تركيا الجديدة تتخلّى عن السياسة الناعمة لمصلحة السياسة الصلبة

د. هدى رزق

لا خلاف بين دول التحالف حول أهمية العمليات التي كانت تُديرها وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي أي آي» مع أجهزة الاستخبارات السعودية والتركية من قاعدتها التركية ولا على أثرها القوي في تدريب وتجهيز مقاتلي المعارضة المختارين، وكذلك في توزيع الأسلحة والمُعدّات التي كان يتمّ شراؤها بأموال من دول الخليج.

دخلت إقامة منطقة منخفضة التوتر فى جنوب سورية قرب الأردن حيّز التنفيذ بعد قمة هامبورغ، فوكالة المخابرات المركزية والبنتاغون قامتا بتخفيض عملياتهما التي تتخذ من الأردن مقراً لها ضد النظام، كذلك لعبت مراكز العمليات المشتركة في أنطاكية وغازي عنتاب في تركيا أدواراً مهمة. لكن اكتساب مقاتلي «حركة تحرير الشام» المرتبطة بتنظيم القاعدة، قوة كبيرة وسيطرتها على ادلب استدعيا من أجهزة الاستخبارات الأميركية والسعودية والتركية الاجتماع بزعماء الجماعات المحلية السلفية والإسلامية وتهديدهم بقطع الأسلحة والمال الشهري عنهم ما لم يتمكنوا من تشكيل جبهة مشتركة عملية في إطار غرفة عمليات الجبهة الشمالية. وهكذا اجتمع أكثر من 17 فصيلاً. بعد أن أجرت تركيا سلسلة من اللقاءات مع قادة الميليشيات السورية لإنشاء جيش موحّد لقتال هيئة تحرير الشام، لكن الجهد فشل. وقف المساعدة المقدمة إلى هذه الجماعات سيزيد من الضغوط عليها للانضمام إلى محادثات السلام في أستانة، كازاخستان لا شك في أن أزمة الخليج – قطر انعكست على دعم هذه المجموعات ومع انسحاب وكالة المخابرات المركزية، ستتأثر خطط أنقرة في ادلب ما سيضطرها الى الاعتماد على نفسها في المعارك في أدلب أكثر من اعتمادها على الوكلاء.

وفيما كان أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يثني في خطابه في 21 تموز على موقف تركيا في أزمة الخليج، كان أردوغان يصرّح «انّ الجيش التركي سيحمي النظام القطري إذا لزم الأمر». فالأمير تميم أعطى أقوى دعم لأردوغان ضدّ الانقلاب الفاشل قبل عام ما يجعل أنقرة عازمة على توسيع نطاق شراكتها العسكرية الاستراتيجية مع قطر. إذ وصل عدد الجنود الأتراك في الدوحة الى 300 جندي.

ومن المتوقع أن يصل مستوى وجود القوات التركية في قطر الى لواء قوامه 3000 حتى عام 2018. وسيكون للقاعدة التركية ميناؤها البحري الخاص ومدرجها كذلك لطائراتها من دون طيار، ومن ثم للرحلات العسكرية. كذلك ستضم عناصر بحرية تركية تقوم بدوريات في منطقتي الخليج وطائرات نظام الإنذار المبكر والتحكّم الجوي التي ستحلق فوق المجال الجوي القطري والخليج. نشر 3000 جندي تركي يساوي ما يقرب ثلث الجيش القطري بأكمله. وهكذا، في إطار الاتفاقات الثنائية بين البلدين، يمكن للقاعدة أن تلعب دوراً رئيسياً في التخطيط الدفاعي لدولة قطر». وفي إطار الوساطات ساهم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بتحقيق نتائج والدعوة إلى رفع الحصار عن قطر مما عبّد الطريق أمام زيارة أردوغان الذي صرّح، قبل مغادرته إلى الخليج، بأن هناك مجالاً محدوداً لإسهام تركيا في حل هذه الأزمة. تبدو الحاجة التركية من أجل الانخراط في السيطرة على الأضرار ملحة، في ما يتعلق بعلاقات تركيا مع المملكة العربية السعودية. ورغم الهجوم الاعلامي السعودي والعربي على تركيا بقي أردوغان، صامتاً ووصف السعودية «بالأخ الاكبر في منطقة الخليج، وبأن عليه واجب حل الازمة في الخليج».

تعتمد تركيا على علاقات اقتصادية واسعة مع قطر، لكنها لا تستطيع أن تقوّض روابطها الاقتصادية والسياسية ذات الأهمية نفسها مع دول الخليج الأخرى، في الوقت الذي تستمر فيه علاقاتها مع الغرب في التدهور. وهي تراقب حركة مصر الدبلوماسية في سورية التي تتعاون مع روسيا. وتعمّق حوارها مع الاتحاد الأوروبي بهدف تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. فيما اكدت فيديريكا موغيريني أن الاتحاد الأوروبي راغب في التنسيق الوثيق مع مصر بشأن الجهود المبذولة لحل الأزمات في ليبيا وسورية والخليج.

لم تشمل المطالب السعودية الستة المخفّضة شرط إغلاق تركيا لقاعدتها العسكرية في قطر، حيث تتوقع دول الخليج بعد هزيمة داعش في العراق وسورية، أن يصل التنافس السعودي الإيراني إلى ذروته. كذلك توقّع وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر أن المرحلة بعد داعش لم تكن سلميّة بسبب نفوذ إيران المتزايد في الشرق الأوسط.

تحتاج أنقرة إلى علاقات أفضل مع حلفائها السنّة في المنطقة، بدءاً بالمملكة العربية السعودية، من أجل تعزيز مصالحها خلال تلك المرحلة. وهي توسّع قواعدها في منطقتي البحر المتوسط والبحر الأسود، فلدى تركيا أكثر من قاعدة تبدأ بالصومال لبناء قدرات الشركاء، وبعثات الدفاع الداخلي، والمساعدة النسانية. وتقوم تركيا ببناء قاعدة هناك تكون عند اكتمالها أكبر قاعدة لها في الخارج، في قطر، للمساعدة في الأمن، وبناء التحالفات، في شمال العراق، لعمليات مكافحة الإرهاب، والاستطلاع الخاص، وتدريب وتجهيز البعثات. مثلث جرابلس / الباب / الراي في شمال سورية، من أجل مكافحة الإرهاب والاستطلاع الخاص وتدريب البعثات وتجهيزها. في كابول، أفغانستان، لبعثة لحفظ السلام. في شمال قبرص، مع قوة عسكرية كبيرة الحجم للدفاع الجماعي، والالتزامات الدولية وإسقاط السلطة. وفي أذربيجان، مع القواعد العسكرية لبناء التحالف وبعثات الدفاع الداخلي الأجنبية. من المرجّح أن تجلب عمليات الانتشار المستقبلية في قطر المزيد من المنافسة والضغوط على العلاقات التركية الإماراتية وليس سراً أن تركيا تناقش القواعد العسكرية المحتملة في باكستان وإندونيسيا وماليزيا والمملكة العربية السعودية. لكن المناقشات مع السعودية حول إنشاء قاعدة في الجنوب الذي يسكنه الشيعة وميناء بحري قد توقفت بسبب أزمة قطر. تثبت هذه الخطوات والخطط تغييراً في السياسة الخارجية والانتقال تدريجياً من القوة الناعمة إلى القوة الصلبة. ترى تركيا أن لا قيمة لموقعها الجغرافي – الاستراتيجي ولعمقها التاريخي في اعتماد القوة الناعمة. وهي ترى جارتها تتوسّع في الإنتاج الحربي. بعد ازدياد المخاطر الأمنية في العراق وسورية، أيقنت أن «الاستجابة بشكل حازم للأخطار والتحديات الأمنية لا تتم الا من خلال القوة الصلبة. لذلك سيترتب على الجيش التركي أن يعرض القوة الصلبة الإقليمية كبديل للدبلوماسية المدنية التي سادت من 2006 الى 2011، وبناء التحالفات الواقعية التي تجمع بين القوة العسكرية القائمة على القوة، إضافة إلى التركيز على القدرات والاستراتيجيات». وهو تحوّل في وظيفة الجيش التركي من السياسة المدنية الداخلية الى تلك الخارجية الاستراتيجية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى