هل الوجود العسكري الأميركي في سورية قانونيّ؟
شارمين نارواني
ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق
طلب البيت الأبيض والبنتاغون من الكونغرس في تموز الماضي إضفاء الشرعية على سلطة بناء «مرافق مؤقتة إضافية» داخل سورية للتمكن من مكافحة داعش بطرق أكثر فاعلية. وتجدر الإشارة الى أنّ هذا الطلب قد أتى في أعقاب هزيمة داعش المدمّرة في سورية، حين تعرّض لحرب شرسة من الجيش السوري والقوات المتحالفة معه.
وبعد ذلك بقليل، كشفت وكالة أنباء الأناضول التركية عن تفاصيل ومواقع غير معروفة من قبل عشر قواعد وبؤر استيطانية أميركية في شمال سورية، فضلاً عن عدد من المطارات. هذا بالإضافة إلى اثنين – على الأقلّ – من البؤر الاستيطانية الأميركية الأخرى التي تمّ رصدها وتحديدها في جنوب سورية على الحدود العراقية.
ورداً على سؤال حول هذه القواعد العسكرية، فقد أكد لي المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية سينتكوم، أنه: «ليست لدينا قواعد في سورية. لدينا جنود في جميع أنحاء سورية يقدّمون التدريب والمساعدة لقوات الدفاع الذاتي القوات السورية الديمقراطية شمال البلاد . كم عدد الجنود؟ بالكاد يبلغون 1200 جندياً».
ومع ذلك، وعندما استُجوبت سينتكوم حول أسس القانون الدولي لهذا الوجود العسكري الأميركي داخل سورية، لم تكن تمتلك ردّاً متوفراً. فأحالوا المسألة إلى مكتب وزير الدفاع الذي أشار المتحدّث باسمه الى القانون المحلي الأميركي، وهو أمرٌ لا صلة له بالسوريين ليحيله بدوره إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية للبحث في شؤون القانون الدولي. ومن ثمّ أرسلتني وزارة الخارجية إلى وزارة الدفاع، وأوضح لي البيت الأبيض توجه مجلس الأمن القومي، فيما تجاهل مكتب المستشار القانوني التابع لوزارة العدل بوضوح وصراحة طلباتي المتكرّرة.
فهل من الصعب أن تستنتج الإدارة في واشنطن ببساطة أنها لا تنوي الإجابة على سؤال «القانون الدولي» في سورية؟ وكي نكون منصفين، فقد عرضت إدارة أوباما في كانون الأول 2016، تقييماً للقوانين التي تشرّع استخدام القوة في سورية، لكن، وربما لأسباب وتطورات ميدانية لاحقة، ألحق الجيش السوري وحلفاؤه، الهزائم المتكرّرة ضدّ داعش والقاعدة في اليمين واليسار والوسط، حيث كانت تلك الجبهتان تعيثان فساداً وقتلاً وتنكيلاً بالسكان المقيمين في تلك المناطق.
من الواضح أنّ خريطة القواعد الأميركية في سورية مربكة للغاية. وبالنسبة للمبتدئين، فإنه يكشف العديد من البؤر الاستيطانية الأميركية أو «مرافق التدرّج» التي توجد بعيدة عن المواقع التي يسيطر عليها داعش. وقد ولّد هذا العديد من الشكوك المشروعة حول الدوافع الأميركية في سورية، خاصة أنّ القوات الأميركية بدأت بمهاجمة الأهداف العسكرية السورية بتواتر متصاعد. وشهد هذا الصيف ضربات أميركية ضدّ القوات المتحالفة السورية والطائرات بدون طيّار، وطائرة مقاتلة في غضون بضعة أسابيع. والأكثر من ذلك، قام مقاتلو التحالف في أيلول 2016 بقتل أكثر من 100 جندي من جنود الجيش السوري، المقاتلة لداعش في دير الزور، ممهّدين الطريق للاستيلاء على النقاط الاستراتيجية في تلك المناطق الغنية بالنفط.
ويبدو أن دوافع الولايات المتحدة قد تذهب بعيداً وراء الهدف المعلن لمكافحة الإرهاب في سورية فأهداف واشنطن هي أيضاً إقليمية وسياسية تسعى للاحتفاظ بمناطق نفوذ ما بعد الصراع داخل البلاد: في الجنوب والشمال وعلى طول الحدود السورية العراقية.
ويعتقد براين إيغان، المسؤول السابق في البيت الأبيض والمسؤول القانوني الأول لمجلس الأمن القومي أيام حكم أوباما، أنّ التحدّي القادم لصانعي القرار في الولايات المتحدة في ما يتعلق بالقانون الدولي إنما هو تبرير للاشتباكات الدائرة مع القوات السورية وحلفائها.
ويقول إيغان: «أعتقد أنّ مسألة القانون الدولي هي العثرة الأكثر صعوبة، للدفاع عن استخدام القوة ضدّ نظام الرئيس السوري بشار الأسد». وعلى سبيل المثال، فإنّ ضربة الولايات المتحدة، جاءت رداً على الهجوم المزعوم للأسلحة الكيماوية. فليس هناك من مبرّرات للدفاع عن النفس، ولا قرارات من مجلس الأمن الدولي. بل إنه سؤال مفتوح حول ما تعتمده الولايات المتحدة لناحية تطبيق القانون الدولي».
ويؤكد إيغان أنه «لا يبدو أنّ النظريات التي يمكن تطبيقها ضدّ الجماعات الإرهابية مثل داعش تنطبق على العمليات العسكرية الأميركية ضدّ القوات السورية. وكلما وسّعت القوات الأميركية من حجم مسرحها القتالي في سورية، كلما زادت فرص الصراع بين القوات الأميركية والقوات السورية هناك، ما يجعل من الضروري جداً أن تقوم الإدارة الأميركية بشرح مبرّراتها للعمليات المحتملة في سورية».
لكن، لم تكن القوات السورية وأهدافها العسكرية هي الوحية التي تعرّضت للنيران الأميركية. ففي سلسلة من الرسائل إلى مجلس الأمن الدولي هذا العام، أكدت الحكومة السورية أنّ الضربات الجوية الأميركية قد دمّرت وبطريقة «منهجية» البنى التحتية الحيوية والأصول الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد وذلك لشهور طويلة، كما اشتكت من أنّ الهجمات «تنفذ خارج إطار العمل ضمن الأطر الشرعية». ويزعم السوريون أنّ أهداف البنية التحتية هذه تشمل محطة غلبان لتجميع النفط وحقل عمر والآبار والمرافق ومحطات الكهرباء ومحطة تاناك للنفط والمرافق وحقل النفط إزباه وباقي المنشآت التي تقع جميعها في محافظة دير الزور ومصنع الغاز والجسور والهياكل في قناة باليخ في الرقة والمباني والمنشآت التابعة للمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية في حمص، وسدّي البعث والفرات، وسدّ تشرين وخزاناته والريّ وتوليد الطاقة والمرافق، والعديد من المرافق الحيوية الأخرى في جميع أنحاء البلاد.
ومع تفكك الحجج القانونية الأميركية التي تدعم الوجود العسكري في سورية، أصبح موقف البنتاغون الذي لا يمكن الدفاع عنه مطلقاً، ملحوظاً حتى داخل صفوف مناصريه.
ويقول الجنرال ريموند توماس، قائد العمليات الخاصة في الولايات المتحدة في لقاء له مع المحطة الإعلامية الشهيرة إسبن Aspen الأسبوع الماضي رداً على سؤال حول ما إذا كانت القوات الأميركية ستبقى في سورية بعد القضاء على داعش: «نحن نعمل في دولة سورية ذات السيادة، فالروس وقلاعهم وسدّاداتهم قد استدعوا فوراً الأتراك من سورية. سنكون في يوم سيّئ لو أنهم قالوا: «لماذا لا تزال قوات الولايات المتحدة جاثمة فوق الأراضي السورية؟»
يتواجد الروس والإيرانيون وحزب الله والقوات السورية الأخرى المتحالفة معهم، بشكل شرعي في سورية، وذلك بدعوة من سلطة الدولة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. بينما لم ولن تُوجّه هذه الدعوة الى الولايات المتحدة وحلفائها.
وتحاول هذه الأخيرة، في اللحظة الآنية، تجاهل وجود هذا الفيل الضخم في تلك الغرفة. وفيما تنهار داعش، سيبرز حتماً الى الملأ سؤال جوهريّ «لماذا لا تزالون هنا؟»
وعندما شنّ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة عمليات علنية في سورية في أيلول 2014، أشارت حكومات غربية مختلفة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2249 الذي صدر مؤخراً، والمادة 51 دعوة العراق الى «الدفاع الجماعي عن النفس» ، كمبرّر قانونيّ للقيام بذلك.
لكن أياً من هذه التبريرات لم تقدّم الأساس القانوني لاستخدام القوة في سورية. وفي الأساس، لا يوجد سوى ثلاث مبرّرات واضحة لاستخدام القوة في القانون الدولي: قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي ينصّ على الفصل السابع، الدفاع عن النفس ضدّ أيّ عمل عدواني من جانب أية دولة إقليمية، ودعوة من السلطة الشرعية لدولة ذات سيادة تعمل القوات الأجنبية داخل حدودها «بموافقة الدولة الإقليمية».
وفي حين أنّ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي يحمل الرقم 2249، قد دعا الدول الأعضاء الى اتخاذ «جميع التدابير اللازمة» ضدّ داعش في سورية والعراق، فإنه ينصّ صراحة على أنّ أيّ تدبير من هذا القبيل يجب أن يكون وفقاً للقانون الدولي، ولا سيما مع ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتطلّب موافقة دولة إقليمية، وهي في هذه الحالة، الحكومة السورية.
وبينما دعا العراق التحالف الى الانخراط عسكرياً في صفوف داعش، فإنّ حجته «الجماعية للدفاع عن النفس» لا تبرّر استخدام القوة داخل الأراضي السورية، لأنّ سورية لم تهاجم العراق.
وللتغلّب على الثغرات الهائلة في حجج القانون الدولي، قام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ببعض الألعاب البهلوانية القانونية. وتفترض هذه النظرية أنّ الائتلاف «غير راضِ وغير قادرِ» على الانخراط عسكرياً في سورية، إذ أنّ الحكومة الشرعية هناك هي إما غير قادرة أو غير راغبة أو كليهما معاً، في محاربة داعش.
وقد جُنّدت بعض المقالات الإعلامية وبعض الروايات لمهاجمة دقيقة ومكثّفة بعناية لتحديد المشهد المناسب لهذه النظرية. ونذكر، إنْ صحّ التعبير، أنّ عدداً كبيراً من المقالات التي تؤكد على سيطرة داعش على 50 من المناطق السورية التي لم تعُد خاضعة لسيطرة الدولة السورية ما يعني توجيه تفكيرنا بما مفاده أنّ سورية «غير قادرة» على محاربة داعش. حتى أنّ هناك بعض الروايات الأخرى التي أصرّت على إثبات أنّ البراهين العملية على الأرض تؤكد خلاف ذلك، وبأنّ الحكومة السورية قد ساعدت داعش ولم تحاربها كجماعة إرهابية، بل عملت فقط على استهداف «المتمرّدين المعتدلين» باعتبار أنّ الحكومة السورية غير راغبة باستهداف داعش أو القضاء عليه.
والواقع، أنّ الجيش السوري وحلفاءه قاتلوا داعش بضراوة أثناء الصراع، غير أنّ انتباههم غالباً ما كان يُصرف عن القتال بسبب المعارك الأكثر إلحاحاً التي كانت تفتعلها كلّ من الولايات المتحدة، تركيا، بريطانيا، فرنسا، السعودية، الإمارات العربية المتحدة وقطر في الجانب الغربي من البلاد، حيث تتركز غالبية السكان بالإضافة الى أفضل البنى التحتية في البلاد. ومن الجدير ذكره، أنّ المناطق التي يسيطر عليها داعش، غالباً ما تكون في الأماكن القاحلة، والمناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة وفي الصحراء في شمال سورية، والشمال الشرقي.
يبدو أن استراتيجية دول مجلس التعاون الخليجي، تحبّذ إطلاق القوات السورية من الشرق الى الغرب، ومن الشمال الى الجنوب، وتحوّلها بذكاء باتجاه أيّ معركة تريد تحقيق مكاسب فيها. واستمروا ينتهجون هذا النهج الى حين تدخل الروس في المعركة في كانون الثاني 2015، فغرقت نظرية التحالف مطلقةً شعار «غير راغبة وغير قادرة».
كما كتب الرائد باتريك والش، وهو الأستاذ المساعد في قسم القانون الدولي في المركز القانوني للمدرسة العسكرية، والقائد العام للجيش الأميركي في فرجينيا، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مؤكداً: «تعمل الولايات المتحدة وغيرها من الذين يعملون في الدفاع الجماعي عن العراق وتركيا في أرضٍ محفوفة بالمخاطر. ويدعو المجتمع الدولي روسيا الى وقف مهاجمة جماعات المتمرّدين، والتركيز على قتال تنظيم داعش. لكن، إذا فعلت روسيا ذلك، والتزمت حكومة الأسد بمنع داعش من مهاجمة جيران سورية وتسليم هذا الالتزام، فإنّ نظرية «غير قادرة أو غير راغبة» لن تنطبق عليها بعد الآن. ولن تتمكن الأمم المتحدة من التدخل قانوناً داخل سورية ضدّ داعش، بدون موافقة حكومة الأسد».
ولاحظت شركة المحلّلين والأمنيّين والدفاعيّين في المملكة المتحدة IHT Markit في نيسان الماضي، وذلك من خلال تقرير نشرته، يفيد أنه خلال الفترة الزمنية التي عانى فيها داعش من هزائمه الأكثر تشويهاً، خاضت القوات السورية المتحالفة المعارك ضدّ المجموعات الإرهابية، بدعم من الولايات المتحدة لأكثر من مرتين. ومع قيام القوات الجوية الروسية بتزويد القوات السورية المتحالفة بتغطية جوية متغيّرة، بدأت المعارك ضدّ داعش والجماعات الإرهابية الأخرى تتحوّل بشكل حاسم لمصلحة سورية. ومع ذلك، فقد ذهبت أبعد من ذلك الى حدّ التبرير «النظري» للتدخل العسكري في سورية.
ومع تعرّض داعش والقاعدة للضرب مرةً أخرى في سورية، فإنّ المباحثات الأميركية حول ما قد يأتي بعد ذلك، يفتقد إلى النقطة المركزية الأهمّ. ومن حيث القانون الدولي، فإنّ واشنطن المارقة واقعةٌ الآن في مأزق. فهل من سامع أم مجيب؟
شارمين نارواني هي معلقة وباحثة استراتيجية في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، في بيروت.
القواعد العسكرية والبؤر الاستيطانية في سورية، والتي رصدتها وسائل الإعلام وبعض المصادر المستقلة. تصوير محمد فهد وزياد عدرا