مثلث تموز… والرعب «الإسرائيلي»

رامز مصطفى

على «إسرائيل» أن تقلق كلّما حلّ شهر تموز من كلّ عام، لأنّ هذا الشهر ليس كسواه من أشهر العام، كيف لا، وهو يذكّرهم بالهزائم التي لاحقتهم وتلاحقهم في هذا الشهر على وجه التحديد. وأن يشكّل للكيان «الإسرائيلي» وقادته مثلثاً أشبه بمثلث برمودا الشهير، الذي قيل ويُقال عنه الكثير من قصص الخوف والفزع حدّ الموت الحتمي. تموز الذي نتحدّث عنه، وإنْ كان يختلف عن مثلث برمودا، إلّا أنّه يوصل إلى نفس النتائج، ولكن بالمعنى السياسي العسكري والأمني، وصولاً إلى الوجودي. ومصدر القلق الذي ينتاب الكيان وقادته، مردّه أنّ الأضلع الثلاثة لهذا المثلث، تتمثل في لبنان وسورية وفلسطين.

في الضلع الأول من المثلث، وقبل ما يزيد عن عقد من الزمن، ألحقت المقاومة في لبنان بقيادة حزب الله الهزيمة النكراء بالكيان وجيشه في تموز 2006. هزيمة لا تزال «إسرائيل» بحكومتها وقادتها تعاني منها حتى يومنا هذا، على الرغم ممّا تحاوله من إظهار للقوة والعمل على إيصال الرسائل بشتّى الطرق والوسائل، أنّه جاهز لقصم ظهر تلك المقاومة، التي تعترف هي، أي «إسرائيل» قبل غيرها، أنّ ما راكمته من الخبرات والقدرات لقادرة على المواجهة، بعد أن صوّرته على أنّه جيش بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى. واليوم في جرود عرسال حزب الله يلحق الهزيمة بـ«جبهة النصرة»، الوجه الآخر للكيان الصهيوني، وحصانه الطروادي، تلك الجبهة التي حرص على تطبيب ومعالجة جرحاها في مستشفياته، وعمل على التدخّل العسكري مرّات كثيرة نصرة لها في هجماتها على الجيش السوري في الجولان والقنيطرة. في جرود عرسال يتجرّع قادة الكيان كأس الهزيمة وهم يتلقّون أنباء انهيار أحد أهمّ معاقل «النصرة» في تلك المنطقة، وهي التي راهن أميرها أبو مالك التلّي، الذي يتربّع على تلّة من ثلاثين مليون من الدولارات، على تدخّل «إسرائيلي» بموافقة عدد من الدول العربية، من خلال شنّ غارات جوّية ساحقة لحزب الله، حسب ما كتبته الدكتورة «اميلان ناحوم» رئيسة قسم الإعلام في الجامعة العبرية في القدس، التي كتبت تحقيقاً مطولاً في صحيفة Isreal times الإنكليزية الصادرة في القدس المحتلّة. ولكن لا «إسرائيل» تدخّلت، ولا الدول التي وافقت على تمويل ضربات الطيران «الإسرائيلي»، تمكّنت من وقف هجوم حزب الله المدعوم من الجيشين السوري واللبناني، وبالتالي وجد أبو مالك التلّي وإرهابيّوه أنفسهم وحيدين في معركة سحق فيها مجاهدو حزب الله مملكة التوحّش في وقت قياسي، ومن تبقّى منهم يحزمون أمتعتهم لمغادرة الجرود من دون رجعة.

أّما في الضلع الثاني على أرض فلسطين، وفي تموز 2014 وبعد عدوان واسع النطاق استمرّ 51 يوماً، لم تترك فيه «إسرائيل» صنفاً من صنوف أسلحتها إلاّ واستخدمته، أملاً في إلحاق الهزيمة بالكتائب العسكرية لقوى المقاومة، ولا طريقة وحشية إلّا ومارستها قتلاً وتدميراً للحجر والشجر قبل البشر، ولكنها فشلت وأخرجتها المقاومة الباسلة والصمود الأسطوري لشعبنا في قطاع غزة، مهزومة شرّ هزيمة، لا زالت تداعياتها متواصلة حتى يومنا هذا. واليوم وعلى أرض القدس ومسجدها الأقصى الطهور، وبعد مواجهات قلّ نظيرها خاضها أهلنا المقدسيّون في مواجهة قوات الاحتلال الصهيوني، تحدّوا من خلالها كلّ إجراءاته التعسّفية والقمعيّة وأسقطوها الواحدة تلو الأخرى من البوابات الإلكترونية إلى الكاميرات وكلّ العوارض والحواجز الحديدية. وبذلك حقّق شعبنا الفلسطيني انتصاراً سياسياً مدوّياً على حكومة كيان الاحتلال الصهيوني، وأرغموه على التراجع أمام إصرارهم وصمودهم وثباتهم ورباطهم.

وبما يتعلّق بالضلع الثالث، وهي سورية التي وضع الكيان «الإسرائيلي» كلّ ثقله وإمكانيّاته من أجل دعم وإسناد المجموعات المسلّحة وعلى مختلف مسمّياتها، وتحديداً ما تُسمّى بـ «جبهة تحرير الشام» النصرة سابقاً وفتح مستشفياته أمام جرحاهم، وتدخّله العسكري خدمة لهؤلاء الإرهابيين في أكثر من مكان، وفي الجولان والقنيطرة على وجه الخصوص. ومن ينسى تصريحات قادة الكيان بمن فيهم نتنياهو وجوقة ائتلافه الحكومي كيف كانوا يحرّضون ليل نهار على سورية قيادة وجيشاً وشعباً، وينادون بإسقاط الرئيس بشار الأسد، وتدمير الجيش السوري الذي استهدفه الطيران «الإسرائيلي» ومدفعيّته مراراً وتكراراً. وبالتالي كيف استقبلت رموز من تلك المدّعية أنّها معارضة سوريّة، وما هي إلّا عبارة عن حفنة من العملاء الذين نادوا بعقد التحالفات مع «إسرائيل» وزاروا الأرض المحتلّة مراراً للاجتماع بقادة الكيان جهاراً نهاراً. وبالتالي، ما نسجه الكيان من تحالفات مع الأدوات الوظيفية لكلّ من السعودية والإمارات وقطر والبحرين وتركيا، بهدف تشكيل جبهة سياسية وإعلامية وأمنيّة واقتصادية من أجل تقويض دعائم الدولة السورية تمهيداً لإسقاطها. اليوم، وبعد السنوات السبع من الحرب الكونيّة التي تتعرّض لها سورية، أين هي «إسرائيل» بحاضنتها الأميركيّة، وحلفائها المجدّدين، وما عملوا عليه من أجل كسر وإسقاط القاعدة الاستراتيجية للمثلث المقاوم والممانع، والمدعوم أولاً من إيران العمق الطبيعي لهذا المثلث، وثانياً من روسيا العائدة كلاعب دوليّ قويّ على طريق كسر الأحاديّة القطبيّة للولايات المتحدة.

«إسرائيل» اليوم هي الأضعف بفضل هذا المثلث، على الرغم من تحقيقها النجاحات في خرقها الواضح للمشهد العربي المشوّه بسبب هؤلاء المهرولين نحو التطبيع معها على حساب القضايا العربية، وفي مقدّمتها القضية الفلسطينيّة وعناوينها الوطنيّة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى