اتركوا الجيش يؤدِ وظيفته الوطنية

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

أَهْلُ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ يُسَارُ بِهِمْ وَهُمْ نِيَامٌ . الإمام علي عليه السلام

منذ تفجّر الأزمة في سورية أو بالأحرى المؤامرة على سورية وعلى المقاومة وعلى أمّتنا تحت مسمّى الربيع العربي ، كانت السلطة في لبنان في حالة تجاهل للتداعيات التي يمكن أن تقع وابتدعت فكرةَ النأي بالنفس على اعتبار أن دفن الرؤوس في الرمال يضمن للوطن السلامة وللشعب الأمان. لم تكن تدري السلطة أنّ مخطط تقسيم المنطقة وجرف تاريخها وقيمها وتحويلها إلى بؤرة تحتوي أفظع الصراعات وأبشع الانتهاكات الإنسانية تجري على قدم وساق، وأنّ ارتدادت أيّ حرب في سورية ستُنزل بلبنان أشدّ الكوارث إن لم يجرِ التحرّك بسرعة. ولكن معظم القوى السياسية كانت مستسلمة إلى القدر الأميركي الغربي بأنّ المنطقة تسير نحو تغيير كبير وليس بمستطاع أحد المواجهة، وأفضل طريقة للتعامل مع هذه الأوضاع هو افتعال النوم على مركب يجري فوق بحور هائجة. لم يتفطّن للمخاطر من الناحية السياسية سوى بعض القوى اللبنانية، ولم يبادر إلى مواجهتها سوى حزب الله بشكل رئيسي والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث. البقية الباقية من القوى السياسية ومن الشعب اللبناني فضّلت أن تُغمض عينيها وأن تُسدل جفونها كي لا ترى، كي لا تفعل وتتحمّل مسؤولية فيها تضحيات ودماء. هذا كان قبل سنوات وإن كانت آثار الأزمة لم تنته بعد. ولكن اليوم وأمام الوجود الخطر للجماعات الإرهابية على الحدود الشرقية، خصوصاً في منطقة جرود عرسال والقاع هناك مَن يريد الاستمرار في لعبة التغاضي والتغافل ويقول: لا تورّطوا الجيش . صار الدفاع عن حدود لبنان وأمنه من هذه الجماعات المتوحّشة توريطاً! في الحقيقة إنّ هؤلاء الذين يدعون حرصهم على الجيش ودماء العسكريين هم مَن كادوا له ولجنوده، وهم مَن أوقعوا لبنان في الفتنة، وهم مَن سمحوا للجماعات الإرهابية بالتمادي. قالوا سابقاً: دعوا الجيش يحمِ حدود لبنان الجنوبية. وادعاؤهم هذا لم يكن إلا بسحب البساط من تحت المقاومة ومنعها من الدفاع عن لبنان. وهم أنفسهم مَن كان يقول: اتركوا الجيش يسيطر على المناطق كلها، وهو وحده الحامي والضامن، ولكن عندما يريد الجيش القيام بمهماته عرقلوا جهوده وحرّضوا عليه وطالبوه أن لا يتورّط. وكلام من هذا القبيل الذي يعرف الجيش أنّه في سياق لجمه عن أداء وظيفته الوطنية. لهؤلاء الذين انكشف قناعهم نقول: إنّ الجيش أعرف منكم بما يجب أن يقوم به وهو أحرص منكم على سلامة جنوده وسلامة لبنان، ومتى وحيث كان هناك واجب للتضحية فسيضحّي، ومتى وحيث كانت هناك مسؤولية تتطلّب الإقدام والمبادرة سيكون في الموقع الصح من أجل لبنان كله. اتركوا حرصكم جانباً، لأنه حرص المثبطين لا الحكماء والعقلاء، أما نحن فسنقف إلى جانب الجيش داعمين ومؤيدين وناصرين. ستكون المقاومة إلى جانبه والشعب إلى جانبه. فمصلحة لبنان أهم من غيظ استقرّ في نفوسكم. إنّها الحرب التي تحتاج إلى الأوفياء والشجعان. إنّها الحرب التي تحتاج أن يبتعد فيها الجيش عن المخذلين والضعفاء والمذعورين من أسيادهم!

اتركوا الشعب يستفِق وينهض من أجل لبنان أقوى وأعز!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى