ما الذي تفعله الولايات المتحدة الأميركية في سورية؟!

ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق

كتبت شارمين نارواني لـ«The American Conservative»:

عدتُ للتوّ من جولة ميدانية في سورية بعد أكثر من سنة، إلا أنني رجعتُ بحيثية مثيرة للغاية. وسوف أعمد ـ بعد فترة ـ إلى نشر مقالين تفصيليين حول النازحين في الداخل السوري، عارضةً بالتفصيل لمشكلات الخبز، والمواد الغذائية السورية التي كانت تُستهدف بشكل منهجيّ خلال هذا الصراع.

وكما اعتقدتُ أنه يجب أن أكتب شيئاً موجزاً حول هذه القضية المحيّرة نوعاً ما حول سبب قيام قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بالتمركز على الحدود الجنوبية بين العراق وسورية. حيث لا وجود لـ«داعش» هناك ـ ويبدو أن جهداً ضعيفاً قد بُذل لمنع التعاون العسكري السوري ـ العراقي المباشر عبر الحدود. ناهيك عن رغبة الولايات المتحدة الأميركية في عرقلة إقامة أيّ طريق برّي مباشر من إيران إلى حدود فلسطين.

تتقدّم الولايات المتحدة وقواتها المتحالفة في مدينة التنف الواقعة جنوب شرق سورية، قاطعةً الطريق الرئيس الذي يربط دمشق ببغداد، مع دفع عجلة «داعش» بعيداً من أراضيه المتبقية في دمشق وبغداد.

إن هزيمة «داعش»، هي الهدف العسكري الوحيد لواشنطن داخل سورية. فما الذي تفعله تلك القوات الأميركية هناك، معرقلةً الشريان الحيوي الوحيد الذي يربط بين دولتين عربيتين متحالفتين في معركتهما ضدّ الإرهاب؟

ويؤكد العقيد ريان ديلون، المتحدث بِاسم فرقة العمليات المشتركة لحلّ العمليات المستعصية، حول الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضدّ «داعش»، وذلك عبر الهاتف من بغداد: «إن وجودنا في التنف هو وجود موقّت». ويضيف: «إن وجودنا في الأساس، إنما هو لتدريب القوات المشتركة في تلك المنطقة على معارك مختلفة ضدّ داعش في أماكن أخرى… والحفاظ على الأمن في تلك المنطقة الحدودية». ومن ثمّ يشدّد ديلون قائلاً: «معركتنا ليست بالتحديد مع النظام السوري».

لكن، ومنذ 18 أيار الماضي، وعندما استهدفت الغارات الجوية الأميركية القوات السورية ومركباتها التي تقترب من التنف، أسقطت القوات الأميركية طائرتين سوريتين بلا طيّار، وأطلقت النار على القوات السورية المتحالفة مرّات عدّة، متحجّجةً دوماً بـ«الدفاع عن النفس». وفي الوقت عينه، ومع ذلك، لا يبدو أن المسلّحين المدعومين من قبل الولايات المتحدة قد شاركوا مرة واحدة في القتال مع «داعش».

أما بثينة شعبان، وهي المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري بشار الأسد، فكتبت عن هذا الخطاب ما يلي: «عندما سُئلوا عما يفعلونه في جنوب سورية، قالوا إنهم موجودون هناك من أجل أمنهم القومي، لكننا نرى أنهم باتوا يعترضون على تحرّكات الجيش السوري داخل سورية!».

وهناك نقطة مهمة للغاية. فبموجب القانون الدولي، يمكن السماح بتواجد القوات الأجنبية داخل دولة ذات سيادة ـ وفي هذه الحالة، فإن حكومة الأسد، وهي السلطة السورية الوحيدة المعترف بها من قبل مجلس الأمن الدولي. تحاول الجيوش غير المدعوّة التحايل على القانون من خلال الادّعاء بأن سورية «غير قادرة أو غير راغبة» بمحاربة «داعش» وللتهديد الذي يشكّله على الأمن الدولي. لكن فكرة أن سورية «غير قادرة أو غير راغبة»، لا تعدو كونها نظرية وليست قانوناً، ومنذ دخول الروس المسرح العسكري السوري لمحاربة «داعش» ظاهرياً إلى جانب السوريين، تتغلغل هذه الحجة عميقاً بشكل كبير.

يعترف الكولونيل ديلون بهذه المسألة، غير أنه يقول أن الجيش السوري «ظهر مؤخراً في المنطقة. فإذا استطاعوا إثبات أنهم قادرون على محاربة داعش وهزيمته، فنحن لن نكون هناك، وسيكون هذا العمل موضع ترحيب بالنسبة إلينا».

ومن غير الواضح من الذي ساعد المحكّمين الأميركيين في التوصل إلى هذا الاستنتاج. وقد شهدت معركة سورية ضدّ «داعش» تطوراً كبيراً في الأشهر الأخيرة، حيث تمّ إنشاء أربع «مناطق تصعيد» خلال مفاوضات شهر أيار في أستانة بين روسيا وتركيا وإيران. وكانت اتفاقات المصالحة بين القوات الحكومية وبعض الجماعات المسلّحة في تلك المناطق ـ ونقل مسلّحين آخرين إلى محافظة إدلب الشمالية ـ تعني أن القوات السورية المتحالفة، نجحت في تحويل الانتباه بعيداً عن المناطق الاستراتيجية في الغرب والتركيز على «داعش» وقتاله في شرق البلاد.

ويؤكد تقرير نيسان عام 2017، والصادر عن مركز «IHS Markit»، وهي شركة رائدة في مجال توفير المعلومات الأمنية والدفاع عن المملكة المتحدة، أن «داعش» قد خاض حرباً شرسة ضدّ الحكومة السورية أكثر من أيّ خصم آخر على مدى الأشهر الـ12 الماضية. وتقول المنظمة: «بين الأول من نيسان 2016 و31 آذار 2017، كان ما يقارب 43 من جميع مقاتلي داعش في سورية يقاتلون ضدّ قوات الرئيس الأسد، 17 منها ضدّ القوات الديمقراطية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، أما الـ 40 الباقية من الجماعات السنيّة المعارضة ـ تحديداً، فهم أولئك الذين شكلوا جزءاً من تحالف درع الدفاع التركي المدعوم من سورية».

وبعبارة أخرى، وخلال الفترة التي وصلت فيها خسائر «داعش» إلى الذروة، كانت القوات السورية تقاتل «داعش» بنسبة تفوق ضعفَي ما تقوم به القوات المدعومة من الولايات المتحدة.

الإسفين الأميركي بين سورية والعراق

إذن، ما هو سبب استمرار الوجود الأميركي في التنف، وهي منطقة خالية من الوجود «الداعشيّ»، حيث حقق الجيش السوري وحلفاؤه تقدّماً هائلاً ضدّ خصومهم الإسلاميين المتشدّدين؟

وإذا ما نظرنا إلى الخريطة أعلاه، والتي حدّدها الكاتب، لوجدنا ثلاثة معابر رئيسة سريعة من المراكز السورية الرئيسة إلى العراق. حيث يخضع الطريق السريع الحدودي الشمالي حالياً لسيطرة القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة التي تسعى إلى إقامة دولة مستقلة تدعى «كردستان الغربية».

أما الطريق من حمص إلى بغداد والظاهر وسط الخريطة، فهو مقطوع في دير الزور من قبل قوات «داعش»، حيث قام أكثر من 10000 جنديّ سوري بحماية 120000 مدنيّ من بطش «داعش» في ضواحي المدينة عام 2014. وفي حين أن نقطة الحدود هذه إلى العراق قد تمّ حظرها حالياً من قبل الجماعات الإرهابية، فإن القوات السورية تتقدّم بسرعة من الغرب والشمال والجنوب لانتزاع المنطقة مرة أخرى من سيطرة «داعش».

وكان الطريق السريع من دمشق إلى بغداد الواقع جنوب البلاد، والذي استعادته القوات السورية المتحالفة ـ كان من السهل أن يكون الطريق الأول من دون عراقيل بين سورية والعراق. إلى أن تقوم القوات التي تقودها الولايات المتحدة بترسيخ نفسها في التنف وسدّ الطريق.

قام السوريون بتطهير معظم الطرق السريعة هذا العام، غير أنهم مُنعوا من الوصول إلى الحدود من خلال «منطقة تفكك» من جانب واحد أقامتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وفي هذا يقول المتحدث بِاسم حزب «الاتحاد الجمهوري» الإيرلندي: «تمّ الاتفاق مع الروس على أن تُعلن هذه البقعة منطقة تفكّك».

ويطرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف التالي: «لا أعرف شيئاً عن هذه المناطق. ويجب أن تكون تلك بعض الأراضي التي أعلنها الائتلاف من جانب واحد، وحيث يُرجّح أنه الوحيد الذي يمتلك الحق في اتخاذ الإجراءات المناسبة. نحن لا يمكن لنا أن نعترف بهذه المناطق».

وبما أن خطط تغيير النظام قد تراجعت في سورية، فإن صقور بالتواي يدعون إلى تقسيم سورية إلى ثلاث مناطق نفوذ على الأقلّ، وهي منطقة لـ«إسرائيل»، والأردن في الجنوب، مؤيدة للولايات المتحدة، فضلاً عن الكيان الكردي على طول الحدود الشمالية والشمالية الشرقية، فضلاً عن السيطرة على الحدود السورية ـ العراقية.

لكن الاشتباكات مع القوات السورية على طول الطريق إلى التنف قد خلقت حالياً «نتائج غير مقصودة» لخطط الحدود الأميركية. قامت القوات السورية المتحالفة بالتحايل على مشكلة التنف. فقبل بضعة أسابيع من خلال إقامة اتصال حدوديّ مع القوات العراقية في الشمال، وبالتالي منع وصول حلفاء الولايات المتحدة في الجنوب، وصلت قوات الأمن العراقية حتى الآن إلى معبر الوليد الحدوديّ، على الجانب العراقي من الحدود مع التنف، ما يعني أن القوات التي تقودها الولايات المتحدة، تبقى مقيّدة حتى الآن بين العراقيين والسوريين، وذلك على الطريق بين دمشق وبغداد.

عندما تجاوز السوريون والعراقيون منطقة التنف، توجهوا نحو الشمال لإقامة اتصال على الحدود، كما أُنشئت مجموعة هامة أخرى من بعض الوقائع على الأرض. تنقطع قوات التحالف الأميركية المتواجدة في الوقت الحالي في الجنوب السوري عن محاربة «داعش» في الشمال الشرقي. إنها انتكاسة حقيقية لخطط واشنطن لعرقلة التدفق عبر الحدود السورية العراقية المباشرة وتسجيل انتصارها المبهر ضدّ «داعش». ومع توجه القوات السورية نحو دير الزور، فإن مشاركة القوات المدعومة من الولايات المتحدة في معركة تحرير تلك المنطقة الاستراتيجية، ستقتصر الآن على القوات الديمقراطية السورية التي يسيطر عليها الأكراد من الشمال، في حين أن القوات السورية قد أقامت ممراً آمناً من الشمال والجنوب والغرب، وربما من الشرق، بمساعدة القوات العراقية المتحالفة.

لماذا تريد واشنطن هذه الحدود؟

إن إعادة السيطرة السورية على الطريق السريع الذي يمتدّ من دير الزور إلى البوكمال والقيّم، يعتبر ايضاً أولوية بالنسبة لحلفاء سورية في إيران. ويوضح الدكتور مسعود أسد الله، وهو الخبير في شؤون الشرق الأوسط في دمشق: «إن الطريق من خلال البوكمال هو الخيار الأفضل لإيران، والأقصر إلى بغداد والأكثر أمناً، فضلاً عن أنه يمرّ عبر المناطق الخضراء الصالحة للسكن. أما الطريق السريع بغداد ـ دمشق، فهو أكثر خطراً على إيران كونه يمرّ عبر محافظة الأنبار العراقية والمناطق الصحراوية».

وإذا كان هدف الولايات المتحدة في التنف، عرقلة الطريق السريع الجنوبي بين سورية والعراق، ما يؤدي إلى قطع وصول إيران إلى حدود فلسطين، فقد تمّ تجاهل ذلك بشكل سيّئ جداً. فالقوات السورية والعراقية والقوات المتحالفة معها حاصرت بشكل أساسي القوات التي تقودها الولايات المتحدة في مثلّث عديم الفائدة في الجنوب، وخلقت مثلثاً جديداً بين تدمر، دير الزور، والبوكمال من أجل «معركتهم النهائية» ضدّ «داعش».

ويلاحظ السفير الإيراني جواد ترك عبادي، أن «الأميركيين يخططون دائماً لنتيجة واحدة ثم يحصلون على نتيجة أخرى غير مقصودة».

لا يزال هو وغيره في دمشق متفائلين بأن الطرق الحدودية للدول الإقليمية سيُعاد فتحها في وقت قصير. ويؤكد الترك العبادي أنه «وإبان حقبة طريق الحرير، لطالما كان الممرّ بين سورية، إيران، والعراق نشطاً للغاية، إلى أن وصل الاستعمار إلى المنطقة».

وبالطريقة عينها التي سعت فيها القوات الغربية العظمى، إلى الحفاظ على انفصال روسيا عن الصين، في الشرق الأوسط، فإن الانقسام نفسه يُطبّق حالياً من خلال دقّ الإسافين منذ عقود بين سورية والعراق.

«وبالعودة إلى تاريخ نصف القرن الماضي، نرى أن كلاً سورية والعراق قد مُنعتا باستمرار من تحقيق التقارب والتفاهم، والتنسيق. وحينما توصل الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والرئيس العراقي آنذاك أحمد حسن البكر إلى تحقيق اتفاق شامل، قام صدّام حسين بانقلاب، وعمد إلى تعليق جميع الضباط الذين يريدون التقارب مع سورية»، على حدّ قول شعبان التي نشرت منذ فترة وجيزة كتاباً عن حافظ الأسد، تتناول فيه حيثيات تعامل حافظ الأسد مع وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر.

ولم يلبث صدّام أن شنّ حرباً دامت سنوات ثمانٍ ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي خسرت طريقها عبر العراق منذ أكثر من عقدين. وفي أوائل عام 2003، غزت القوات الأميركية العراق، ودمّرت صدّام وحكمه، واحتلّت البلاد على مدى السنوات التسع التي تلت. وخلال تلك الفترة الزمنية، كانت الطائرات الإيرانية تؤمر في غالبية الأحيان، وتُجبر على التراجع عن عمليات التفتيش التي تقوم بها قوات الاحتلال الأميركية المهتمة بإحباط نقل الأسلحة الإيرانية والإمدادات إلى حزب الله اللبناني وحلفائه.

وبحلول توقيت خروج القوات الأميركية من العراق عام 2011، بدأ الصراع السوري يسير في مجراه الدموي المأسوي، بتمويل ودعم من حلف شمال الأطلسي ـ الناتو ـ وحلفائه من دول الخليج الفارسي. ويقول أسد الله في إطار فتح الحدود: «سيكون على إيران ـ وللمرة الأولى ـ فتح طريق لها نحو سورية وفلسطين»، على الرغم من إشارة آخرين إلى أن الإيرانيين يجدون دوماً طريقاً لنقل البضائع التي لا يُكشف عنها.

وتصرّ شعبان على القول: «وصل جيشنا الآن إلى الحدود العراقية، ولن نتوقف هناك مطلقاً».

لم تقم القوات العراقية والسورية حتّى الآن بتفتيش القوات الأميركية العاملة على مسارحها العسكرية. لا يزال هناك حديث عن تصعيد قد يثير الولايات المتحدة ضدّ الحليف الروسي القوي في سورية، وهذا تطور خطير يمكن أن يعجّل في إقامة حرب إقليمية أو عالمية.

أما في بغداد، فإن لهجة الناطق باسم قوات التحالف الأميركية الكولونيل ديلون، قد جاءت واضحة أكثر من التهديدات العدوانية التي صدرت عن واشنطن: «نحن لسنا في سورية للاستيلاء على الأرض. وإذا ما أظهر النظام السوري قدرته على هزم داعش، فسيكون ذلك جيداً للغاية بالنسبة إلينا. أما معبر الوليد، فهو يدلّ جيداً على هذه القدرات. نحن منفتحون للغاية على مسألة فتح آمن للحدود على الجانبين السوري والعراقي. ولسنا متواجدين هناك بقصد منع أي شيء، بل لهزيمة داعش وتدريب قواتنا على القيام بذلك».

وفي الحقيقة، فإن القوات الأميركية المدرّبة في حامية التنف اليوم، لا تقاتل «داعش»، وهم عانوا من هزيمة شرسة في حزيران 2016، عندما شنّوا هجوماً كبيراً ضدّ الجماعة الإرهابية على بعد مئتي ميل من التنف. إن تحديد العوامل في الجغرافيا، تحقيق توازن القوى على أرض المعركة الميدانية والزخم، يجعل من غير المعقول أن تعلن القوات الأميركية ووكلائها على الحدود الجنوبية السورية ـ العراقية إمكانية تحقيق أهدافها المعلنة. لقد حان الوقت بالنسبة إليهم، لتسليم مواقعهم إلى القوات السورية.

شارمين نارواني، محلّلة سياسية في استراتيجيات الشرق الأوسط، بيروت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى