الرئيس بري قيادة حكيمة وميزان للاعتدال
أسامة العرب
لا يختلف كثرٌ في لبنان على مقولة إنّ رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري هو صمّام أمان البلاد السياسي، وميزان البلاد وتجاذباتها. فحنكته ومراسه القانوني وقدرته على تدوير الزوايا واجتراح المخارج المناسبة منعاً للصدام، جعلته يتقن دوره كرئيس للمجلس وحكم للبلاد، كيف لا وهو المحامي العريق الجريء بالحق، والذي يعرف كيف يُحلّق به.
من وجهة نظر موضوعية، فإنّ إنجازات الرئيس بري تفوق نطاق الحكم وتدخل في صلب موازين العدالة الاجتماعية، فصحيح أنّ المجلس النيابي أنتج بفضله مئات القوانين وتمّ تطوير أعمال لجان الإدارة والعدل والاتصالات والمالية. وصحيح أنّ الرئيس بري تمكّن من إنشاء شبكات طرق دولية حديثة وشبكة طرق داخلية في معظم المدن والقرى والبلدات، وأنشأ شبكات مياه للشفة وشبكات صرف صحي وشبكات كهرباء ومدارس نموذجية، وأنشأ مركز باسل الأسد الثقافي ووسع المرفأ التجاري ومرفأ الصيادين، وأنشأ الكورنيش الشمالي والجنوبي في الجنوب بطريقة رائعة، ووسّع الأسواق التجارية القديمة، وأدخل الاستثمارات الى مدن الجنوب وأنشأ عدداً كبيراً من المشاريع السياحية الهامة فيه، وحافظ على المواقع الأثرية، وحقق نهضة عمرانية واسعة في لبنان واستقراراً أمنياً لافتاً. إلا أنّ الرئيس بري كان رجل الدولة الوحيد الذي اهتمّ بإنشاء شبكة مدارس وجامعات ومستشفيات ومستوصفات لأبناء الطبقات المحدودة والفقيرة، وبفضل الرئيس بري بات الفقير باستطاعته أن يتعالج في أفضل المستشفيات بتكلفة زهيدة، وبات محدودو الدخل باستطاعتهم أن يعلّموا أولادهم في أفضل المدراس والجامعات بالمجان تقريباً، ولم تعد المهن الحرة والوظيفة العامة أو حتى وظيفة الفئة الأولى أو النيابة أو الوزارة حلماً لا يناله إلا أبناء العائلات الثرية. ناهيك عن أنّ الرئيس استردّ زراعة التبغ من الإقطاع السياسي والاقتصادي ووضعها في خدمة الفقراء ودعم الزراعات والصناعات، وأنشأ عدداً كبيراً من المشاريع الإنمائية الخاصة في كلّ قرية وبلدة، وفعّل عمل المستشفى الحكومي، وأنشأ فروعاً عديدة للجامعة الإسلامية وبدأ بالعمل بإنشاء معمل فرز مركزي للنفايات للتخلص من مشكلة مكب رأس العين، وأنصف الصيادين ومزارعي التبغ، وأقرّ مشروع إنشاء محطة مركزية لمياه الصرف الصحي، وأنجز مشروع الإرث الثقافي ومحمية شاطئ صور الطبيعية.
أدّى الرئيس بري قسطه الأكبر في المقاومة وفي تحرير الجنوب من الاحتلال «الإسرائيلي»، وأدّت مواقفه العربية والإسلامية المشرّفة، ومواقفه اللبنانية التي ترفع الرأس إلى إحداث نقلة نوعية بالعمل السياسي في لبنان، ذلك أنّ الرئيس نبيه بري يتعاطى مع كلّ اللبنانيين على أساس أنهم لبنانيون وحسب، وليسوا مسيحيين ولا مسلمين، ولا أبناء هذا المذهب أو ذاك، فدولة الرئيس لا يعرف الطائفية أبداً، وهو المتخرج من ثانوية الإمام علي بن أبي طالب التابعة للمقاصد الخيرية الإسلامية والمتخرج من الجامعة اللبنانية وجامعة باريس الأولى السوربون ، وقريب دوماً من عموم المسيحيين والمسلمين ويداريهم مع الأخذ بعين الاعتبار هواجسهم.
إنّ الرئيس بري معروف بحنكته وحكمته الكبيرة، وإنْ جادل أحداً أفحمه. وفي الأمس القريب ثارت ضجة لا لزوم لها حول مشاركة وزراء في الحكومة في معرض دمشق الدولي، فما كان من الرئيس بري سوى أن أستغرب مواقف البعض المتناقضة، مستهجناً ممارسة بعض الساسة في لبنان سياسة دفن الرؤوس في الرمال، وتساءل: لماذا يزعم البعض بأنه لا يريد التنسيق مع سورية، في حين أنّ حبر استجراره للكهرباء منها لم يجفّ بعد، ولا حتى حبر تعيين سفير لبناني جديد في دمشق، ناهيك عن موافقة المسؤولين اللبنانيين على مهمة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم القاضية بالذهاب إلى دمشق والتواصل معها لدحر الإرهابيين من الأراضي اللبنانية وتحرير الأسرى. ثم أضاف الرئيس بري قائلاً: من دون التنسيق مع الدولة السورية كيف كان سيتمّ تنفيذ اتفاق عرسال، وكيف كان سيتمّ إخراج سرايا أهل الشام من الجرود، وكيف كانوا سيمرّون في الأراضي السورية، ويقيمون فيها، وكيف كانت ستشرف الحكومة السورية على انتقالهم. وتابع الرئيس الجريء قائلاً: من دون أيّ حوار مع الدولة السورية كيف سنعالج مشكلة الإنتاج الزراعي الكاسد، ومسألة غرق السوق اللبنانية بالمزروعات السورية المهرّبة كالبطاطا والحمضيات والفواكه؟ وكيف سنحلّ ملف النازحين السوريين؟
لا نغالي إنْ قلنا بأنّ دور الرئيس بري لم يعد محصوراً في نطاق محلي وحسب، وإنما بات يلعب دوراً إقليمياً هاماً، ففي أصعب الأحوال وأمرّها، وبالتحديد في الوقت الذي ينشغل فيه البعض من الرؤساء والقادة بالهرولة للتطبيع المجاني مع العدو، كانت الأنظار موجّهة للرئيس بري في قصر المؤتمرات في طهران ولكلمته المدوّية التي سعت لإعادة الأمور لنصابها الصحيح، وللعودة من جديد لتبني القضية الفلسطينية كقبلة أولى وقبلة سياسية جامعة كما كانت منذ عام 1948، مشدّداً على مسألة أن لا شيء يجمع سوى فلسطين، وأنّ كلّ محاولات أولئك الذين يسعون لتكوين حلف مذهبي مع العدو ستسقط، وأنّ على العالم أجمع أن يعلم مَن هو الصديق الحقيقي ومَن هو العدو، شاكراً دعم الجمهورية الإسلامية في إيران للمقاومة في لبنان، لأنّ هذا الدعم هو الذي أمّن للجنوب النصر والانتصار الدائم.
وإننا إذ نحيّي مساعي الرئيس بري لإنقاذ المنطقة من جميع المشاريع الفتنوية التي حيكت لها، لا سيما أنه يجمع في دارته دوماً في المصيلح نخبة من رجال الفكر لجمع كلّ الطوائف والمذاهب حول مسألة تبني قيم الإمام الحسين الإنسانية كمشروع عابر للطوائف والمذاهب، ولتكون هذه القيم الإنسانية الجامعة محطة لمعرفة الحق والإصلاح والعدالة لأحرار العالم كلّهم.
ولما كانت الانتخابات النيابية قد أضحت قاب قوسين أو أدنى، فإننا نتمنّى أن يمكّن قانون الانتخاب النسبي من توسيع دائرة القادة الوطنيين أمثال الرئيس بري، علّنا نتمكن من تجاوز كلّ الحدود والأبعاد الدينية والطائفية في هذا البلد الصغير، وأن نعيد بناء القيم الإنسانية المبنية على المحبة والألفة وتعزيز علاقات التلاقي والحوار في هذه المرحلة الحرجة التي نعيشها، والتي ضاعت فيها العناوين وانشغلت المنطقة في الصراع الطائفي والمذهبي.
يقول أستاذي دولة الرئيس الدكتور سليم الحص، أطال الله في عمره، صراط المواطن الصالح في الحياة خطّه الإمام علي بن أبي طال كرّم الله وجهه، حيث قال: إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً. ولذلك، فإنّ الأولوية في لبنان يجب أن تكون لدعم القضية الفلسطينية والمقدسات ومواجهة الإرهابين الصهيوني والتكفيري، لأنهما عملتان لوجه واحد. وقد أثبتت الوقائع أنه في السنوات الأخيرة بقي التواصل مستمراً بين الدولتين اللبنانية والسورية من خلال إدارات ووزارات عديدة، أكان ذلك على مستوى تنظيم النقل أو تصريف الإنتاج الزراعي أو التبادل التجاري. ولذلك، فإنّ الاهتمام بمصالح الدولة اللبنانية العليا ورعاية علاقات الأخوة المميّزة مع سورية، أفضل بكثير من التلطي وراء شعارات فارغة من المضمون كلبنان أولاً/ وأفضل كذلك من تبني منطق الخطابات الفتنوية الرخيصة! وللرئيس بري نقول: أنت ميزان الاعتدال والانفتاح في هذا البلد، وأنت صاحب المواقف الشهمة والوطنية، نفتخر بك وبحكمتك، لو تمتّع الآخرون بمعشار فضائلك، لتحوّل لبنان بحق سويسرا الشرق.
محامٍ، نائب رئيس
الصندوق الوطني للمهجرين سابقاً