فنون غريبة تغزو ثقافتنا وتهدّد الذائقة العامّة
كتب محمد الخضر وسامر الشغري من دمشق ـ سانا : تتنوع تجربة الموسيقيّ إياد حنا الفنّية بين الغناء والتلحين وكتابة الشعر والعزف، مستنداً إلى التراث الشعبي الغنائي السوري الممتدّ منذ فجر الموسيقى السريانية، وصولاً إلى تراث العتابا والميجانا والمواويل. ويروي خطواته الأولى في عالم الموسيقى قائلاً: «التقيت في سن الخامسة عشرة المطرب الكبير الراحل وديع الصافي لدى قدومه لإحياء حفل في مرمريتا، فأسمعته أغنية «الليل يا ليلى» وفوجئ بأنني على دراية بجميع أغانيه فكتب لي على ورقة بيضاء: أعزف مثلما تغني فغناؤك جميل، وتعلم العزف لأن موهبتك تستحق أن تتعلم هذا الفن الجميل، وأعتقد أنك تملك القدرة على ذلك. وكان لتشجيع أهلي وأقربائي وأصدقائي والمدرسة وكورس الكنيسة في حي العدوية في حمص بالغ الأثر في عشقي للفن، حتى احتضنتني منظمة اتحاد شبيبة الثورة لتكون أول انطلاقة لي في مسيرتي الفنية أغنية «إرفع راسك» التي قدمتها في مهرجان الأغنية الوطنية الذي أقامته الشبيبة وفازت الأغنية بأجمل أداء وأفضل كلام، عندئذٍ شعرت بقدرتي على التقدم والاستمرار في طريق الفن والغناء».
يرى الفنان حنا أن الغناء الجبلي والعتابا والأغنية الطربية أقرب إليه من أي لون آخر، فصوته يحتمل كلمات وطرباً أصيلاً يعكس واقعنا بعفوية وصدق. ويوضح خطه الفني قائلاً: «أؤدي كل فن يرتبط بحضارة سورية وتاريخها العريق، على نحو يستوفي المقومات التي ترضيني وتصل إلى الذائقة الإنسانية بشكل لائق، فهذا النوع من الفن يجب أن يعرفه السوريون بكونه يمثل جزءاً من حاضرة عريقة تعود إلى ألوف السنين وما زالت موجودة بكامل أسسها ومكانتها العريقة. ومن هذه الفنون الغناء السرياني الذي يتسرّب عبق ألحانه عفويّاً في كثير من الألحان الطربية ولا يمكن انتزاعه منها».
مشوار حنا في الغناء لا يقتصر على المدرسة الشرقية بتفرعاتها، إذ أدى الغناء الأوبرالي، على صعوبته، كونه نموذجاً فنياً عالمياً متشعب الاتجاه وينبغي أن يعرفه جميع متذوقي الموسيقى، ما دفعه إلى اتقان كثير من اللغات وتعلّم مخارجها الفنية والصوتية واللفظية، كي يقدم شيئاً يعتز به ويحترمه الآخرون. وفي هذا الإطار يقدم صاحب أغنية «شارة نصر» العديد من القطع الأوبرالية المستلّة من أوبرات عالمية مثل «توسكا» و«دون جيوفاني» و«البوهيمية» فضلاً عن شعر ملحن لموسيقيين عالميين مثل شوبرت وشومان، على مسرح دار الأوبرا في دمشق، وفي المراكز الثقافية في بيروت حيث لاقت صدى جميلاً ومشجعاً.
يشير الفنان حنا إلى خطورة تدهور الأغنية العربية وتراجعها بسبب عدم الاهتمام بالفنانين الحقيقيين وإهمال الثقافة الفنية والموسيقية، ما جعل أشباه المواهب يتزاحمون إلى ساحاتنا ويطلعون علينا بفن غريب لا علاقة له بماضينا أو حاضرنا أو شخصيتنا الثقافية والفنية، وهذا أخطر أنواع الغزو الثقافي الفني الذي يهدد مستقبل الذائقة العربية وسلوك أبنائنا فسيطر علينا بلا صعوبة أو مقاومة. ويستشهد بالكم المطروح على الساحة الفنية، لافتاً إلى انهيار الألفاظ والبنية التعبيرية والشعرية واللغوية واللحنية، ما يستهوي الشاب التائه في شعاب الانحراف.
يدعو حنا المؤسسات الرسمية وغير الرسمية إلى الاهتمام بالأسس والمقومات التي من شأنها أن تقدم الفنون بتسمياتها ومضامينها الحقيقية، إذ ليس معقولا أن نطلق مسمى أوبريت على أي عمل يخلو من الحوار والمقومات والإحساس الفني الذي يجب أن يتمتع به هذا النوع، موضحاً أنه لا يمكن أن يكون أي عمل غنائي ساهمت فيه مجموعة مطربين ضمن مسمى «أوبريت» إن لم يلتزم بالشروط الفنية التي تخوله حمل هذه الصفة الفنية العريقة.
عن رأيه في الأغنية الوطنية يقول: «أنا مع الأغنية الوطنية التي تتعامل مع آلات الاوكسترا وتعتمد التوزيع الأوركسترالي الذي يساهم في تحريك الذائقة الوطنية المرتكزة على عفوية إنساننا وانتمائه، ومن هذا النوع قدمت أغنية «شارة نصر» من كلمات وألحان وتوزيع الفنان حازم جبور».
يلفت صاحب أغنية «موجوع» إلى أن الأغنية الوطنية يجب أن تسمو بمكوناتها عن الأغاني الأخرى كافة، لما لها من دور حضاري ينهض بالقيم ويحفظ الكرامة ويساهم في تحرير الأرض والحفاظ على تراب الوطن»، مؤكدا ضرورة أن تجتمع الكلمة والموسيقى واللحن والمعاني وطرائق التعبير ووسائله والأدوات المستخدمة لتحقق هذه القيم، رغم أن هذا النموذج الغنائي أضحى قليلاً جداً فلا نجد أثراً للأغنية الوطنية إلاّ في ما ندر.
يهتم إياد حنا بالتربية الموسيقية منذ نعومة أظفاره واكتسب ذلك في منزله ونمّاه على يد جده عاشق الموسيقى وأساتذته، حتى باتت متجذرة في أعماقه لا يسعه التخلي عنها، متابعاً دراسة الموسيقى والتخصص في التربية الموسيقية، إضافة إلى ما اكتسبه من علوم موسيقية في المعهد العالي للموسيقى وخلال مسيرته الفنية.
إياد حنا من مواليد حمص وادي النضارة عام 1986، خريج المعهد العالي للموسيقى اختصاص غناء أوبرالي، ويدرّس حالياً في قسم الأدب الفرنسي وله العديد من الأغاني الاجتماعية والوطنية، بينها «شارة نصر» وهي آخر ما غنى، و«بدنا ياك» و«سورية طائفتي» و«موجوع»، إضافة إلى بعض المؤلفات الموسيقية على آلات العود ومحاولات في الموسيقى الأوركسترالية.