الراعي: المصالحة السياسية والاجتماعية تحتاج إلى إكمالها بالعيش معاً بثقة وتعاون

شارك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القدّاس الاحتفالي الذي أُقيم في كنيسة سيدة التلّة في دير القمر، شفيعة البلدة والشوف، لمناسبة عيدها والذكرى السادسة عشر للمصالحة التاريخية في الجبل التي حصلت في آب 2001 برعاية البطريرك الماروني الكاردينال نصرالله صفير، تجسيداً لرسالة لبنان في عيشه المشترك.

وترأّس القداس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي وعاونه فيه راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس مطر، راعي أبرشية صيدا المارونية المطران مارون العمار.

ولدى وصول رئيس الجمهورية إلى ساحة الكنيسة، قرعت الأجراس في كنائس دير القمر، واستقبل الأباتي مارسيل أبي خليل، رئيس كهنة رعيّة سيدة التلّة، رئيسَ الجمهورية الذي دخل إلى الكنيسة وسط تصفيق وزغاريد المؤمنين المحتشدين في ساحتها وعلى مداخلها وفي الداخل.

حضر القدّاس النائب نعمة طعمه ممثّلاً رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الوزراء: طارق الخطيب وسيزار أبي خليل وغطاس خوري، عميد السلك الدبلوماسي المونسنيور غابريالي كاتشا، النائب جورج عدوان، الوزراء السابقون ناجي البستاني وماريو عون وسليم الجاهل، النائب السابق مروان أبو فاضل، سفير لبنان لدى الأونيسكو الدكتور خليل كرم وسفيرة لبنان المعيّنة لدى المملكة الأردنية الهاشمية ترايسي شمعون، تيمور وليد جنبلاط، المدير العام للجمارك بدري ضاهر، رئيس بلديّة دير القمر السفير السابق ملحم مستو وفاعليات سياسية وقضائية وإداريّة واجتماعية ونقابية وعسكرية، وعدد من رؤساء البلديات والمخاتير وأعضاء المجالس البلدية وعدد من المؤمنين.

في مستهلّ القدّاس، ألقى الأباتي أبي خليل كلمة ترحيبيّة بالرئيس عون والبطريرك الراعي والحضور. وتوجّه إلى رئيس الجمهورية بالقول، إنّ «مشاركة فخامتكم لنا بعيد سيدة التلّة، شفيعة دير القمر والشوف، لمدعاة فرح وفخر واعتزاز لمواقفكم الجريئة والمشرّفة، ودوركم الرائد في جمع اللبنانيين وتوحيدهم حول محبة وطنهم لبنان، والعمل على تعزيز العيش المشترك بين كلّ أبنائه من خلال دفاعكم عن الدستور والدعوة إلى الحوار والتشاور لترسيخ الثقة بين الأفرقاء والتوصّل إلى تفاهم وطني حقيقي واستقرار أمنيّ ثابت».

وألقى الراعي عِظة، دعا فيها إلى قيام الدولة بمؤسّساتها وإداراتها المحرّرة من التدخّل السياسي والتمييز اللوني في التوظيف، خلافاً لآليّة مبنيّة على الكفاءة والأخلاقية وإلى إحياء اقتصاد منتج ينهضه من حافة الانهيار، ويرفع المواطنين من حالة الفقر، ويفتح المجال أمام الشباب لتحفيز قدراتهم، ويحدّ من هجرتهم وتعزيز التعليم الرسمي والخاص والمحافظة على المدرسة الخاصة المجانيّة وغير المجانية وإنصافها ومساعدة الأهالي في حرية اختيارها وحماية المالية العامّة بإيقاف الهدر والسرقة والفساد، وحفظ التوازن بين المداخيل والمصاريف ضمن موازنة واضحة ومدروسة، وضبط العجز والدين العام وبناء قضاء شريف حرّ ومسؤول يكون حقاً وفعلاً أساس الملك والإسراع في تطبيق اللامركزية الإدارية، المناطقية والقطاعية».

وفي ختام القدّاس الاحتفالي، قدّم الأباتي أبي خليل للرئيس عون نسخة من أيقونة سيدة التلّة المذهبة، عربون تقدير ومحبة، طالباً شفاعتها لحماية رئيس الجمهورية وتسديد خطاه.

استقبال

بعد ذلك، أُقيم استقبال غادر من بعده رئيس الجمهورية، في حين توجّه الراعي إلى كرسي مطرانية بيت الدين يرافقه تيمور جنبلاط وطعمة، وأُقيم على شرفه غداء في المطرانية في حضور طعمة ممثّلاً برّي وكاتشيا وتيمور جنبلاط، وعدد من الوزراء والنوّاب ولفيف من المطارنة والكهنة.

وكانت ازدانت الطريق الساحلية من الدامور إلى دير القمر وصولاً إلى بيت الدين بلافتات الترحيب بالرئيس عون، والمؤيّدة لمواقفه الوطنية وبالراعي، ورفعت أقواس النصر وعليها صور رئيس الجمهورية.

وجاء في بعض اللافتات: «كلّ الشوف يرحّب برئيس كلّ لبنان»، «أهلاً بصاحب الفخامة وغبطة البطريرك في جبل المصالحة»، «بعزمكم وإرادتكم يا فخامة الرئيس ستبنون مستقبل لبنان»، «أنت الذي أخرجت لبنان من الظلمة إلى النور»، «من قلب الشوف نشكر فخامة الرئيس»، «بلدية دميت وأهاليها يرحّبون بفخامة الرئيس العماد ميشال عون»، «فخامة الرئيس زيارتكم شرف، حضوركم نور»، «مبارك الآتي بِاسم الحق»، «دير القمر عاصمة التاريخ ترحّب بفخامة الرئيس».

وتميّز الاحتفال بالتنظيم الذي تولّاه لواء الحرس الجمهوري، ما انعكس ارتياحاً لدى المواطنين في محيط دير القمر وعلى مختلف الطرقات المؤدّية إليها.

واستضاف قصر المير أمين، احتفالاً سياسياً جمع الأطراف التي شاركت بمصالحة الجبل في العام 2001، وذلك بمناسبة مرور 16 عاماً على إنجازها.

شارك في الاحتفال ممثّل الرئيس برّي النائب طعمة، وممثّل الرئيس الحريري الوزير خوري، ممثّل النائب جنبلاط نجله تيمور، ووزراء ونوّاب ورؤساء اتحادات بلديّة ورؤساء بلديات وشخصيات.

وألقى الراعي كلمة، أشار فيها إلى أنّ «المصالحة هدفت إلى إعادة اللحمة الوطنية وتدعيم العيش المشترك بين اللبنانيين عامّة، وفي منطقة الشوف والجبل بخاصة، بعد النكبة التي حلّت بهم». وأردف: «لقد جدّدت شخصياً مرتين مع النائب وليد جنبلاط هذه المصالحة، وشددنا أواصرها، فضلاً عن إرادة المسيحيين ورغبتهم وعودتهم إلى بلداتهم وقراهم، حيث بنوا كنائسهم وبيوتهم من سخاء اليد ومساعدات وزارة المهجرين بالإضافة إلى تشجيع مطارنتهم وبإحياء الرعايا والمشاريع الإنمائية، وإلى دور الرهبانيات في إعادة بناء أديارها ومؤسساتها المدرسية والجامعية والاستشفائية والاجتماعية، واستثمار أراضيها، وفتح المجال لفرص عمل لأبناء هذه المنطقة».

واعتبر أنّ «المصالحة السياسية والاجتماعية قد تمّت في مجملها، لكنّها تحتاج إلى اكتمالها بالعيش معاً جنباً إلى جنب، بثقة وتعاون. وهذا يقتضي أن تتضافر الجهود من قبلنا جميعاً، دولة وكنيسة ومجتمعاً أهلياً، بحيث نعمل كلّ من جانبه على توفير فرص العمل لسكاّن بلداتنا وقرانا بدءاً من التوظيف المتوازن في إدارات الدولة، وصولاً إلى مشاريع إنمائيّة وسياحية، فإلى تعزيز الاقتصاد المنتج، لا سيّما الزراعي والخدماتي، بحيث يمكّن الأهالي وعائلاتهم من عيش مكتف وكريم».

وأكّد أنّ «الكنيسة من جهتها تحافظ على مؤسّساتها وتعمل على توسيع رقعة خدماتها بموآزرة المجتمع الأهلي، وتنمي مراكزها، وتساعد على استثمار أراضيها، من أجل تأمين أكبر عدد ممكن من فرص العمل، وإعادة تعلّق الشوفيين وأبناء الجبل بأرضهم وتراثهم وثقافتهم».

وطالب الدولة بـ«تعزيز مؤسساتها على اختلافها، وتطبيق اللامركزية الإدارية، المناطقية والقطاعية، من أجل توفير فرص العمل في المناطق. وبالمزيد من التحسين في بناها التحتية والمقوّمات الحياتيّة الأساسية»، مودعاً هذه المطالب «السادة نوّاب المنطقة والوزراء والمسؤولين السياسيين».

وختم مؤكّداً، أنّ «سلامة لبنان من سلامة الجبل. فلنعمل كلّنا بإرادة واحدة من أجل توفيرها، فيطيب عندئذ الاحتفال بذكرى المصالحة بكامل أبعادها. عشتم…عاش لبنان».

وكان الوزير حمادة أكّد أنّ اتفاق الطائف لم يأتِ بمكاسب للدروز، إنّما المكسب كان للبنان. وأشار عدوان إلى أنّ «الصفحة طويت بقناعة تامّة أنّنا أبناء وطن واحد، والجبل أغلق الصفحة ليؤكّد أنّه يريد الانفتاح والعيش المشترك»، مؤكّداً أنّ «التاريخ سيذكر أنّ إرادة التلاقي بين اللبنانيين يمكن أن تكسر كلّ الانقسامات والتباعد. وكان النائب جنبلاط قد زار مطرانيّة بيت الدين، والتقى فيها البطريرك الراعي لبعض الوقت، حيث أكّد له أنّه «لا يمكن أن يكون في الشوف من دون أن يلقي التحية عليه»، معتذراً عن عدم «المشاركة في لقاء قصر المير أمين».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى