تقرير إخباري واشنطن تتمدّد بحجة بيونغ يانغ!

سماهر الخطيب

لا شكّ في أنّ الاختبارات الصاروخية المتتالية التي أجرتها كوريا الشمالية منذ بداية العام الحالي قد أثارت الكثير من المخاوف والهواجس الدولية، لا سيما الاختبار الأخير، والذي يصل مداه إلى جزء كبير من القارة الأميركية، وبصورة خاصة مخاوف كوريا الجنوبية، التي تتساءل اليوم كيف لواشنطن أن تحمي سيول، إذا كانت هذه الحماية نفسها تعوزها المدن الأميركية التي أصبحت في دائرة الخطر؟

وهل نحن في سباق تسلّح جديد وحربٍ باردة متعددة الأقطاب أم أنّه جنون ترامب ونظيره كيم جونغ أون في اللعبة النووية!

من المعروف أنّ الحرب الكورية انتهت في 1950-1953 بإعلان وقف لإطلاق النار وليس بمعاهدة سلام، والجنود الأميركيون الذي يبلغ عددهم 28500 عنصر المنتشرون في الجنوب لـ»ضمان الأمن» لا يزالون مكلفين الدفاع عن سيول في وجه بيونغ يانغ..

ويعتبر هذا التحالف إحدى الدعامات الاستراتيجية الجيوسياسية الأميركية في آسيا في حين تقوم الصين بتعزيز قوتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، وكذلك روسيا في البلطيق والكاريبي. لتتماشى مع حجمها الاقتصادي.

وكما هو معروف في علم السياسة كلّ قوة اقتصادية لا بدّ من وجود نمو عسكري يعزّز من وجودها في القاعدة الدولية.

لكن التجربة التي أجريت الجمعة لصاروخ بالستي عابر للقارات أظهرت هشاشة هذا القانون الدولي، خاصة أن مدناً كبيرة مثل شيكاغو أو لوس أنجلوس قد تكون عرضة للقصف من كوريا الشمالية، هذا البلد المنعزل اقتصادياً، لكنه يمتلك السلاح النووي والمقدرات الذاتية على تطوير أنظمته الصاروخية لتصبح عابرة للقارات.

وأصبحت كوريا الجنوبية، تخشى، من التزام الولايات المتحدة بهذا التحالف الذي طالما قال عنه الحليفان إنه «ثابت كالصخر» لكن الأحداث والتطورات الأخيرة وضعته ربما على «المحك».

وتساءلت صحيفة «جوغانغ إلبو» الواسعة الانتشار في سيول في افتتاحيتها «هل ستحمينا إدارة ترامب من هجوم آت من الشمال في حال عرضت هذه الخطوة مدناً أميركية لهجوم نووي؟».

إن دورة جديدة من التصعيد في المنطقة أعقبت إعلان بيونغ يانغ عن إطلاقها الناجح الثاني لصاروخ باليستي عابر للقارات.

فيما حمّلت الولايات المتحدة روسيا والصين المسؤولية عن التصعيد الجديد في شبه الجزيرة الكورية، إذ وصف وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الطرفين الروسي والصيني بأنهم «داعمان اقتصاديان رئيسيان لبرنامج بيونغ يانغ النووي والصاروخي».

وانضمّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدات له على موقع «تويتر» إلى الاتهامات الأميركية الموجّهة إلى الصين، معرباً عن خيبة أمله في موقف بكين التي «لا تفعل شيئاً» لتسوية الأزمة، على حد قوله.

إلا أنّ الخبراء يشكّكون في قدرة الشمال على تصغير رأس حربي نووي، بحيث يمكن وضعه على صاروخ، أو على امتلاك تكنولوجيا تمكّن الرؤوس الحربية من خرق الغلاف الجوي والوصول إلى الفضاء.

غير أنّ بيونغ يانغ تؤكد قدراتها في هذا المجال، ومنذ وصول كيم جونغ – أون إلى سدة الحكم سنة 2011، أحرز الشمال، كما اتضح تقدّما تكنولوجياً سريعاً ومهماً.

رغم أنّ الشمال يطالب منذ عقود بأن تبرم الولايات المتحدة معاهدة سلام معه، وأن تسحب جنودها من الجنوب، إلا أنّ الأخيرة لا تستجيب متبعة أسلوب الترهيب تارة والترغيب تارة أخرى، متناسية بأنّ ما تقوم به بسياساتها العقابية لم يثمر شيئاً منذ عقود سوى المزيد من الاختبارات الصاروخية الشمالية، الناجحة وسرعة في السباق النووي التكنولوجي.

وفي العودة إلى المخاوف الجنوبية فإنّ المسؤولين الأميركيين ما فتئوا يؤكدون بلا انقطاع على «دعم واشنطن لسيول»، كما الحال مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الذي صرّح في نيسان على أن التحالف «راسخ كالصخر لا يتزعزع».

لكن ما يخشاه الجنوبيون ليس فقط انهيار التحالف «الراسخ كالصخر»، بل ما هو أعظم وتتمثل المخاوف الجنوبية في احتمال قيام واشنطن بضربة وقائية على الشمال، وهو معروف عن الولايات المتحدة في استراتيجيتها الوقائية، وبالتالي ما ينجم عنها من تداعيات كارثية حتى لو لم تستخدم بيونغ يانغ السلاح النووي.

وفي الوقت ذاته فإنّ «سيول» هي أمام المدفعية الكورية الشمالية وفي وسط مرماها، وبالتالي قد تزيلها من الخريطة، إن قامت هي الأخرى بضربة استباقية وليس فقط وقائية!

وبعد التجربة الأخيرة، لفتت صحيفة «تشوصن إلبو» إلى أنّ «القوات الأميركية ستنسحب من الأرخبيل في أسوأ الأحوال. وهذا ما يريده الشمال، ويصعب علينا تصور هذه الفرضية في الجنوب، لكننا في الواقع نتجه إليها».

وباتت الصحيفة تعتبر أنه «من الصعب أن نتوقع من الولايات المتحدة أن تساعدنا»، إذا كان ذلك يعني هجوماً نووياً على القارة الأميركية.

وخاصة بعد أن تشدّدت لهجة واشنطن على لسان مسؤولين عديدين في البيت الأبيض وخارجه، وأولهم ترامب عندما قال «لا يستبعد الحرب مع كوريا الشمالية».

وقال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام «إن الرئيس دونالد ترامب أبلغه أنه مستعدّ لخوض حرب لتدمير كوريا الشمالية ولن يسمح لها بتطوير صاروخ بعيد المدى قادر على حمل رأس نووي».

كما أعلنت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي أن وقت المحادثات قد «انتهى».

صحيح أنّ كوريا الشمالية تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي في مكان ما، إلا أن من الواضح بأنّ واشنطن تتعمّد إثارة ضجة حول إطلاق هذه الصواريخ، لأنها تريد إثارة العالم لتبرير أعمالها ضدّ بيونغ يانغ.

مع العلم بأنّ المسألة الكورية يمكن تسويتها بأقصر مما هو متوقع، وبأقل خسائر متوقع عليها، إذ إنّ كل ما هو مطلوب توقيع اتفاق عدم الاعتداء وعدم تغيير نظام الحكم.

لكن الذريعة الأميركية «تزول» إذا حصل الاتفاق، وهذا ما لا يريده الأميركيون، لإنّ الهدف الخفي وراء الذريعة الشمالية هو الاقتراب من السواحل الروسية والصينية ونشر عناصر منظومة الدرع الصاروخية في كوريا الجنوبية.

ولذلك قرّرت واشنطن استعراض قوتها، وأرسلت قاذفتي قنابل من نوع B-1B أقلعتا من قاعدة غوام باتجاه شبه الجزيرة الكورية بمرافقة مقاتلات يابانية وكورية جنوبية.

كما أعلنت أنها تنوي إرسال 12 مقاتلة إف-16 و200 جندي إلى قاعدة عسكرية في كوريا الجنوبية لمدة أربعة أشهر. إضافة إلى إرسال حاملة طائرات نووية إلى منطقة شبه الجزيرة الكورية. في ظل استعداد سيول وواشنطن لمناورات عسكرية سنوية مشتركة قد تستفز الشمال.

وبعيد هذه التصريحات والتصرفات الأميركية، ومنها اختبار صواريخ بالستية، وتخطي كوريا الشمالية الخط الأحمر بتجربتها الأخيرة التي تشكّل تهديداً ملموساً، كما يبدو على الأمن القومي في الولايات المتحدة، أعلن وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون «أنّ الولايات المتحدة لا تريد إسقاط النظام الكوري الشمالي وتأمل إمكان إجراء حوار معه مستقبلاً شرط أن يتخلّى عن برنامجه النووي».

وهذا الأمر لن تقبله بيونغ يانغ، شئنا أم أبينا، والخيار العسكري الذي يهدّد به الأميركيون لن يحصل.

وهذا يشبه الابتزاز، أكثر من الإمكانية الحقيقية. فخطر النزاع العسكري هو أكبر من أي وقت مضى على الدولتين، بسبب «الصواريخ العابرة للقارات» والتوازن الاستراتيجي النووي!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى