الانتفاضة الرابعة.. والأخيرة

هاني الحلبي

ثلاث انتفاضات منذ أيلول العام 2000 حتى مطالع العام 2017.. كانت القدس الشرارة والثقاب.

ثلاث انتفاضات قدّم فيها الفلسطينيون مهجاً وأرواح ودماء وتضحيات وأفواج شهداء عصيّة على العدّ والتعداد. كانت تهتف لـ«أجلك يا قدس هذا القليل». وتألقت خلالها قامات كبرى تربّعت بعرقها ودمائها ونبلها في مسيرة الفداء الفلسطيني، كالأسير القائد مروان البرغوثي والأسير القائد أحمد سعدات وغيرهما كثر.. لكن ما تحقق ما زال أقلّ بكثير من أيّ حدّ أدنى ممكن!

فعاليات ما سُمّيت الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، أو انتفاضة القدس، أو انتفاضة السكاكين، والتي ما زالت مستمرة منذ تشرين الأول العام 2015 متّخذة شكل موجة احتجاجات وأعمال عنف تشهدها الضفة الغربية وقطاع غزة وما يُسمى أراضي 1948، حيث قام مقاومون فلسطينيون بعمليات طعن متكرّرة لعسكريين ومستوطنين «إسرائيليين» وأدّت إلى تقليد يهود الأسلوب نفسه بطعن فلسطينيين في المقابل، وحصول إعدامات عسكرية ميدانية لفتيان وفتيات فلسطينيين بزعم محاولتهم تنفيذ عمليات طعن.

وإذا كان حرقُ قطعان مستوطنين منزل عائلة علي الدوابشة في 31 تموز 2015 في مدينة الخليل، أشعل أعمال المقاومة الموجّهة ضد «الإسرائيليين»، وولّد عنفاً صهيونياً مقابلاً مضاداً، أسهم في تصاعد وتيرة انتفاضة السكاكين المستمرّة، ولو خفتت وتيرتها خلال الأشهر الماضية،، ليأخذ إضراب الخبز والملح، أو إضراب الكرامة الذي بادر إليه الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية في 17 نيسان الماضي، مستمرّاً شهرين، وحقق جلّ مطالبه بتحسين ظروف الأسرى نسبياً.

هولُ البطولات الفلسطينية وضخامةُ هذا العطاء الفدائي الذي لم يخفت، إلا في فترات كانت تسود الشعب الفلسطيني أوهامُ سياسيّيه، مثل أن الدولة المنشودة قد تُقام «على ظهر حمار»، كما ظنّ مجازاً الراحل ياسر عرفات، أو أن «المفاوضات» بين قاتل وضحية، ثنائية او متعدّدة او رباعية، مباشرة أو غير مباشرة، يمكن في حالة الانقسام والغلو المكابرة السلطوية او الحزبية الدينية والمغالاة «الشرعية»، أن تحقق أية نتيجة، عندما نتعرّى من محيطنا القومي المشرقي ونظنّ أنه يمكن استبداله بغطاء خليجي أو مصري، كما ما زال يكابر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

هذا الغطاء الأخرق، انكشف في انتفاضة الأقصى بتغطيته نصب البوابات والكاميرات، وتأييد الإجراءات التي قامت بها دولة العدو، ولم تزلها إلا انتفاضة عارمة تفتح على المزيد من التصعيد.

ولا يجوز مع سقوط أي دعم رسمي عربي، لكونه ضماداً مسكّناً، وضغطاً على أصحاب الحق وليس عوناً لهم، التعويل على أي دعم لتحقيق نصر ميداني إلا على السواعد الفلسطينية والشوق لأبواب السماء المفتوحة لأبطال طاهرين. فما سيسقط لا بدّ من سقوطه كي لا يرتفع ركاماً أمام حركة الثورة المتجددة في الشباب في مدن ومناطق فلسطين كافة، فتشاغل العدو حتى استنزافه، حتى نكون قد جهَزنا كأمّة لتسحق الباطل وتقيم الحق.

على أن النصر الميداني لا يمكن أن يكون إلا فرض أمر واقع جديد يمنع الجيش العدوّ وقواه الأمنية من دخول مناطق محررة، بإحكام السيطرة عليها ورفع درجة خطورة دخوله إليها إلى الحد الأقصى. بالقوة وحدَها. القوة هي السبيل. القوة النفسية الفكرية المادية الروحية. قوة وحدة الإنسان الفلسطيني وتجريم كل حالة انقسام وشرذمة، تجريم كل خطة تبقي أية حالة سياسية خارج قدر المقاومة الحتمي. لتتبلور قيادة وطنية فلسطينية مقاومة يتوّجها الميدان تقود وتوحّد فتحرّر.

لن يكون ممكناً لسلطة فلسطينية منفصمة الشخصية الوطنية والوظيفة السياسية والإدارية، فإما أن تكون فلسطينية وطنية حقاً، وإما أنها أحد أجهزة المستعربين الناشطة في دولة العدو الصهيوني بأقنعة محلية.

لن يكون ممكناً لهذه السلطة لا الوقوف على الحياد بانتظار جمعها بعض قصاصات أوراق قوة لتبتز الأطراف كافة، شعبها الفلسطيني مهدّدة بالويل والثبور إن استمر في الثورة فتستنكر بطولاته، وكيان العدو إن استمرّ في تجاهل مطالبها الهزيلة بتخفيف إجراءات تفتيش أو إعادة الحال لما كان عليه قبل انطلاق انتفاضة الأقصى الأخيرة وسط تموز، وتبلورها في جمعة الرحيل الماضي، بالتوجه إلى القدس من أنحاء فلسطين كلها.

لن يكون ممكناً لهذه السلطة اللاوطنية اللافلسطينية بمتابعة دورها المشبوه والمكشوف باعتقال المقاومين أو منفذي عمليات طعن كما ارتكبت جريمة «أسر» المعتقلين السياسيين أحمد محمد خدرج ومهدي إياد عكاس من مدينة قلقيلية، في سجن الجنيد في نابلس التابع لأجهزة السلطة الفتحوية، واضطرارهما للإضراب عن الطعام، تماماً كحال المعتقلين في سجون العدو لحفظ حقوقهما الأساسية، واحتجاجاً على نقص احتياجاتهما الأساسية وعدم تحقيق مطالبهما الإنسانية بزيارة ذويهما والتواصل معهما.

لن يكون ممكناً استمرار عبث الغضب والانتفاض من دون بلورة عوامل الوحدة والدعم والمقاومة لتحقيق النصر الفلسطيني المشرقي المقاوم.

أمس، شهيدان وأكثر من 50 جريحاً. عطاء مبارك، لكنه قربان يومي من شرايين الجسد الفلسطيني يستحيل ألا يكون وفق خطة مسؤولة ضنينة بالدم وكبريائه، ضنينة بالأرواح وقيمتها.

تلحّ المسوؤليات والواجب القومي على الشرفاء كافة لتلقي نداء فلسطين الجنوب السوري المضرج حتى قيامتنا جميعاً.

لتبدأ الانتفاضة الرابعة مقاومة شاملة لأشهر، فتغيّر ميداناً وتخطّ طريق الانتصار، لحياة فلسطين.

باحث وناشر موقع حرمون haramoon.com

وموقع السوق alssouk.net

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى