تركيا تراقب التسوية في سورية… وتتحسّب لها

د. هدى رزق

في سعيها لدرء خطر حصول الأكراد في سورية على حكم ذاتي خوفاً من انعكاس هذا الوضع على أكراد تركيا، اعتبرت أنقرة، أنّ عملية درع الفرات قد أوقفت الخطط الكردية عبر ضمّها مساحة كبيرة من الأراضي السورية التي تقع بين مدينتي كوباني في الشرق وعفرين في الغرب. لكن بالرغم من ذلك بقيت وحدات حماية الشعب الكردية تحتفظ بالمدينتين. أما تركيا و«الجيش الحرّ» فهما يسيطران على الأراضي الواقعة بين هاتين المدينتين، والتي تمتدّ من الحدود التركية في الشمال إلى الباب في الجنوب.

كان الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان لا يزال قلقاً، ففي خطابه في مالاطيا، الذي أتى بعد التعيينات الجديدة في القوات المسلحة التركية أشّر إلى أنّ القيادة البرية والجوية والبحرية ستقوم بمهمة في سورية. لكنه لم يقُل إنّ الهدف من العملية التركية المقبلة سيقتصر على إنشاء منطقة أمنية على طول الحدود التركية وليس احتلال عفرين وانتزاعها من يد وحدات حماية الشعب.

تدرك تركيا أنّ روسيا والولايات المتحدة لن تعترضا على هذه العملية إنْ بقيت بعيدة عن عفرين. فالمسؤولون في أنقرة يعلمون أنّ تنفيذ عملية درع الفرات كانت بالغة الصعوبة وخسائرها فاقت التوقعات المرسومة، لكنها حظيت في ذلك الوقت بدعم كلّ من واشنطن وموسكو، لأنها كانت موجهة ضدّ داعش، هذا الدعم توقف فور تحوّل تركيا إلى وحدات حماية الشعب. لذلك فإنّ التلويح بعملية سيف الفرات سيكون أكثر صعوبة إذا قرّرت القيادة السياسية التركية التدخل العسكري، لأنّ وحدات حماية الشعب بكلّ بساطة، تتمتع بدعم الولايات المتحدة وروسيا معاً.

أما في جنوب غرب سورية فيمكن لوقف إطلاق النار أن يمهّد الطريق أمام حلّ سياسي أوسع، لأنّ ثقة الولايات المتحدة في روسيا تتزايد لكون موسكو برهنت أنّ لديها نفوذاً لإقناع القوات المدعومة من إيران بالالتزام بالترتيبات المعقودة، يعتقد المسؤولون الأميركيون بأنهم يحصلون من الروس أكثر مما كان لديهم، إذ لروسيا نفوذ على شركائها الإيرانيين الذين فازوا في سورية، فانسحاب القوات الموالية لإيران لا يعني الخسارة إنما المشاركة في التسوية. فيما «الإسرائيليون» يسعون إلى التزام دولي أوسع للحدّ من نفوذ إيران في سورية، مع أنه تمّت استشارتهم وما زالت المفاوضات مستمرة. فالأميركيون يلتزمون التزاماً تاماً بترتيبات وقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية التي تمّ التفاوض عليها مع الأردن وروسيا، ويجرون محادثات مع شركائهم في المنطقة بما فيهم «إسرائيل». وهي مشاورات واسعة النطاق، من أجل وقف إطلاق النار، الأمر الذي شجع بعض العائلات السورية على العودة. فالولايات المتحدة والعديد من داعميها الإقليميين أصبحوا على استعداد للعيش مع فكرة وجود الرئيس بشار الأسد الذي سيبقى في السلطة على المدى القريب، لذلك تعرّضت المعارضة لضغوط من السعودية وتركيا لقبول الشروط الجديدة، لكون الولايات المتحدة لم تعد مهتمة سوى بالقضاء على تنظيم القاعدة في هذه المرحلة.

وكان بريت ماكغورك قد لمّح إلى أنّ المجتمع الدولي لن يأتي لمساعدة سورية، إلا إذا كان هناك أفق سياسى موثوق به يمكن أن يؤدي الى انتقال سياسي ما، يعني أنّ الولايات المتحدة وأوروبا غير مستعدّتين لتمويل إعادة الإعمار في سورية بعد الحرب لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها الرئيس الأسد، وقد وصف ماكغورك سياسة ترامب لإدارة السياسة السورية بأنها الطريق إلى الأمام لهزيمة داعش، والحصول على ترتيبات معينة، أما هدوء الوضع العام، فهو يهيّئ الظروف لتحقيق تسوية سياسية للحرب في نهاية المطاف، لكن ماكغورك. قال إنه «في نهاية هذه العملية لا تتصوّر الولايات المتحدة استمراراً للرئيس السوري في السيطرة على سورية من دمشق».

ضمن هذا الإطار بدأت تركيا بإعادة ترتيب علاقاتها الخارجية التي تعرّضت في فترة سابقة للاضطراب لا سيما مع دول فاعلة تعتقد أنقرة أنها ستحدّد جزءاً هاماً من مستقبل تركيا، وهي الصين التي أنذرت عبر وزير خارجيتها أنها لن تسمح بأنشطة مناهضة لبلادها. لكن تركيا ضمّت الحركة الإسلامية التركية الشرقية المعادية للصين إلى قائمة الإرهاب. قدّرت الصين هذا الموقف بعد ما أكدت على لسان وزير خارجيتها بأنّها لن تسمح بأيّ نشاط مناهض للصين في بلادها وفي المنطقة، يأتي ذلك بعد أن سمحت للأيغور بالوصول إلى سورية، بجوازات سفر تركية وهمية. وكانت تركيا قد غضبت من موقف الأيغور الذين انضموا إلى حركة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة في سورية، التي تهيمن عليها محلياً جبهة فتح الشام النصرة سابقاً .

أكد وزير الخارجية التركي أنّ أنقرة ستضع حداً للمنشورات المناهضة للصين في وسائل الإعلام التركية ما انعكس سلباً على العلاقات بين أنقرة وبكين.

وكان الرئيس أردوغان قد اتهم حكومة الصين عام 2009 بـ «الإبادة الجماعية» وعرض اللجوء على الأيغور الذين فرّوا من الصين إلى تايلاند في عام 2015، ما أدّى الى اضطراب شديد مع بكين، حيث سافر عدد متزايد منهم إلى سورية عبر تركيا ما أعاد الحرب الباردة بين الصين وتركيا. فاعتقلت الصين 10 من الأتراك المتهمين بترتيب هروبهم. سعى أردوغان للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون عندما تدهورت العلاقات التركية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومع ميل تركيا لتعديل سياستها السورية بالتنسيق مع روسيا، أصبح ميلها لتحسين العلاقة مع الصين واضحاً.

من جهتها أعلنت الصين حتى عام 2018 «سنة السياحة التركية». وتأمل تركيا تعويض خسارة السياح من أوروبا التي يتوقع ان يصل عدد زوارها الى 3 ملايين زائر. التزام تركيا بعدم السماح بأنشطة مناهضة للصين قد أثار قلق حوالى 300 ألف مهاجر أيغوري في تركيا. وأطلقت حملات على وسائل التواصل الاجتماعي تدعو حكومة أنقرة إلى تصحيح موقفها. واعتبرت موقفها خيانة.

مع تعاون تركيا مع روسيا في عملية أستانة والصدع المتزايد بين أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في إدلب، يقف الأيغوريون ضدّ الموقف التركي.

أما تركيا فترى أنّ الحرب في سورية يجب أن تجد طريقها الى الحلّ، لكن من دون أية خسائر يمكن أن تتكبّدها لا سيما في الشأن الكردي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى