هل تكرر تركيا الإخوانية غباء انقلابيي أوكرانيا؟

محمد شريف الجيوسي

يدخل الصراع في المنطقة العربية مرحلة جديدة من حيث وجود التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على أكثر من 40 دولة، وإسهامها بشكل متزايد في الحرب الجديدة على سورية والعراق والمقاومة اللبنانية وإيران وروسيا بشكل مباشر وغير مباشر بذريعة الحرب على الإرهاب «داعش ومنافسوه».

ويدخل الصراع مرحلة جديدة أيضاً من حيث قرار تركيا بدخول الحرب وفق شروطها الصعبة على التحالف، وعلى اتحاد 4 دول لا توافقها المخاضات السياسة التي تضع نفسها فيها، بل تناقضها تماماً إيران والعراق وسورية وروسيا وهذه الدول ليست أمراً عابراً، فهي إن أصرت تركيا على عنجهيتها تستطيع أشياء كثيرة تفوق فرض حصار اقتصادي شامل عليها.

وروسيا التي تربطها عبر التاريخ علاقات عدائية غالباً بتركيا، قد تكون فرصتها في تصفية حسابات قديمة، يصر الأتراك على إنعاشها، وقد تكرر تركيا الإخوانية، غباء انقلابيي أوكرانيا الذين باعوا أنفسهم للغرب بغباء منقطع النظير إن أحسنا الظن بهم، فانتهوا إلى خسارة تلو أخرى.

ويدخل الصراع مرحلته الجديدة من حيث محاولة جر المقاومة اللبنانية إلى صراع متعدد الجبهات لاستنزافها عبثاً، لكن ما عرفه أولئك أن استهدافها يزيد من حجم الانتظام فيها والتعاطف معها وتسليحها، واتساع دائرة البيئات الحاضنة لها، وفي تضييق الأرض على خصومها، الذين تآمروا عليها منذ وقت مبكر، وزادها التآمر عليها قوة وبسالة.

ويدخل الصراع مرحلة جديدة بعد الحملة الأميركية ـ الصهيونية على القضية الفلسطينية، عقب خطاب رئيس السلطة الفلسطينية المنتهية ولايته محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي ذكر فيه بجرائم «إسرائيل» المتصلة ضد البشر والحجر والإنسانية والطفولة والحضارة على مدى عقود.

واشتدت الحملة مع توجهٍ جاد باتجاه استعادة اللحمة فلسطينياً وحل القضايا المستعصية بين مختلف الأطراف، والتوجه نحو عضوية المؤسسات الدولية.

ويحاول الغرب على صعيد إيران والملف النووي، تعقيد الحلول وتقديم شروط جديدة، بعدما بدا لوهلة أن حل مسألة الملف النووي باتت منتهية في أعقاب تسلم الرئيس الإيراني روحاني مسؤولياته الدستورية رئيساً لبلاده، الأمر الذي استدعى حينها احتجاج «إسرائيل» بصلافة على توقيع اتفاق بهذا الشأن مع طهران. وفي تقديرنا إن الملف النووي الإيراني مجرد ذريعة، لكن إيران مطلوب رأسها لاعتبارات مختلفة منها، إنها تمتد في قوتها المعنوية حتى البحر المتوسط، وأضيف إليها أخيرا باب المندب عبر الحوثيين، وهي السيف والدرع وإن يكن ليس بشكل مباشر في مواجهة الإرهاب الإقليمي عبر دعمها سورية والمقاومة اللبنانية والقضية الفلسطينية والعراق وغيرها.

إن تمدد الإرهاب نحو العراق، لم يكن مجرد مغامرة لمجموعة إرهابية تكفيرية وهابية إخوانية ـ لم يخلها البعض كذلك في البداية ودفع هؤلاء ثمن ذلك غالياً ـ بل خطة شيطانية غربية، أريد منها توسيع دائرة الصراع وجر إيران إليها وتوريط تركيا ودفع أكراد المنطقة إلى الاقتتال أيضاً فيما بينهم، جراء تعارض الأجندات والظروف الموضوعية على الأرض بين منطقة كردية وأخرى، وخلق مبررات لعودة أميركية بريطانية غربية للمنطقة بذريعة مجابهة الإرهاب وليس بالضرورة أن تكون العودة عسكرية بحتة مستدامة ، ولأجل تدخل متدرج ضد الدولة الوطنية السورية من خلال التحالف، لعلهم يقدرون على تحقيق ما لم يقدروا عليه عبثاً على مدى 41 شهراً.

وكان تعريض العراقيين المسيحيين للمجازر والتهجير، ليس فعلاً همجياً عارضاً فحسب، لم تقرّه الشرائع ولا الأخلاق أو الانسانية السوية، كان هدفه أيضاً تحقيق ما لم يتحقق في سورية تجاه المسيحيين السوريين بهذا الحجم من الخسة والغدر والهمجية، وتحريض العالم المسيحي على المنطقة، وجعل العرب المسيحيين المهجرين للغرب احتياطي برسم الاستخدام لاحقاً ضد أوطانهم، وهو ما لم يتحقق لهم حتى في ظل ذروة حروب الفرنجة ضد منطقتنا العربية.

من هنا، فإن الجماعات الإرهابية على اختلاف مسمياتها والجهات الإقليمية والدولية الداعمة لها هي ضرورة إمبريالية استعمارية أميركية غربية صهيونية، هي مجرد طابور خامس متعدد الجنسيات، يعمل على تدمير المنطقة العربية وشرذمة كل ما هو حضاري وإنساني ووطني وقومي وإيماني، وإعادتها إلى القرون الوسطى على الطريقة الأوروبية الأشد تخلفاً ودموية وهمجية.

تلك هي أمانيهم، لكنها على رغم عمق الجراح وفداحة التضحيات وحجم الخسائر الهائل في الأرواح والجرحى والبنى التحتية في المنطقة العربية لن تمر، ليس لأن أمانينا هي النقيض لها فحسب، ولكن لأن الشعب في المنطقة بات أشد وعياً ما سبق لما دُبر ويدبر له ولأن حواضن الإرهاب رغم الإرهاب المتصل ما عادت تقبل ان تكون كذلك، ولأن الخبرات القتالية والسياسية والاقتصادية تتراكم، والمناعة الذاتية أصبحت أشد وأقوى من كل فيروساتهم متعددة الأشكال والأنواع والسبل والوسائل والمخططات.

وأيضاً لن تتحقق لأن قيادات أعداء المنطقة باتوا محل كراهية لشعوبها وكراهية لمعظم شعوب العالم، ولأن بين الأعداء من التباينات والتعارضات والتناقضات وأجواء عدم الثقة الكثير مما يكفي ويزيد، وهم في أسوأ حالاتهم من أوضاع اقتصادية واجتماعية وانقسامات مؤشراتها ماثلة.

في مقابل ذلك، إن حلفاء سورية والعراق وإيران والمقاومة الفلسطينية ليسوا هباء وليست لهم أطماع في المنطقة، وهم في حالة صعود اقتصادي وسياسي وعسكري، وهم عندما ساندوا ويساندون أصدقاءهم يدفعون عن أنفسهم أذى الغرب وأطماعه وهمجيته ودمويته.

بكلمات، من خلال ما سبق قوله، فإن الصراع في المنطقة يدخل مرحلة جديدة وأخيرة، أكثر انكشافاً ودموية واتساعاً في مساحته وتعدد اطرافه، وأنواع اسلحته ومفاجئاته.. اقول إنه بنتيجة الجولة الجديدة من الصراع الذي شرعوا أبوابه سينحسر الكيان الصهيوني عن جزء مهم من الأرض التي احتلها عام 1948… وسيتشظى الحزب الانكشاري السلجوقي الحاكم في تركيا ويخسر السلطة، وسيتلاشى نفوذ الموساد وتركيا في عراق كردستان وجماعتهما هناك وسيعود للالتحام بالوطن العراقي في عراق موحد للجميع من دون اجتثاثات ومحاصصات، وسيفرد الرخ السوري جناحيه كما كررت غير مرة في المنطقة عزيزاً قوياً، وستضعف كثيراً الاتجاهات الموالية لـ «إسرائيل» والغرب في لبنان ويشتد ساعد المقاومة اللبنانية وشرعيتها، وستحدث متغيرات كثيرة أخرى، أقول ليتهم لا يتخلون عن عنجهيتهم وغباءاتهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى