كيف استطاعت المقاومة السيطرة على 100 كلم2 من جرود عرسال في 48 ساعة؟
محمد حمية
لم يتوقّع الإعلاميون والصحافيون والمواطنون اللبنانيون عموماً الدخول إلى جرود عرسال التي كانت قبل أسبوع منطقة أمنية مقفلة ومُحصّنة لتنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، منذ عملية اجتياح التنظيمين للمدينة البقاعية وقتل عددٍ من العسكريين في الجيش اللبناني وأسر آخرين عام 2014.
لطالما كانت الجولة الميدانية في هذه الجرود حلماً يراود الصحافيين والمصوِّرين الميدانيين طيلة السنوات الأربعة الماضية، لكنها كانت محظورة بسبب الخطر الأمني حتى على العسكريين من الجيش والمقاومة، لكن وبعد أيام قليلة على تحرير الجرود، نظّمت العلاقات الإعلامية في حزب الله جولة إعلامية ميدانية في المنطقة المحرّرة التي كانت تسيطر عليها «جبهة النصرة» والمواقع التي شهدت معارك عسكرية بين حزب الله والجبهة.
انطلق الموكب الإعلامي من حاجز الجيش اللبناني في بلدة يونين البقاعية، حيث كانت نقطة التجمُّع، عند الساعة 10 ونصف صباحاً باتجاه الجرود، وضمّ الموكب أكثر من 50 سيارة رباعية الدفع مجهَّزة للسير في طرقات ضيّقة ووعرة وصخرية، أقلت عدداً من الإعلاميين والصحافيين اللبنانيين والأجانب العاملين في وسائل إعلامية مختلفة، فضلاً عن شخصيات عسكرية وسياسية.
المساحات الشاسعة وطبيعة التضاريس المتنوعة بين السهول والأودية والهضاب والتلال التي يصل ارتفاع بعضها إلى 2500 متر، كانت تقلِّص على الزائرين مشقّة الطريق والممرّات الوعرة والحرارة المرتفعة وأشعة الشمس الحارقة، حيث كان الصحافيون والإعلاميون يوزعون نظراتهم بصمت ودهشة ويشيرون بأياديهم إلى مشاهد تُرى للمرة الأولى.
بعد نصف ساعة، وصل الوفد إلى الحاجز الأول لحزب الله في جرد يونين، حيث استقبلنا المقاومون ببسمة وتحية ووزعوا القهوة والحلوى والمياه على السيارات المارّة، وردّ الزائرون، بدورهم، بالتحية والتبريك بالانتصار. ثم انطلق الموكب وشقّ طريقه باتجاه الجرود الصعبة والوعرة بمواكبة أمنية مشدّدة تولتها فرق خاصة في المقاومة كانت تجول خلف الموكب وأمامه وبين السيارات وفي البساتين على طرفي الطريق، حيث عملت على إنقاذ عدد من السيارات التي علقت عجلاتها بين الصخور والأتربة، كما ساعدت على إصلاح سيارات أخرى معطلة. وفي الوقت عينه، كانت عمليات التبديل تتم بين المقاومين الذين انهالت عليهم سلامات وتحيات من الوافدين، لكنّ ما لفت الأنظار، إضافة إلى المساحات الشاسعة للمنطقة التي كانت تخضع لسيطرة «النصرة» والتي تقدّر بمئة ألف كلم، هو السهول الزراعية الواسعة التي تتراصف على طرفيها أشجار الكرز والمشمس واللوز والتي لم يستطع أصحابها الوصول إليها وقطف محصولهم الزراعي الذي تساقط على الأرض بسبب تواجد الإرهابيين منذ خمس سنوات فيها. الأمر الآخر الذي أثار دهشة الزائرين هو الثكنات العسكرية الكثيفة للمقاومة التي تنتشر على مساري الطريق التي تضمّ عدداً كبيراً من عناصر المقاومة ومن الآليات العسكرية المتنوعة، منها ما يحمل أرقاماً سورية تبيّن لنا أنّ جبهة «النصرة» الإرهابية كانت قد استولت عليها من الجيش السوري في المعارك منذ بداية الحرب ثم استعادتها المقاومة. ثم تابع الوفد طريقه وعلامات الدهشة والذهول ترافقه.
لا شكّ أنّ للجولة الإعلامية أهدافاً وأبعاداً سياسية وعسكرية وإعلامية، أولها إظهار قدرة المقاومة العسكرية والكفاءة القتالية للمقاومين والسرعة القياسية في السيطرة على المواقع وقضم التلال الحاكمة والمرتفعات وتحقيق الإنجاز، ولإظهار النصر إعلامياً على المستوى المحلي والعالمي، كما توجيه رسائل سياسية إلى الداخل، لا سيما لجهة الاحتضان الشعبي الكبير الذي حازته المقاومة والعملية العسكرية وتثبيت المعادلة الذهبية التكاملية الجيش والشعب والمقاومة، لا سيما أنّ هذه المعركة أثبتت مرة جديدة حاجة لبنان إلى المقاومة.
لكنّ السؤال الذي تشاركه الصحافيون والإعلاميون، هو كيف تمكّن حزب الله خلال يومين فقط من السيطرة على كامل تلك المنطقة؟ وما هي الاستراتيجية والتكتيكات التي اعتمدها في المعركة؟
في مغارة «أبو مالك»
المحطة الأولى للوفد، كانت المغارة التي أُطلق عليها اسم مغارة متزعّم جبهة النصرة الإرهابية «أبو مالك التلي» وهي استخدمت كغرفة عمليات ميدانية للجبهة في وادي الخيل وانسحب منها التلي ومن تبقى معه فور بدء قصف المقاومة والجيش السوري لمواقع المسلحين. واستعرض الإعلام الحربي للمقاومة بداية شريطاً مصوّراً لوقائع المعركة بين مقاتلي الحزب وعناصر «النصرة»، استتبع بشرح من أحد الضباط الميدانيين في المقاومة على خريطة ميدانية تظهر كامل جغرافية منطقة العمليات. وأكد الضابط أنه «تمّ دحر جبهة النصرة من كامل جرود فليطة وهي محاصرة بمساحة نحو 5 كلم مربع شرق عرسال»، مشيراً إلى «أنّ الجبهة كانت قد سيطرت على نحو 100 كلم مربع من جرود فليطة في القلمون وجرود عرسال في لبنان». وأوضح أنّ «معارك الجرود هي امتداد لمعارك القصير عام 2013 والقلمون عام 2014 والسلسة الشرقية عام 2015».
وفصّل الضابط في المقاومة سير المعركة مع «النصرة» وقال: «قاتلنا في طبيعة جغرافية صعبة جداً أعطت الأولوية والتميز للعدو في كلّ مراحل العملية العسكرية ومع ذلك هُزِم في كلّ الاشتباكات، كما أنّ المعارك في الجرود كانت من مسافات قريبة جداً وتمّت مواجهة انغماسييهم في أكثر من مكان».
وأضاف: «إنّ وجود المدنيين في الملاهي والمخيم أنتج محدودية في تغيير مناوراتنا القتالية ولذلك لم نستفِد من مميزات الأسلحة وقدراتنا النارية، لكنّنا فجرنا أكثر من سيارة مفخخة واكتشفنا مخارط لتصنيع العبوات الناسفة والصواريخ وتجهيز السيارات المفخخة وأقفلنا غرف العمليات القتالية كافة، ولم يتبقَ للإرهابيين سوى غرفة واحدة».
وأشارت مصادر لـ«البناء» إلى أنّ «المغارة التي أدار منها التلي عمليات النصرة العسكرية كانت قد أنشأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة منذ عقود من الزمن إبّان قتالها العدو الإسرائيلي، ثم دخلتها النصرة عام 2013 وحولتها إلى غرفة عمليات ميدانية ومأوى لقيادتها، بسبب مساحتها الواسعة وصعوبة رصدها من الجو».
ويكشف حجم الانتشار الواسع للإرهابيين، من التنظيمات كافة، في هذه الجرود وسيطرتها على المواقع الرئيسية والتلال الحاكمة فيها والتحصينات العالية المستوى والعدد الكبير من المسلحين، أنّ خلف كلّ ذلك مشروعاً سياسياً إقليمياً ودولياً، إذ لم تأتِ هذه المجموعات بدافع شخصي بهدف الغنائم، كما لم تكن تلك المنطقة مجرد ممرّ عابر للمجموعات الإرهابية المسلحة، بل كانت نقطة للانطلاق إلى الداخل اللبناني والسوري لتنفيذ المشروع الخارجي بإسقاط أنظمة وحكومات والسيطرة على الحكم وإنشاء «إمارة إسلامية» أو أكثر، وبالتالي فإنّ تداعي المشروع السياسي لهذه المجموعات في سورية والعراق والمنطقة، أصاب هذه المجموعات بالانهيار التدريجي عسكرياً.
وقائع ميدانية
وشرحت مصادر مطلعة في المقاومة لـ«البناء» كيف استطاع المقاومون السيطرة على كامل المنطقة التي تمركزت فيها «النصرة» واقتحام مواقعها وطرد مقاتلي الجبهة خلال 48 ساعة. وأشارت المصادر إلى «أنّ طبيعة المنطقة وتضاريسها متمايزة عن جميع المناطق الأخرى التي قاتلت فيها المقاومة، وهي للمرة الأولى تقاتل في منطقة تحتوي أنواعاً عدة من التضاريس مرتفعات وسهول وهضاب وصخور مرتفعة وكسارات وجبال شديدة الوعورة ، الأمر الذي أعطى المسلحين أرجحية في الدفاع عن المواقع، فضلاً عن التحصينات الجيدة والعالية المستوى والحماية والمنظمة لـ«النصرة»، لا سيما بين الصخور وفي المقالع، حيث لا جدوى للضربات النارية البعيدة المدى من المدافع والصواريخ، فاضطر المقاومون من فرقة المشاة إلى التسلُّل وقطع مسافة 7 كلم في الجرود والبساتين للوصول إلى مواقع المسلحين تحت غطاء الإسناد الناري، وعند اقتحام الموقع تتبعها فرق التأمين للسيطرة على الموقع المُحرّر وتحصينه بالمدفعية والعناصر ووسائل المراقبة، ثم تنتقل فرق المشاة إلى موقع آخر وتلحق بها وحدات تأمين أخرى. وهذا التكتيك اتبعته المقاومة في اقتحام المواقع والسيطرة عليها وتثبيت وجودها فيها».
ولفتت المصادر لـ«البناء» إلى أنّ «عناصر النصرة استخدمت تكتيك الدفاع من التحصينات حيث كانت تنتشر داخل الصخور الصغيرة تارة، وتنفذ هجمات مباغتة من بين الدشم تارة أخرى، متحدثة عن اشتباكات والتحام بين المقاومين وعناصر «النصرة» من مسافة قريبة جداً لا تتجاوز العشرين متراً. وكشفت أنّ «النصرة استخدمت أيضاً رمايات القنص على المقاومين أثناء اقتحامهم المواقع، حيث استشهد العدد الأكبر منهم في عمليات القنص». وأشارت إلى أنّ «النصرة قاتلت بشدة في بداية المعركة ودافعت عن تحصينات المواقع بعكس ما حصل في القصير والقلمون»، عازية ذلك إلى أنّ «النصرة» اعتبرت المعركة «وجودية، إذا لا يوجد مكان آخر تلجأ إليه على الحدود السورية اللبنانية بعكس المعارك السابقة».
ضربات المقاومة أربكت قيادة «النصرة»
وأشارت مصادر ميدانية في المقاومة لـ«البناء» إلى أنّ «النصرة لم تتوقع أن يبدأ حزب الله العملية وكانت تظن أنّ الحزب مُنشغل في جبهات أخرى وكلّ تهديداته ودعوته المسلحين إلى التفاوض والخروج من المنطقة، مجرد مناورات وحرباً نفسية، وكانت لدى الجبهة ثقة تامة بالتحصينات التي أقامتها، لكنّ كثافة الصواريخ التي أطلقها المقاومون من جميع التلال المحيطة بمواقع المسلحين منذ الساعات الأولى أصابت قيادة النصرة بالذهول والإرباك والضياع وبثّت الرعب في صفوفها، خصوصاً بعد أن شاهدت قيادة النصرة سرعة المقاومين في السيطرة على المناطق التي وصلت إلى 70 كلم خلال يومين ما دفع أبو مالك التلي إلى طلب نجدة الشيخ مصطفى الحجيري أبو طاقية، طالباً منه إعادة التواصل مع الدولة اللبنانية لبدء مفاوضات مع حزب الله».
وأكدت المصادر نفسها أنّه «كان بإمكان المقاومين ملاحقة التلي والإجهاز عليه ومن معه في اليوم الثالث للمعركة، حيث كانت المقاومة تلاحقه وتراقبه لحظة بلحظة وهو يتنقل من موقعٍ إلى آخر ثم تطلق النار عليه لتوجيه رسالة بأنّها تعرف مكانه، لكنّ قيادة المقاومة أبلغت القوة الميدانية بضرورة وقف إطلاق النار، وفقاً لاتفاق بين الطرفين».
وأوضحت المصادر أنّ المقاومة «حققت الهدف الرئيسي من العملية بدحر جبهة النصرة من جرود القلمون وعرسال وإبعاد التهديد الأمني والعسكري، وليس الهدف قتل التلي أو غيره، فلا ثأر شخصياً مع أحد». وأكدت أنّ «المنطقة الجغرافية الممتدّة من جرود وادي الخيل وحقاب الخيل وضهر الهوة حتى منطقة الملاهي والكسارات التي تقدّر بمئة كلم، باتت تحت سيطرة المقاومة». وكشفت «أنّ على كلّ هضبة وتلة ووادٍ ومرتفع، ثبّتت المقاومة موقعاً لها للمراقبة والرصد»، مؤكدة «استعداد المقاومة لتسليم كلّ هذه المنطقة إلى الجيش اللبناني عندما تطلب قيادته ذلك، لكنّ طلباً كهذا لم يصدر حتى الآن»، متوقعة «أن يتطلب الأمر شهرين أو أكثر كي يصبح الجيش جاهزاً لذلك».
وتابعت مصادر المقاومة لـ«البناء»: «حزب الله كانت يحضّر للعملية قبل ثلاثة أشهر وأكثر من بدء المعركة، وتمكّنت وحدات الرصد من جمع المعلومات من خلال طائرات التجسُّس التابعة للمقاومة التي أجرت مسحاً دقيقاً للمنطقة، فضلاً عن المعلومات المتوافرة من داخل المسلحين». وأشارت إلى أنّ «السيطرة على موقع ضهر الهوّة التي كانت تسيطر عليه جماعة سرايا أهل الشام، مكّنت المقاومين من دحر النصرة في وقت أسرع»، لافتة إلى أنه «منذ اليوم الأول للمعركة طلبت السرايا الانسحاب إلى مخيمات الملاهي بانتظار المفاوضات لانتقالها إلى سورية». كما أشارت إلى «أنّ هؤلاء المسلحين من بقايا الجيش الحرّ الذين لا يصمدون في القتال ويبلغ عددهم مئتين وسبعين مقاتلاً، وبانسحابهم وفّروا على المقاومين معركة إضافية».
وعن قتلى «النصرة» في المعركة، أشارت المصادر إلى أنّ «ما تأكدت منه المقاومة هو سقوط 47 قتيلاً خلال الالتحام المباشر، لكن في القصف المدفعي ارتفع العدد إلى مئة قتيل». ولفتت إلى أنّ «معركة الجرود استكمال لمعركة القصير عام 2013 التي استكملت في القلمون عام 2014 وبعدها في السلسلة الشرقية وجرود القلمون عام 2015».
وعُثِر في مغارة «التلي» على كمامات واقية من الأسلحة الكيميائية، كما عثر في مكان قريب منها على مقبرة جماعية تحتوي عشرات الجثث كانت «النصرة» تدفن قتلاها وقتلى آخرين فيها. وفي سياق ذلك، كشفت مصادر خاصة لـ«البناء» أنّ «وفداً من ضباط الجيش اللبناني توجّه إلى منطقة عمليات حزب الله في الجرود وطلب أخذ عينات من الجثث لإجراء فحوصات الحمض النووي للجثث الموجودة، لمطابقتها مع الحمض النووي لأهالي العسكريين المختطفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي للتحقُّق إذا كانت بينها جثث تعود لعسكريين».
سندخل المعركة عندما يطلب الجيش
وعن المعركة مع تنظيم «داعش» الإرهابي، أوضحت مصادر المقاومة أنّ «التنظيم في وضعٍ حرج جداً بعد مشاهدته ومراقبته مجريات ووقائع المعركة مع النصرة وسقوط مواقعها التي تبلغ مساحتها مئة كلم خلال ثلاثة أيام، ما بثّ الرعب في عناصره والحيرة في قيادة التنظيم». ولفتت إلى أنّ «النصرة أكثر تنظيماً وتحصيناً من داعش، لكنها أقلّ عدداً وعتاداً، كما أنّ المنطقة التي يسيطر عليها داعش أقلّ مساحة من منطقة سيطرة النصرة». وتجزم المصادر بأنّ «المقاومة مستعدة لأي تطور على صعيد الجبهة مع داعش وعلى أتمّ الجهوزية، لكنها في الوقت الحالي تقف خلف الجيش ومستعدة للدخول عسكرياً إذا طلب الجيش منها ذلك». وتوقعت المصادر أن يُبادر التنظيم إلى فتح قنوات التفاوض مع الحكومة اللبنانية كما حصل مع النصرة، إذ أنّ المعركة باتت أشبه بانتحار في ظلّ الظروف الميدانية والسياسية الراهنة في لبنان والمنطقة».
ولدى سؤالنا المصادر عن طبيعة منظومة الإدارة والتحكُّم التي تعمل وفقها وحدات الحزب والتنسيق الفائق الدقة والسرعة بينها على الجبهات كافة في لبنان وسورية، أجابت المصادر بلهجة ملؤها الثقة بقدرات المقاومة، وبكلمات مفعمة بالإرادة والشموخ، بأنّ حزب الله «بات قوة كبيرة يُحسب لها ألف حساب، إقليمياً ودولياً». وختمت المصادر بكلمات معبّرة: «حزب الله قاتل في طبيعة جغرافية لم يقاتل فيها أي جيش في العالم وانتصر».
وتوقعت المصادر أنّ يذهب «الدواعش» إلى البادية السورية أو إلى دير الزور، في حال تمّت المفاوضات، وليس إلى حمص حيث تخوض المقاومة والجيش السوري مواجهات مع التنظيم الإرهابي في منطقة السخنة.
آراء ومواقف
واستطلعت «البناء» آراء ومواقف عددٍ من الإعلاميين، حيال أهداف الزيارة وأبعادها. فأكد أستاذ العلوم السياسية الشيخ د. صادق النابلسي أنّ حزب الله أراد، من الزيارة كما من خلال عملية تحرير الجرود، «أن يثبت أنه في الواجهة الأمامية لمكافحة الإرهاب»، مضيفاً: «لطالما كنا نسمع عن تحالفات دولية وإقليمية ممن يدعون أنهم يواجهون الإرهاب، لكن طيلة السنوات الخمس من تجذر الإرهاب في المنطقة لم يستطع أحد أن يحسم الأمر، وحزب الله أراد أن يقول أنا في المقدمة لمواجهة هذا الإرهاب وكلّ ما تعدّونه محاربة للإرهاب لا يبدو أن له مصداقية بل المصداقية الحقيقية هي للمقاومين في الميدان».
وعلّق النابلسي على التعاطي الرسمي مع عملية تحرير الجرود. وقال: «بعض القوى السياسية مع الإنجاز، وآخرون أصلاً لا يريدون الاعتراف بخطر الإرهاب الذي مارس أفظع أنواع الإرهاب خلال السنوات الماضية في لبنان وسورية ودول المنطقة. هؤلاء يريدون التعاون مع الجماعات الإرهابية لأنها تحقق لهم أجندات معينة ويستفيدون منها».
ودعا النابلسي إلى التعامل مع الإنجاز «على أساس وطني ينطلق من حسّ المسؤولية والحرص على السيادة اللبنانية، فحزب الله يقدم خدمة جليلة لكلّ اللبنانيين يجب أن يُشكر عليها لا أن توجّه إليه الاتهامات، أما من لا يريد الاعتراف بالإنجاز، فهو إما كاره وإما لا يريد أن يعطي الحزب أي مكسب على المستوى الميداني أو السياسي».
وعن تغيُّر المزاج الشعبي وبعض الاتجاه السياسي دعماً للمقاومة وتأييداً للإنجاز، اعتبر النابلسي أنّ «العملية فرضت نفسها على الواقع النفسي والوجداني والسياسي اللبناني وبالتالي معظم السياسيين بدأوا يشعرون أنهم إن لم يواكبوا تطلُّعات اللبنانيين في دعم العملية والمقاومة، سيكونون محلّ اتهام منهم، وبالتالي تغير المزاج العام بفعل قوة الانتصارات ولأنّ حزب الله لديه مصداقية ويحقق الإنجاز للبنانيين جميعاً ولا يفاخر بذلك ولا يعظّم هذه القوة لكي يستثمرها في السياسة الداخلية، كما أنه لا يريد أن يسخّر فائض القوة الذي يمتلكه في الداخل للحصول على مكاسب معينة، بل إنّ الحزب واضح وهو يقوم بالعملية دفاعاً عن سيادة لبنان وكرامته».
أما مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف، فاعتبر أنّ هذه الجولة تظهر انهيار المسلحين الذين تحصّنوا في الجرود سنوات طويلة خلال 48 ساعة، وكسر إرادة القتال لديهم، مشدّداً على «وقوف المقاومة إلى جانب الجيش في معركته مع داعش».
وعن تصريحات الرئيس الأميركي، لفت عفيف إلى أنّ «آخر من يحقّ له تصنيف الناس هو الولايات المتحدة المتّهمة بدعم الإرهاب في أكثر من دولة».
وعن موقف تيار المستقبل، قال: «لن نعلق على موقف المستقبل ولا على بعض القوى السياسية التي ألقت بعض ظلال الشكّ على العملية التي استفاد منها لبنان أولاً وأخيراً. نريد أن نتجنّب السجال الداخلي، لأنّ المعركة كانت قاسية في جرود عرسال وكان هدفنا الرئيسي منها الانتصار على النصرة التي هي فرع القاعدة في بلاد الشام».