من دفاتر الذكريات
لم أكن يوماً طفلة بالمعنى التقليدي. فبينما يتسابق الأطفال للخارج من أجل الركض واختراع ألعاب مما يتوفّر في مدينتي البائسة ذات شتاء لا ينتهي، كنت أمارس هوايتي في التحليق مع كلمات تولستوي وهوغو، وأنتظر غودو مع المنتظرين، وأبكي بؤس بائعة الخبز وأتجمد مع البطلات، والفجر هادئ هنا. وأغوص بحثاً عن فكرة تاهت عنّي. وكلما ازددت قراءة ازداد شعوري بجهلي أكثر. وازدادت حاجتي للمعرفة اكثر.
الكلمة كانت صديقتي الوحيدة لزمن طويل. أعيش من خلالها، أتنفس بها، أرحل معها إلى عوالم بعيدة. ولم يوازِ حبي لها إلا حبي لملمس التراب تحت اقدامي الحافية، ولون العشب ورائحة الارض وصوت المطر يدق على نافذتي من دون توقف، كموسيقى إلهية تجعل الروح تنتفض.
لم أخن يوماً كلمتي ولن أخونها وستبقى كما كانت دوماً حرّة نزيهة لا تعرف النفاق. كما لن أترك يوماً أرضي وستبقى حفنة من ترابها أغلى كنوزي.
كتبي، قصصي، حكايات الطفولة، شجرة التوت وعرائش العنب ورائحة الزوفا والنعنع والزعتر البري. سهرات الحصاد ومواسم الزيتون والبحث عن أعشاش العصافير ودجاجات الدار وصوت الزيز والبرد الذي يخترق الضلوع والنسمة التي تحمل عبق الصنوبر، ورائحة خبز التنور وأصوات الرعاة. وجه أمي وتعب أبي واختلاف أخوتي ومدرستي وجامعتي. وأنتم. كل هؤلاء مجتمعين هم وطني ومن دونهم من سأكون غير نكرة وهامش لا يستحق الذكر.
لا تتخلّوا عن ذكرياتكم، عن جذوركم، عن مواقفكم، عن كلمتكم، عن وطنكم، ففي ذلك زوالكم.
وفاء حسن