«سورية يا حبيبتي»… هل ننشدها ثانية؟
أستحضر من الذاكرة المدرسية أغنية «سورية يا حبيبتي» التي ملأت الدنيا الناطقة بالضاد وشغلت الناس كل الناس آنذاك!
في جوّ تشرين التحرير، ونصر جيشنا السوري مع الجيش المصري اللذين التحما بخندق واحد في معركة المصير، انتشرت «سورية يا حبيبتي، أعدت لي كرامتي. أعدت لي هويتي»!
عبر كل أرجاء الثكنات العسكرية وأرجاء العالم العربي، تلك التي غنّتها مجموعة قامات فنية كبيرة: محمد سلمان، محمد جمال، ومعهما السيدة نجاح سلام أطال الله بعمرها.
في مرحلة التعليم الأولى كانت تدعى مدرستي المختلطة بالجهاد الرسمية، كانت قد أعلنت بإدارتها ومعلميها عن مسابقة عامة لإنشاد هذه الأغنية، فأديتها بإتقان صوتاً وأداء، وتقدّم الكثير من الطلبة للمشاركة، وكنت من بينهم. فرزت بعد أيام أسماء المتسابقين، وكنت في الطليعة!
الله، كم كنت فرحة، وخاصة أنني لبيت طموح وتشجيع أولياء أمري في البيت الوطني، وأن لبيت توصيات معلمة اللغة والموسيقى آنذاك خاصة إزاء التصفيق الحار ممن اجتمعوا من المدارس الأخرى ومن أولياء الطلبة ومن الجمهور المسؤول الذي حضر وأشرف وشجّع.
ووزّعت الأشرطة المسجلة «الكاسيتات»، واحتفظوا بنسخة منها في مكتبة المدرسة. لقد كان أكثر ما أثر وما رسخ في الذاكرة بالنسبة للجميع مقاطع من الأغنية مثل «قنالنا جولاننا تفديهم دماؤنا.. لم ينته المشوار يا عروبة ففي الخيام طفلة مصيبة تنادي يا سوريتي الحبيبة، وسوريتي يا درب كل ثائر»، كنت قد أدّيتها بتميز متفاعلة مع كلماتها الثائرة.
وعمّمت وقائع المهرجان على مدارس ابتدائية كثيرة في مديرية تربية المدينة آنذاك. لم تكتف إدارة مدرستي الابتدائية والمدارس المجاورة بالمشاركة في التهانئ والتصفيق، فقد قدّموا لي جوائز رمزية مثل «مجموعة قرطاسية كاملة» ومجموعة قصصية للأطفال، ذلك إضافة إلى تقدير المدرسة الخاص.
وجاءت معلّمتي باندفاع ومحبة ودموع وفرح في ختام الحفل لتقديم الهدايا الرمزية، اندفعت تقبّلني قائلة: «اذكرينا في المستقبل الذي ينتظرك، ثم إن لك من الادارة هذه المكافأة البسيطة، لقد رفعت رؤوسنا أمام كل هؤلاء الحاضرين. عاشت بأمثالك سورية وعشت لها يا تلميذتي الصغيرة الموهوبة. وسورية حبيبة الجميع… سورية يا حبيبتي».
كيف لي أن أستطيع نسيان هذه المناسبة؟ لا… لا تُنسى أبداً. هي من مذكّراتي وذكرياتي الغالية، بل هي من أهمّ وأغلى ما احتفظت به من مذكراتي وذكرياتي الآن وحتى آخر حياتي.
هذه الذكرى، هذه الأغنية بعمقها وروحها «السورية» لها ما بعدها. وسننشدها ثانية وبصوت واحد، وأطياف واحدة، وبحبّ كبير، وقلب كبير، بحب يملأ القلوب الصادقة الوفية، المتسامحة، لكن بعرض جديد لنصر آخر مجيد عبر الأجيال المتوالية.
هكذا نحن دائماً، نعم سنستمر، وستطلّ الجذور من الفروع، وإلى الأبد!
د. سحر أحمد علي الحارة