«قمر الاستشهاديّين»… المقاومة في سيرة بطل
عبير حمدان
حين نستحضر حكايات الشهداء، ندرك أننا ننهل من قدسية نجيعهم حبر الكلمات، فكيف إذا كانت أطيافهم تقيم بين ثنايا الصوت والصورة، في زمن بات الدفاع عن الأرض إدانة من قِبل البعض الذين لم يتقبلوا فعل الانتصار على العدو بالحديد والنار حتى اليوم، ولم يزلوا يراهنون على أضغاث أحلامهم التي ينسجونها في الغرف السوداء.
قد تتشابه القصص ولو اختلف شخوصها، لكن العدو معروف وواضح، وصراعنا معه لن يتوقف حتى تعود الأرض إلى أصحابها، والدرب طويل بما فيه من صبر وصمود وقتال.
ولأن العين توثّق المشهد وتحفظه في الذاكرة، لا بدّ من حضور عدسة محترفة لتنقل جزءاً من مسيرة مقاومة لم ولن تضعف عزيمتها يوماً ولو أتى حضورها ضمن إطار سينمائيّ يدعونا إلى قراءة ملامح السيرة الذاتية لمن اختاروا الاستشهاد عن سابق إيمان وتصميم كي نبقى ونستمرّ.
ولأن المادة التوثيقية قد لا تنجح في جذب المُشاهد، تأتي الرؤية السينمائية التي اعتمدها المخرج عفيف حيدر لإخراج فيلم «قمر الاستشهاديين» الذي عرضته قناة «المنار» ضمن برمجتها المرتبطة بذكرى انتصار تموز ـ آب لتمنحها الدعم عبر جمالية الصورة وفعل إسقاط الواقع، ولو بإطار الترميز، على مشهدية درامية لصديق يبحث عن ذاته، بمحاذاة الضريح الذي يضمّ صديقه الاستشهادي. يحادثه ويسرد تفاصيل يومياتهما، ويناجيه حتى يتراءى له طيف حاضر وعالم بما أثمرت دماؤه. وينتهي النفق لحظة الانفجار. وعند نهاية الدرج الممتد إلى الأفق، يجد نفسه ممسكاً بالسلاح، سلاح صديقه الذي ارتقى شهيداً، وكأنه يمنحه الإجابة ويدعوه ليكمل الدرب.
الفيلم الذي تضمّن شهادات لعدد من الشخصيات التي عرفت الاستشهادي علي منيف أشمر عن قرب، أتى ليرسّخ ثقافة المقاومة وأهمية التمسّك بها للخروج من النفق المظلم إلى النور، هذا النفق الذي لا نجد نهايته إن لم نعتمد الحسم في ما نختاره وندرك أن ما بعد الحياة نجاة وإن الأرض لها حق علينا.
في العشرين من آذار عام 1996 كانت القافلة الصهيونية متّجهة من مستوطنة «مسكاف عام» مروراً بالعديسة ـ رب ثلاثين واتجهت إلى مشروع الطيبة، وفي هذا الوقت استطاع شاب عشرينيّ دخول المنطقة رغم كل الإجراءات الأمنية حينذاك، ولم تنقصه العزيمة ولم ينل منه الخوف. سار بثبات ليفجّر نفسه وسط القافلة. ورغم تأخر العدو الصهيوني بالاعتراف بالعملية، إلا أنه لم يستطع إخفاء معالمها طويلاً.
«قمر الاستشهاديين»، فيلم ضمن سلسلة بدأها المخرج الشهيد حسن عبد الله وحملت عنوان «سرايا العشق» ولم يتسنَ له إتمامها، من هنا جهد رفاقه لإكمال السيرة ذلك أن الكاميرا تدخل ضمن إطار التصدّي والصمود ولا تقل شأناً عمّا يحققه العسكر في الميدان.
يذكر أن السيناريو والإعداد للزميلة ندى بنجك والرؤية والإخراج للمبدع عفيف حيدر.