إدلب… «تحصيل حاصل» أمام قرار سوري مستقلّ…
بهاء خير
طوال سنوات الحرب على سورية لم تغبْ أسماء القرى والبلدات والمدن السوريّة عن مسرح العمليّات الميدانيّة، حتى أنّ نقاط الاشتباك الكبيرة التي خاضها الجيش السوري صدّرت أسماء جديدة لم تكن ضمن قاموس التداول، ولكن يبقى لمنطقة أو بالأحرى لمدينة سوريّة وقع كبيرة لاسمها واختلاف في وجهات النظر عن التعاطي مع ملفها…
إدلب… المحافظة السوريّة الشماليّة والملاصقة للحدود الإداريّة لتركيا، شكّلت ما بعد السيطرة عليها من قِبل «جبهة النصرة» نقطة انطلاق لها نحو عدد كبير من نقاط الجيش السوريّ، سواء في محيط المحافظة جنوباً نحو حماة وسهل الغاب، أو غرباً باتجاه ريف اللاذقية الشماليّ أو حتى شرقاً باتجاه حلب.. محاور القتال هذه ومنطلقها إدلب، جعلت من المحافظة محطّ أنظار الداعمين للـ»نصرة» هيئة تحرير الشام ، خصوصاً في تركيا.
تسوية المناطق على مبدأ تسوية أوضاع المسلّحين الراغبين في العدول عن حملهم للسلاح وترحيل من لا يريد التسوية إلى إدلب تحديداً، كانت الفرصة لتحييد المناطق التي تتواجد فيها مجموعات مسلّحة عن مزيد من التدمير وسفك الدماء، حال داريا والمعضمية وقدسيا والتلّ وغيرها بريف دمشق والوعر وغيرهما من المناطق في مدينة حمص. كلّ هذا جعل مناطقَ كانت خاضعة لسيطرة تنظيمات إرهابيّة تعود لكنف الدولة السوريّة بفترة قليلة بعيداً عن الدمار والدماء. نجاح تلك التسويات خلق فرصة من المناخ الذي وتّر ودفع بالمواقف السياسية للكثير من الدول التي انغمست في الحرب على سورية بأن تعيد حساباتها التي لم تسر كما اشتهت سفنه، فلا مناطق الريف الدمشقيّ التي اختيرت بأن تكون منصّة الانطلاق نحو العاصمة دمشق باتت آهلة للتخريب والإرهاب، ولا الريف الحمصي وأحياء المدينة باتت أيضاً كذلك..
الوجهة كانت إدلب عند كلّ تفاوض.. وظهور لمدينة جرابلس على الحدود مع تركيا فيما بعد.
إدلب الخاضعة لسيطرة تنظيم «جبهة النصرة» هيئة تحرير الشام و«أحرار الشام» الإرهابيّين منذ العام 2015، لم تكن كما ذكرنا نقطة الانطلاق نحو استهدافات إرهابيّة في المناطق المحيطة بها، بل شكّلت قاعدة تركيّة خلفيّة من ناحية التحشيد الإرهابيّ وغيره من أشكال الإمداد.
«جبهة النصرة» المموّلة قطرياً وتركياً، و«حركة أحرار الشام» المموّلة أيضاً من ذات الأطراف، ولكن على طرفَيْ نقيض في الآونة الأخيرة، ليس من باب الاختلاف العقائديّ ولكن الاختلاف على مدى التأثير على الأرض أولاً، والتعداد الإرهابيّ لكلا الطرفين ثانياً.. فكان لا بدّ من تصفية ذاتيّة داخل البنيان الداخليّ للإبقاء على الطرف المُغذّى قطرياً وتركياً أكثر، والأكثر ولاءً والمنصاع لإرادة الأخيرين..
لافروف، وزير الخارجية الروسي، حذّر من أن تلجأ أميركا لزجّ «النصرة» عوضاً عن «داعش» المكسور الظهر في الداخل السوريّ وعلى أطراف العراق. وفي التحذير فطنة من أميركي مخادع قد يلجأ لأيّ شيء طالما أنّ أوراقه سُحبت وأذرعه بُترت، ولكنّ المؤشّرات تعطي الدليل بأنّ أميركا باتت كمن يريد «سلّته بلا عنب»… خروج قويّ في العلن ووفاض خاوٍ في الباطن..
اليوم إدلب بحرارتها الحمراء أمام سيناريوات عديدة إما تسوية وعودةُ من يرغب لكنف الدولة السورية من السوريين وخروج من تبقّى من المسلّحين عبر تركيا كلّ نحو بلده كما عاد بعض البريطانيين والفرنسيين، وإمّا أمام معركة عنيفة جداً تفرض واقع حلٍّ مختلف عالمياً وليس فقط إقليمياً، وإمّا أن يكون هناك نقلٌ للمسلّحين برعاية أميركية عبر مجموعات نحو هدف آخر قد تجعل منه أميركا موطئ قدم لها بحجّة وجود إرهابي فيه.. سيناريوات عديدة وواقع يُفرض على الأرض بذراع عسكرية سوريّة، لن تطبّق إلّا ما يحافظ على سيادتها ويسير في ذات اتّجاه خط العمليات العسكرية. تضييق خناق سورية واضح، والأهمّ سرعة التأثير ومسار روسيّ يسير مع الأميركي إلى آخر الطريق ليبقيه في زاوية ميتة الفعاليّة، وما لقاء رئيس هيئة الأركان الروسيّة ووزير الدفاع الأميركي في أنقرة إلّا رسالة بأنّه لا سبيل أمام الأميركيّين، وحتّى الأتراك، إلّا التنسيق لمرحلة مقبلة لن تكون في صالح طرف داعم لفصائل تنتظر التصفية في إدلب.
إذاً، مرحلة طوي صفحة الحرب في سورية باتت قاب قوسَين أو أدنى، ليس بناءً على كلام نطق به دي ميستورا متأخّراً بفهم الواقع، ولكن بفضل واقع هو الحاضر. دمشق تنبض بالحياة من جديد، وهي رسالة.. عمليّات ميدانيّة على الأرض هي الأكبر في كلّ المفاهيم العسكرية، وهي أيضاً رسالة.. ودول داعمة لمشروع إرهابي لم ولن تتورّط أكثر ممّا انغمست فيه أيديها من قبل.
الرسالة السوريّة الأهمّ واضحة سيادة كاملة على الأرض السوريّة واستقلال في القرار لا مكان لاختطافه أو انتزاعه.