الوقائع تؤكّد تفوّق موسكو على واشنطن في الشرق الأوسط… والعالم

كثيرة هي التقارير الصحافية الغربية والروسية التي تؤكّد تراجع أسهم الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، مقابل ارتفاع أسمهم روسيا، لا بل تشير أيضاً إلى التقدّم الروسي على مستوى العالم.

صحيفة «كومرسانت» الروسية نشرت مقالاً لرئيسة قسم السياسة الخارجية فيعا يلينا تشيرنينكو، وذلك عن اللقاء الأميركي ـ الروسي الأخير، الذي نوقشت فيه موضوعات مختلفة تمس العلاقات بين البلدين. وتقول تشيرنينكو: ناقشت مجموعات العمل الاستشارية الروسية ـ الأميركية قبل أيام موضوعات مختلفة تشمل تنفيذ اتفاقية تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية ومسألة رفع الحجز عن ممتلكات البعثة الدبلوماسية الروسية لدى الولايات المتحدة ومصير مواطني روسيا المعتقلين في السجون الأميركية. بيد أن اهتمام رجال الصحافة تركز على مسألة الممتلكات الروسية المحجوزة. وهذا ليس غريباً إذا علمنا أن الكرملين والخارجية الروسية عدّا المسألة «سرقة في وضح النهار»، وحذّرا من أن «صبر موسكو يوشك على النفاد».

وعن الموضوع ذاته، نشرت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية مقالاً عن العلاقات الروسية ـ الأميركية بقلم إيغور سوبوتين، يشير فيه إلى أن لقاء ترامب وبوتين الثاني عرَّض البيت الأبيض للخطر.

أما التقرير الأبرز، فنشرته مجلّة «نيوزويك» الأميركية، أشار فيه رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأميركي، إلى أنّ شرعية الوجود العسكري الروسي في سورية بطلب من الرئيس الأسد، تمنح موسكو نفوذاً يخولها حتى القدرة على طرد القوات الأميركية من سورية.

وفي ما يلي، جولة على هذه التقارير.

كومرسانت

كتبت رئيسة قسم السياسة الخارجية في صحيفة «كومرسانت» الروسية يلينا تشيرنينكو مقالاً عن اللقاء الأميركي ـ الروسي الأخير، الذي نوقشت فيه موضوعات مختلفة تمس العلاقات بين البلدين.

كتبت تشيرنينكو: ناقشت مجموعات العمل الاستشارية الروسية ـ الأميركية قبل أيام موضوعات مختلفة تشمل تنفيذ اتفاقية تقليص الأسلحة الاستراتيجية الهجومية ومسألة رفع الحجز عن ممتلكات البعثة الدبلوماسية الروسية لدى الولايات المتحدة ومصير مواطني روسيا المعتقلين في السجون الأميركية. بيد أن اهتمام رجال الصحافة تركز على مسألة الممتلكات الروسية المحجوزة. وهذا ليس غريباً إذا علمنا أن الكرملين والخارجية الروسية عدّا المسألة «سرقة في وضح النهار»، وحذّرا من أن «صبر موسكو يوشك على النفاد».

غير أن نائب وزير خارجية روسيا سيرغي ريابكوف ونظيره الأميركي توماس شينون لم يتوصلا إلى تسوية لهذه المسألة. لذلك يسأل الجميع: هل ستتخذ موسكو إجراءات متماثلة، أم ستعطي فرصة أخرى للدبلوماسيين. وهذه المسألة مهمة للسلطات الروسية لعدة أسباب: أولاً، هذه المباني كانت تستخدمها البعثة الدبلوماسية الروسية لقضاء أيام العطلات، وصيفاً كانت تتحول إلى معسكرات لأطفال الدبلوماسيين. وامتلاك مثل هذه المباني مربحة حتى من الناحية المالية. وثانياً، ترتبط هذه المسألة بالأمن، حيث يشير الدبلوماسيون إلى أنه عند قضائهم أيام عطلهم خارج هذه المباني، يتعرضون للمراقبة والتنصت وحتى لمحاولات تجنيدهم.

هذا، وتستطيع روسيا من حيث المبدأ شراء مبان جديدة أو استئجارها لفترة طويلة. ولكنَّ هنالك سبباً ثالثاً وهو الأهم. إذ إن مسألة استعادة الأملاك أصبحت لموسكو مسألة مبدأ. فعندما قررت إدارة أوباما في نهاية كانون الأول 2016 طرد 35 دبلوماسياً روسياً وحجز هذه المباني، قرر الرئيس الروسي بوتين عدم الردّ بالمثل، على أمل تغير سياسة واشنطن بعد تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. لكن الإدارة الأميركية الجديدة لا تستعجل في إلغاء قرار الإدارة السابقة، ولديها أسبابها لذلك. ففي ظروف المواجهة مع الكونغرس، الذي يشتبه بتواطؤ ترامب مع الكرملين، يصبح من غير الممكن إلغاء هذه العقوبات بجرة قلم، لأن موقف ترامب متزعزع، ومثل هذه الخطوة ستعدُّها المؤسسة السياسية الأميركية غير مبررة وتنازلاً مشكوكاً فيه، وخاصة إذا أخذنا بالاعتبار أن الإدارة الأميركية السابقة برّرت قرارها بطرد الدبلوماسيين الروس وحجز هذه المباني بأنه ردّ على تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية، وملاحقة أعضاء البعثة الدبلوماسية الأميركية في روسيا. وإضافة إلى ذلك، أعلن البيت الأبيض حينها أن الحديث لا يدور عن مباني استراحة للدبلوماسيين الروس، بل عن مقار لأجهزة الاستخبارات الروسية.

وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يتحدثون عن تعمد باراك أوباما تعقيد وضع خلفه لمنعه من تحسين العلاقات مع موسكو، فإن الحقيقة تشير إلى أن على دونالد ترامب إعادة الممتلكات الروسية في صفقة تجارية مربحة لواشنطن. من هنا تشير مصادر في البيت الأبيض إلى أن الولايات المتحدة ستعيد هذه المباني «مقابل شيء ما».

أما في موسكو فيرفضون هذا الموقف مؤكدين أنه لم يكن هناك أي سبب لحجز الممتلكات الروسية من قبل الإدارة السابقة. وإذا لم تحل المسألة، فإن السلطات الروسية كما يبدو سوف تلقي الحجز على الممتلكات الأميركية في روسيا. ولكن المسألة كما يقول المحاورون في واشنطن لن يراها البيت الأبيض معاملة بالمثل، بل إجراء غير مبرر لتصعيد النزاع، وعليهم الرد عليه. وبقي علينا أن نأمل قيام أحدهم بكسر هذه الحلقة المفرغة.

نيزافيسيمايا غازيتا

نشرت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية مقالاً عن العلاقات الروسية ـ الأميركية بقلم إيغور سوبوتين، يشير فيه إلى أن لقاء ترامب وبوتين الثاني عرَّض البيت الأبيض للخطر.

كتب سوبوتين: اتُهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بانتهاك بروتوكول الأمن القومي على خلفية لقائه الثاني بالرئيس الروسي على هامش قمة العشرين. وقد جرى هذا اللقاء خلال مأدبة العشاء التقليدية التي تقيمها الدولة المضيفة للمشاركين في القمة، وبحضور مترجم الرئيس الروسي فقط. وقد لا يثير هذا مشكلة كبيرة لترامب. لكن ليس من المستبعد في مثل هذه الظروف أن يعدل الكرملين نهج سياسته الخارجية.

في غضون ذلك، لم ينف البيت الأبيض اللقاء غير الرسمي بين ترامب وبوتين، لكنه أكد أنه كان قصيراً كاللقاءات التي تُجرى خلال القمم المماثلة. وبحسب وكالة «بلومبرغ»، قال المتحدث بِاسم مجلس الأمن القومي مايكل أنطون: «كان هذا عشاء اجتماعياً، حيث تحدث قبيل نهايته الرئيس مع بوتين». كما أكد هذا الأمر السكرتير الصحافي للبيت الأبيض شون سبايسر. أما ترامب فقد كتب في موقعه على شبكة تويتر: «الأخبار المفبركة تصبح مشينة أكثر فأكثر. حتى العشاء المقام على شرف زعماء العشرين في ألمانيا يبدو نذيراً بالسوء».

هذا، وأول من كشف هذا اللقاء كان رئيس مركز «Eurasia Group» التحليلي ين بريمير، حين قال، «استناداً إلى مصادر مطلعة، إن مترجم الرئيس الروسي فقط كان حاضراً في أثناء حديث بوتين وترامب». وبحسب رأيه، هذا انتهاك لبروتوكول الأمن القومي، وأضاف: «لم أشاهد في حياتي كمحلل سياسي دولتين كبيرتين تتصادم مصالحهما كثيراً، في حين أن زعيميهما يبذلان كل ما في وسعهما ليكونا صديقين مقرّبين». وقد أوضح البيت الأبيض من جانبه عدم حضور مترجم الرئيس ترامب هذا اللقاء بأن الرئيس ترامب كان يجلس بجانب رئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي خلال العشاء، لذلك فإن المترجم الأميركي الذي حضر معه يتحدث اللغة اليابانية ولا يجيد الروسية.

ويفترض الخبراء أن الأجواء بعد لقاء بوتين وترامب على هامش قمة العشرين ستجبر الكرملين على الاعتراف بمحدودية وصرامة مستوى العلاقات الروسية ـ الأميركية.

يقول المحلل السياسي، رئيس كرسي العلاقات الاجتماعية في معهد موسكو للعلاقات الدولية فاليري سولوفي، في حديث إلى الصحيفة، «إن الكرملين بات يدرك، وبخاصة بعد قرار ترامب تعيين سفير جديد لدى روسيا، أن علاقاتنا ستكون عدائية جداً هذا إذا لم نضطر إلى المواجهة. لأنه حتى إذا أراد ترامب، وهو فعلاً أراد بعد انتخابه تحسين العلاقات الأميركية ـ الروسية، فإنه غير قادر على ذلك، لأن أي خطوة في هذا الاتجاه تعدُّ وكأنها خيانة وطنية».

وفي ضوء ذلك، يشير المحللون إلى أن الكرملين سيحاول تعديل سياسته الخارجية، ويقول سولوفي بهذا الشأن: «أعتقد أنهم يحضرون لتصحيحها، لأن العلاقات العدائية لا تعني المواجهة النشطة. ومع ذلك يمكننا التعاون في عددٍ من الاتجاهات، مثل سورية وكوريا الشمالية. ولكن هل سيحصل هذا التعاون أم لا؟».

ويذكر أن البيت الأبيض أكد ترشيح جون هانتسمان لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى روسيا. وقد استقبلت موسكو هذا الترشيح بهدوء على الرغم من مواقفه العدائية تجاه روسيا.

نيوزويك

قال رئيس قيادة العمليات الخاصة في الجيش الأميركي إن شرعية الوجود العسكري الروسي في سورية بطلب من الرئيس الأسد، تمنح موسكو نفوذاً يخولها حتى القدرة على طرد القوات الأميركية من سورية.

ونقلت مجلة «نيوزويك» الأميركية عن رئيس القوات الخاصة ريموند توماس أمس، أثناء تواجده في مؤتمر «أسبين» الأمني في ولاية كولورادو الأميركية، قوله: «روسيا حصلت على موطئ قدم لها في سورية أكثر مصداقية من الولايات المتحدة، وقد تستخدم هذا النفوذ لطرد وإخراج القوات الأميركية من هناك».

وأوضح توماس، أنه في الوقت الذي تشكل فيه مكافحة الإرهاب أولوية بالنسبة إلى بلاده، إلا أن القانون الدولي والمواثيق الدولية يمكن أن تمنع الولايات المتحدة من البقاء في سورية، حيث كان تدخلها وتواجدها غير شرعي، ولم يجر بموافقة من الحكومة السورية التي تتمتع بالسيادة، في الوقت الذي تشارك فيه روسيا أيضاً في الحرب ضد «داعش» وغيره من الجهاديين في سورية، لكنها تدخلت بناء على طلب الرئيس السوري بشار الأسد، وهو أمر من شأنه أن يوفر لموسكو غطاء قانونياً دولياً وقدرة على تقديم قضية قوية ضد الولايات المتحدة ومطالبتها بالمغادرة، «إذا لعب الروس بهذه الورقة فلن تكون لدينا القدرة على البقاء هناك».

ولفت توماس إلى أن الولايات المتحدة وروسيا تشتركان في محاربة «داعش» إلا أن كلاً منهما تدعمان فصائل مختلفة لديها وجهات نظر متعارضة حول مستقبل سورية السياسي.

فمن جهتها تدعم الولايات المتحدة قوات سورية الديمقراطية، التي قال توماس إن القوات الخاصة الأميركية ساعدت على تغيير اسم قوات تابعة للأكراد لتغدو حالياً بِاسم «قوات سورية الديمقراطية» لتنأى بنفسها عن وحدات حماية الشعب القومية الكردية «YPG»، من جانب آخر أكد توماس في المقابلة أن وكالة الاستخبارات المركزية قطعت علاقاتها مع الجماعات «المتمرّدة المسلّحة السورية» الأخرى التي تحاول إسقاط الأسد منذ عام 2011.

وتابع توماس أن الأحداث الأخيرة في سورية، ومنها استهداف التحالف لعناصر تابعة لقوات الحكومة السورية جنوب البلاد، وإسقاط طائرة عسكرية سورية في الشمال، قد واجهت غضباً وانتقاداً كبيرين من قبل روسيا التي اعتبرها توماس بمثابة «مطالب قريبة» أو إشارات قد تؤدي في نهاية الأمر إلى قيام روسيا بتوجيه استجواب حول الوجود الأميركي والمساءلة القانونية لهذا التواجد في سورية بمجرد هزيمة «داعش» والقضاء عليه في الأراضي السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى