الجيش السوري يستعدّ لمعركة دير الزور… واستعصاء الرقة قد يفرض عليه التدخل عشرة آلاف من مسلّحي النصرة وعائلاتهم ومؤيّديهم ينتظرون اليوم الباصات الخضر
كتب المحرّر السياسي
في خطوة وصفتها واشنطن بالصادمة رفع الرئيس بوتين عدد الدبلوماسيين الأميركيين الواجب مغادرتهم لموسكو رداً على العقوبات الأميركية من 455 إلى 755 مبقياً تقريباً فقط عشرة دبلوماسيين أميركيين في سفارة واشنطن، التي يحوّلها قانون العقوبات الجديد إلى مركز استخبارات لتجميع المعلومات عن رجال الأعمال الروس المقرّبين من الكرملين. وواشنطن تلقت القرار الروسي الصادم بتصعيد سعودي مفاجئ ضدّ قطر يخلط الأوراق ويفتح باب الاحتمالات الصعبة، على إيقاع بلاغ حربي سعودي على لسان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يهدّد بردّ يوازي ما وصفه بالإعلان القطري للحرب عبر ما وصفه بدعوتها لتدويل مواسم الحج.
هذا المناخ الضبابي في الوضعين الإقليمي والدولي لم يمنع كلام الرئيس بوتين ولا ردّ واشنطن عن مواصلة التعاون، خصوصاً في سورية، حيث العيون تواكب الجيش السوري كحصان رهان وحيد في الحرب على داعش ومعه وحدات المقاومة التي تحرز مثله ومعه النصر تلو الآخرز فبينما كانت المقاومة تقطف ثمار نصرها في جرود عرسال، ببدء تنفيذ اتفاق انسحاب جماعات جبهة النصرة نحو إدلب، كان الجيش السوري شريكها في النصر يستعدّ لنصره التاريخي بالتحضير لمعركته الفاصلة ضدّ داعش في دير الزور التي صار على مشارفها من جهات عدة، وهو يبدو يستأخر سيطرته الكاملة على مدينة السخنة والاندفاع نحو مدينة دير الزور باكتمال الطوق اللازم لبدء الهجوم على دير الزور التي يحتفظ بحامية المطار والمناطق المحيطة به داخلها.
نجحت وحدات الجيش السوري أمس، ببلوغ أطراف دير الزور من الناحية الشمالية الغربية من جهة محافظة الرقة وسيطرت على مجموعة من القرى كانت بيد داعش، وصار طريق قوات سورية الديمقراطية إلى دير الزور محكوماً بالمرور من مناطق سيطرة الجيش السوري، سواء أكانت قادمة من الحسكة أم من الرقة، بينما في الرقة يبدو تعثّر تقدّم قوات سورية الديمقراطية في تحقيق أيّ تقدّم ووقف انسحاب داعش لمسلحيه من الرقة بعد إكمال الجيش السوري للطوق الجنوبي الشرقي والغربي عليها بداية القتال الجدي الذي تبدو الوحدات الكردية عاجزة عن المضيّ فيه ويبدو التجميد مسيطراً على العملية العسكرية فيها، ما بدا أنه يطرح بقوة الحاجة لتدخل الجيش السوري وحلفائه لحسم الأمر هناك، بسقوط آخر الرهانات الأميركية على تحقيق إنجاز نصر ولو جزئي على داعش من دون دور للجيش السوري وحليفه الأبرز حزب الله ومثله الحليف العراقي الحشد الشعبي الذي يتقدّم نحو تلّعفر بعدما باتت الحاجة لمشاركته شرطاً للفوز بالمعركة رغم التحفّظات الأميركية والتركية والكردية، وبعد تلّعفر سيكون الحشد الشعبي على خط الحدود مع سورية من ناحية البوكمال.
بالتوازي والتزامن مع ما يجري في سورية كانت المقاومة تنجز الجزء الأول من اتفاق انسحاب النصرة من جرود عرسال بعد الضربة القاضية التي وجّهها لها مقاتلو المقاومة خلال ساعات الهجوم الصاعق قبل أسبوع، حيث تمّت برعاية الأمن العام اللبناني عملية تبادل جثامين شهداء المقاومة مع جثث قتلى جبهة النصرة، ليبدأ وصول الباصات الخضر إلى فليطة تمهيداً لبلوغها ظهر اليوم جرود عرسال والبدء بنقل قرابة عشرة آلاف ممن سجلوا أسماءهم من مسلحي جبهة النصرة وعائلاتهم ومؤيّديهم والنازحين الراغبين بالمغادرة معهم، في ما وصفته مصادر متابعة بالأمر المرحَّب به، لتخفيض عدد النازحين، لافتة إلى أنه محاولة للتغطية على العدد الفعلي لمسلحي النصرة الذين فشلوا بمواجهة مقاتلي المقاومة، والقول إنّ المغادرين هم النازحون وبينهم مئات قليلة من المسلحين، بينما الحقيقة هي أنّ أكثر من ألف من مسلحي النصرة هم الذين سيغادرون بعدما تلقوا خسارتهم الفادحة في معارك الأيام الماضية.
إنجاز المرحلة الأولى من «الصفقة»
لا يزال الوضع في جرود عرسال يحتلّ صدارة الاهتمام المحليّ في ظل حالة الجمود المسيطرة على المشهد السياسي الداخلي. فقد تمّ أمس إنجاز المرحلة الأولى من صفقة التبادل بين حزب الله و»جبهة النصرة» في اللبوة البقاعية.
وتسلّمت المقاومة جثامين خمسة شهداء لها، ارتقوا خلال معارك جرود عرسال الحالية والسلسلة الشرقية سابقًا، مقابل تسلّم «النصرة» جثث 9 من قتلاها في المعارك، برعاية الأمن العام اللبناني.
وقد أعلن «الإعلام الحربي» في وقتٍ سابق إتمام عملية تحديد هوية رفات شهيدين لحزب الله بعد الكشف عليهما في وادي الخيل، حيث دفنتهما «النصرة» في وقت سابق واتجهت بهما إسعاف «الهيئة الصحية الإسلامية» إلى اللبوة، إضافة إلى رفات شهيدين آخرين جرى نقلهما من وادي حميد عبر الصليب الأحمر ثم بعدها إلى اللبوة. كما أفاد أن «الصليب الأحمر تسلم رفات الشهيدين قاسم محمد عجمي وأحمد الحاج حسن اللذين استشهدا في معركة جرود عرسال»، مضيفاً أنّ رفات الشهيد الخامس موجودة لدى جهة أخرى غير جبهة النصرة ويجري العمل على تسلمها، بينما تسلمت «النصرة» بالمقابل المدعوّة ميّادة عيوش وابنها.
وكان الأمن العام اللبناني ألقى القبض على ميّادة عيوش التي تبين أنها ناشطة في جمعية كانت تموّل جبهة النصرة.
وقد توجّهت سيارات «الهيئة الصحية الإسلامية» من الهرمل باتجاه اللبوة لنقل 9 جثث لمسلحي النصرة، كما دخل موكب آخر للهيئة باتجاه عرسال لنقل جثامين شهداء المقاومة إلى بعلبك، ومن المتوقع نقل جثث مسلحي «الجبهة» إلى محافظة إدلب الواقعة شمال غرب سورية.
وقاد عملية التفاوض المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ووفق معلومات «البناء» فقد تم اختيار موقع وادي حميد لعملية التبادل للجثامين بحضور مبعوث التلي المدعو «أبو عمر» و»أبو طاقية» مصطفى الحجيري وضابط منتدَب من اللواء إبراهيم، وبحضور عناصر الجيش اللبناني.
وأكد اللواء إبراهيم، في حديث تلفزيوني، أن «ما يحصل اليوم في جرود عرسال هو اتفاقية وليس صفقة سمحت بخروج عناصر «النصرة» سالمين بعد محاصرتهم في بقعة محدّدة»، لافتاً إلى أنه «في المقابل كان لا بد من أثمان يدفعها هؤلاء»، موضحاً أن «الثمن هو ما يجري العمل على إتمامه مرحلة بعد مرحلة».
وتمنّى إبراهيم أن «نرى ما يحصل اليوم وما سنراه تباعاً في مزارع شبعا»، مشدّداً على أن «نَفَسَنا طويل من أجل إنجاز المهمة»، مشيراً إلى أن «الأمور قيد التحضير للمرحلة الجديدة التي هي الخطوة الثانية».
وجدّد إبراهيم تأكيد أن «تنفيذ الاتفاق سيتحدث عن نفسه والسرية مطلوبة. وهي أساس نجاح العمل الذي نقوم به، وسيأتي الوقت الذي سنتحدث فيه عن كل ما جرى»، مشدداً على أن «جميع المسلحين والنازحين الذين اختاروا الخروج بإرادتهم سيكون عن طريق البر، وكل ما قيل عن موضوع المطار عار عن الصحة»، موضحاً أن العملية لبنانية تمّت عبر وسطاء مع المسلّحين». وشدّد على أن «الدولة اللبنانية عازمة على أن لا تبقى بقعة محتلة. وفي المستقبل القريب ستحدد المعركة مسار الحل عسكرياً أو عبر التفاوض مع داعش».
ورداً على سؤال حول إمكانية خروج مطلوبين من مخيم عين الحلوة بموجب هذا الاتفاق، لفت إلى أن «هذا الموضوع طرح في بداية التفاوض، لكن بالشروط التي طرحت هو مرفوض من قبلنا، لأنها تمسّ بسيادة الدولة اللبنانية»، قائلاً: «هناك أسماء مطلوب خروجها من المستحيل أن نوافق عليها، والذي يريد أن يخرج يجب أن يكون سورياً، وهم يطالبون بخروج أشخاص من جنسيات مختلفة».
وحول إطلاق سراح الموقوفة ميّادة علوش، أوضح إبراهيم أن ملف علوش منفصل عن اتفاق التبادل، مشيراً إلى أن «لديها وضعاً يسمح بإطلاق سراحها. وهي طلبت أن تغادر مع المغادرين، والمقبل سنراه في وقت قريب».
شروط «التلي» كادت تطيح «الصفقة»
واعترضت عملية التفاوض بعض العقبات التي كادت تطيح الصفقة برمّتها، بعد أن طلب «التلي» شروطاً إضافية تمثلت بإطلاق سراح موقوفي معركة عبرا، بمن فيهم الارهابي «أحمد الأسير»، ما لاقت رفضاً قاطعاً من الطرف اللبناني، عندها وجد «زعيم النصرة» نفسه بين خيارين: الموت أو الأسر، فرضخ مرغماً الى التسوية. وممن اشترط «أبو مالك» إطلاق سراحهم شادي المولوي ومعه 27 لبنانياً وأسامة الشهابي وهيثم الشعبي وبعض مناصري الأسير.
ولفتت مصادر مطلعة لـ «البناء» «أن اتفاق وقف إطلاق النار وإنجاز المرحلة الأولى من صفقة التبادل التي تم الاتفاق عليها، شكّل انتصاراً للمقاومة وتأكيد موقفها بأنها لا تريد القتل والتشفي من المسلحين، بل تريد تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإرهابي». وأوضحت أن «أسباب تأخر تنفيذ المرحلة الثانية لوجستية بعد ارتفاع عدد الذين سجّلوا أسماءهم للعودة لسورية الى أكثر 13 ألف نازحٍ».
.. والمرحلة الثانية اليوم
وأعلن الإعلام الحربي أن المرحلة الثانية من عملية التبادل تبدأ صباح اليوم الاثنين، بخروج مسلحي النصرة وعائلاتهم مقابل الإفراج عن أسرى حزب الله لدى النصرة.
وكان حساب مقرّب من «النصرة»، قد نشر صورة للأسرى الثلاثة الجدد للحزب، الذين ضلوا طريقهم، ووقعوا أسرى لدى «الجبهة» في وادي حميد.
وقد بدأ وصول الحافلات التي ستقلّ مسلحي النصرة والنازحين إلى بلدة فليطة بالقلمون الغربي والتي يُقدَّر عددها بـ 150 حافلة، على أن يتم إخراجهم اليوم من مخيمات وادي حميد والملاهي عبر خط جرود عرسال ثم صعوداً نحو فليطة وطريق دمشق حمص حتى إدلب.
رفض لبناني لنقل إرهابيين من عين الحلوة
وفي سياق ذلك، تحدّثت معلومات عن طلب النصرة إخراج إرهابيين ينتمون لها من مخيم عين الحلوة في صيدا، كشرطٍ لغتمام صفقة التبادل، وقد علمت «البناء» أن 27 لبنانياً من بين 120 شخصاً سجلوا أسماءهم للمطالبة بمغادرة المخيم الى إدلب، ضمن الصفقة»، لكن مصادر أمنية قالت لـ«البناء» إن «نقل مطلوبين للعدالة ورؤساء وأعضاء في شبكات وخلايا إرهابية من المخيم الى سورية غير وارد لدى السلطات اللبنانية»، موضحة أن «هذا الأمر يشكل خطراً أمنياً على لبنان، إذ إن هؤلاء المطلوبين يخضعون الآن لمراقبة دقيقة من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية والقوى الفلسطينية، وفي حال خروجهم سيجعلهم محرّرين من الرصد وبالتالي يستكملون إدارة الشبكات والعمليات الإرهابية من سورية، وبالتالي هذا الشرط الذي تطلبه النصرة لن يتحقق».
وأعلن المسؤول في حركة «فتح» العميد محمود عيسى في تصريح أن «حتى الآن لا توجد أي موافقة رسمية حول مغادرة مطلوبين في مخيم عين الحلوة ضمن الصفقة بين حزب الله والنصرة الى ادلب»، ولفت الى أن «الجهة اللبنانية رافضة لأن ينتقل أي مطلوب بالأعمال الإرهابية من مخيم عين الحلوة الى إدلب».
أسبوع اختبار النيات قبل بدء المعركة…
وفي حين بات الجيش على أتمّ الجهوزية والاستعداد لبدء المعركة الفاصلة والأخيرة مع تنظيم «داعش» المنتشر في وادي حميد في جرود عرسال وجرود القاع ورأس بعلبك والفاكهة، تحدّثت مصادر في المقاومة لـ «البناء» عن تنسيق بين الجيش والمقاومة لمواجهة أيّ تطور على الجبهة مع داعش، مشيرة الى أن «مجريات المعركة مع «النصرة» انعكست سلباً على عناصر وقيادة تنظيم داعش التي أصيبت بالذهول والإرباك بعد سيطرة المقاومة على مساحة 100 كلم خلال يومين وأنهت وجود النصرة في هذه المساحة وفرضت عليها التفاوض والانسحاب الى سورية».
ولفتت المصادر إلى أن «المقاومة جاهزة لخوض المعركة، لكنها تعطي الأولوية للجيش وتقف خلفه وتسانده عندما يطلب ذلك، لكن في حال كلفت قيادة المقاومة الوحدات الميدانية المرابضة في الجرود القيام بالمهمة، ستبدأ فوراً بالهجوم على مواقع التنظيم وستحقق انتصاراً جديداً وفي وقتٍ قليل أيضاً».
وفي حين أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة عن تكليف الجيش القيام بعملية عسكرية مدروسة في عرسال، قالت مصادر سياسية لـ«البناء» إن «معركة داعش باتت قريبة وستفرض نفسها، لكننا أمام أسبوع فاصل عن انطلاقها، يشكل اختباراً لنيات فريق المستقبل والقوات في الحكومة، إذا كان تأييدهم لخوض الجيش المعركة من باب المناورة أو حقيقة»، ولفتت الى أن «هذا الفريق يقع بين خيارين أحلاهما مرّ: الأول يريد أن يتولى الجيش المعركة وتحرير الجرود ليحجب عن المقاومة تحقيق الإنجاز والحؤول دون تكرار حالة الاحتضان الشعبي الذي رافق المعركة مع «النصرة»، والثاني يدرك هذا الفريق أن إنهاء داعش الى جانب القضاء على النصرة، يعني إنهاء الوجود الإرهابي في الجرود، ما يفقده ورقة للاستثمار الداخلي، فضلاً عن أن ذلك سيفتح الباب لمعالجة أزمة النازحين لا سيّما مع وصول عدد الذين طلبوا العودة لسورية الى 11 ألف نازحٍ».
وأكد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أننا «نعتزّ بوقفة جيشنا الوطني اللبناني، وبالدور المهم الذي أداه في حفظ الاستقرار في بلدة عرسال، وفي طمأنة الناس وحماية مخيمات النازحين، وهو يتهيأ لدور أكبر في المرحلة المقبلة، حيث سنكون جنباً إلى جنب تنسيقاً وتخطيطاً وأداء، وأما مَن لا يعجبه هذا الوضع، فليذهب ويبحث عن أي أمر آخر، فنحن لن نعلق على ما قيل من ثرثرات، ولكننا نمارس قناعاتنا الوطنية ونقوم بواجبنا تجاه أهلنا ومجتمعنا ووطننا، ولا تحركنا طائفيات ولا مذهبيات».