمية والتحرير، مشيرة الى أن سجال خليل وكنعان ضُخّم أكثر مما يحتمل.
ورفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الجلسة إلى العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم لاستكمال مناقشة وإقرار بقية بنود جدول الأعمال.
وأثارت مسألة الوفر في الخزينة سجالاً حاداً بين وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان. وهذا أول صدام بين كتلتي التحرير والتنمية والتيار الوطني الحر منذ تسوية العلاقات بينهما، بعد الفتور الذي سادها لفترة طويلة.
وكان المجلس النيابي قد أقرّ في الجلسة الصباحية 20 مادة من أصل 38 من مشروع السلسلة، بعدما صادق على المادة المتعلقة بإعطاء المتقاعدين حقوقهم مع التجزئة 3 سنوات، وعلى استفادة معلّمي القطاع الخاص من الزيادة المقرّة لمعلمي القطاع الرسمي.
وتوسّع النواب بمناقشة بنود السلسلة وتنوّعت مواقف الكتل النيابية من السلسلة، حيث ركّز رئيس الحكومة سعد الحريري على مواردها، فيما اختار النائب فؤاد السنيورة التصويب على أعبائها على الخزينة، أما كتلتا الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير فعكست مداخلات نوابهما تسهيلاً لإنجازها، فيما كرّر نواب الحزب الاشتراكي تحذيرهم من عدم تخطيها سقف الـ1200 مليار ليرة، مقابل ترسيخ تكتل التغيير والإصلاح أهمية إنجاز الموازنة بموازاة إقرار السلسلة.
وقال رئيس الحكومة سعد الحريري: «لا أوافق على سلسلة من دون موارد»، فهي سلة واحدة: إصلاحات وموارد وضرائب، مشيراً الى انه «مع حقوق الناس ومع تأمين الإيرادات لكل زيادة»، سائلاً «ماذا يستفيد المتقاعدون مثلاً إذا انهارت الليرة؟». أما الرئيس بري فقال «لا شيء يُعطى ببلاش. هناك زيادة ضرائب وإصلاحات عدة. والقصة مش قصة شعبوية».
أما في الجولة المسائية، فبحث المجلس الإصلاحات وأقرّ تعديل الدوام الرسمي ليصبح من الاثنين حتى الجمعة من الساعة 8 صباحاً لغاية 3.30 بعد الظهر مع تخفيض ساعتين للمسلمين لصلاة الجمعة.
وإثر تضارب بالآراء، وضع مجلس النواب جانباً المادتين المتعلقتين بوقف التوظيف لإعادة صياغتهما، الأمر الذي كُلّف به وزير المال.
وعلمت «البناء» أن مشاورات مكثفة حصلت أثناء الجلستين وبينهما، بين ممثلي الكتل النيابية لا سيما بين الرئيس بري ونواب التيار الوطني الحر، لتذليل العقبات وتقريب وجهات النظر للوصول إلى حل توافقي يقضي بإقرار السلسلة، وقال النائب ألان عون في تصريح إن «أي وفر في الموازنة كان ليعوّضنا عن فرض الضرائب. وسهّلنا كـ»تيار وطني حرّ» الأمور كثيراً».
تحرّكات الشارع
ورغم الطقس الحار وأشعة الشمس الحارقة، شهد وسط بيروت تظاهرات منذ الصباح الباكر بالتزامن مع انعقاد الجلسة، فنفّذ أساتذة التعليم الثانوي الرسمي والمسرّحون من الدفاع المدني اعتصاماً في ساحة رياض الصلح، كما اعتصم التيار النقابي المستقل مطالباً بإقرار سلسلة عادلة وشاملة، في وقت حاول المتقاعدون في الجيش والقوى الأمنية الوصول الى ساحة النجمة للانضمام الى المتظاهرين، إلا أن مسيرتهم باءت بالفشل بسبب إقفال الطريق أمامهم من قبل القوى الأمنية التي منعت دخولهم.
ولفت الأساتذة في بيان الى أن «ظلمهم بدأ منذ شهر تشرين الأول 2015 عند صدور امتحانات مباراتنا، تلتها سنة للالتحاق بزملائنا في كلية التربية».
وطالبوا «بأن يكون لهم حق الأولوية، واستبدال هذا القانون بالقانون المعاد من قبل رئيس الجمهورية، مع إضافة مادة خامسة عليه تقضي بأن يُجاز التعيين من الناجحين في مباراتي 2008 و2015 الذين تخطّوا السن القانونية في ملاك التعليم الثانوي، والتصويت على القانون المعدّل وإقراره اليوم».
وحذّر الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين من إقرار أي ضرائب على الفقراء، مؤكداً ان الاتحاد سيكون بالمرصاد.
وأعلن العسكرّيون المتقاعدون «أنّنا لن نخرج من الشارع وسنغلق كلّ طرقات لبنان إذا لم نأخذ حقوقنا»، وأكّدوا «أنّنا نريد حقوقنا الكاملة وحقّنا بـ 85 في المئة ومن دون تقسيط». كما أعلنوا «احتساب المعاشات التقاعدية على طريقة الشطور»، مطالبين بأن «تتساوى المعاشات التقاعدية بين جميع الموظفين المتقاعدين بالفئة والدرجة وسنين الخدمة».
سجال الضاهر – رحمة
وحضرت التطورات الأمنية في السلسلة الشرقية وأزمة النازحين في مناقشات الجلسة التي شهدت سجالاً حاداً بين النائبين خالد الضاهر واميل رحمة، الذي ردّ على الضاهر على خلفية مطالبة الأخير بإقالة وزير الدفاع وبعدم زجّ عناصر الجيش في معارك خارج مصلحة لبنان، وفق تعبيره، ورفض رحمة التعرّض للجيش.
وردّ وزير الدفاع على طلب الضاهر استقالته، قال: «إذا بيطلع بإيدو إقالتي.. صحتين ع قلبو».
وقال الصراف، في تصريح: «لا يفّكر إنسان إنني مستعد لأستقيل طالما الجيش في هذا الوضع والحرب التي يخوضها»، مشدداً على أهمية استمرارية الجيش.
وأكد الحريري، رداً على مداخلات النواب أن «الجيش اللبناني مسؤول عن حماية اللبنانيين والنازحين السوريين على أراضيه»، مشيرًا الى أن «الجيش سيقوم بعملية مدروسة في جرود عرسال والحكومة تعطيه الحرية لمعالجة هذا الأمر». ونفى الحريري وجود غرفة مشتركة بين الجيشين السوري واللبناني، وقال «جيشنا مسؤول عن إدارة القتال في جرود عرسال. هناك مشكلة في عدم ترسيم الحدود مع سورية، لذلك يقصف الطيران السوري مناطق يعتبرها تابعة له ونحن نعتبرها تابعة للبنان». وتابع «لدينا مشكلة نازحين ونريد عودتهم إلى بلدهم وننتظر ضوءًا أخضر من الأمم المتحدة».
النازحون يؤخّرون بدء المعركة
وفي سياق ذلك، استمر سلاح الجو السوري بشن غارات على مواقع «فتح الشام» و«النصرة» الإرهابيتين في جرود عرسال. واستهدفت غاراته أمس نقاط وتجمعات التنظيمين غرب جرد فليطة وادي الخيل ووادي الدب ووادي العويني عند الحدود اللبنانية الشرقية مع سورية. وذكرت معلومات أمنية لـ«البناء»، «أن المواقع المستهدفة تلك تعتبر مواقع حساسة وذات أهمية لوجستية وعلى مستوى القيادة العملانية». ونقلت مصادر متابعة لـ»البناء»، «أن هذه الغارات مقدّمة لمعركة الحسم للجرود، والتي لم تعد بعيدة». وتلفت «أن معوقات بدء المعركة تكمن في إمكانية تجاوب النازحين السوريين في عرسال وعودتهم إلى قراهم السورية، حيث تتحدّث معلومات عن رغبة لديهم في العودة أو تحييدهم عن محور ميدانيات العملية العسكرية».
وتخوفت المصادر «من استخدام النازحين وعدم السماح لهم بالعودة بسبب ضغوط يمارسها المسلحون عليهم، وبالتالي فإن الخوف الأكبر من استعمالهم كحماية للإرهابيين». لكن مصادر أمنية أوضحت لـ»البناء»، «أن المناطق المحيطة بمخيمات النزوح في عرسال ساقطة عسكرياً بفعل تمكّن الوحدات العسكرية اللبنانية والمتقدّمة الكاشفة لتلك المناطق من الوضع». وبالتالي عند حصول المعركة فإن أي تحرك في البقعة الجغرافية المحيطة بالمخيمات والممتدة حتى مواقع المسلحين «تعتبر هدفاً عسكرياً والتعامل معه سيكون موضع استهداف».
واعتبر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أن حل أزمة النازحين والحدّ من أعبائها السلبية على الوضع العام في البلاد، لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين»، داعياً الى «الحذر وعدم الانجرار الى لعبة بثّ الحقد، لأن نتيجتها لن تكون إيجابية على لبنان ولا على السوريين أيضاً»، مشيراً الى «ان ما تشهده منذ ايام وسائل التواصل الاجتماعي من تحريض متبادل أخذ طابعاً غير مقبول، ولا سيما أن ما يُنشر ويتمّ تداوله لا يعكس حقيقة لبنان كبلد للتعايش والتسامح ولا طباع اللبنانيين وأخلاقهم، فإذا كان هناك من بين النازحين السوريين مَن أساء، هذا لا يعني أن جميع النازحين السوريين مسيئون، وبالتالي يفترض التمييز بين هذين الأمرين».
وقال عون: «لبنان نجح في ضبط الوضع في الداخل رغم الأحداث الخطيرة التي حصلت في المنطقة، فهل المطلوب اليوم إدخاله في أتون الحرب والمشاكل الداخلية في وقت تكاد الحروب من حولنا تنتهي»؟.