ما بعد الصمود… وما قبل الانتصار

زهير فياض

لا شكّ في أننا ندخل مرحلة جديدة عنوانها «ما بعد الصمود… وما قبل الانتصار»، وما كشفت عنه الأيام القليلة الماضية من حقائق صراعية انبثقت من رحم الميدان تفرض قراءة متأنية وعميقة للوقائع المتصلة بها وتفصيلاتها ومندرجاتها على كامل المساحة المشتعلة بنيران المشاريع الأجنبية المزدحمة والمتراكمة منذ عقود طويلة، والتي كانت تهدف إلى تحقيق اختراقات عميقة تصيب قلب مجتمعنا بالتشظي والانقسام والاندثار والموت البطيء…

ليس بسيطاً ما يحدث الآن، وليس تفصيلاً ما تمّ تحقيقه في الميدان في الأشهر الأخيرة على مدى الساحة القومية الممتدّة من بلاد ما بين النهرين إلى بلاد الشام، أيّ في منطقة «العالم القديم» المؤسّس لكلّ حداثوية معاصرة بالمعنى الروحي والنفسي والمادي الحقيقي بعيداً عن كلّ مظاهر خادعة «لحداثوية سطحية» مخادعة تبرّجت بكلّ ألوان التآمر ومساحيق التجميل التي حاولت إخفاء الوجه الحقيقي لعالمٍ بائسٍ يحمل هذا الكمّ من المآسي الإنسانية «المسبقة الدفع».

من علامات المرحلة بداية السقوط لمشروع جهنمي غير مسبوق في مضامينه وآلياته، ذي أهداف الغائية بفضل صمود شعبنا في حواضره الممتدّة من العراق إلى الشام إلى لبنان وامتداداً إلى فلسطين… بداية السقوط لها علاماتها المتجسّدة في الإنجازات ذات الطابع الاستراتيجي التي تحققت في محاربة الإرهاب وأدواته ومحاصرة أحلام القوى الإقليمية والدولية التي ترعاه…

ليس قليلاً ما حدث، وما هو في طور الحدوث، ليس قليلاً، نعم… لأنّ ما اكتنفه المشروع المعادي ليس من النوع «العادي» بل حالة غير مسبوقة في الصراعات حول العالم…

الإصرار والتصميم والإيمان وتلاقي القوى المقاومة الحرة مع أحرار هذا العالم، كلّ هذه العناصر والعوامل حققت هذه الإنجازات وأوجدت وقائع جديدة على الأرض أعادت الأمل، أمل الحياة والاستمرار والبقاء والصمود في زمن «التحديات ذات الطابع التاريخي» من دون أي مبالغة في توصيف الواقع…

لقد أثمر صمود الشعب العراقي وقواه الحية في إسقاط دولة داعش في الموصل وأنحاء العراق، وها هي المقاومة العراقية بأطيافها كلها تتهيّأ لمعركة تلعفر للإجهاز الكامل على هذا التنظيم الإرهابي المسخ. وها هي قوى الحشد العراقي تلتصق بالجيش السوري على الحدود العراقية السورية في مشهدية «سوريالية» تؤكد العمق التاريخي لبغداد، والعمق الجغرافي لدمشق، معطوفاً على هذه الإنجازات القياسية كلّها بتحرير حمص، والقسم الأكبر من محافظات درعا وحماة، وتأمين العاصمة دمشق، والسيطرة الكاملة على الساحل السوري وصولاً الى الحدود مع كيليكيا والاسكندرون السليب، مضافاً إلى كلّ هذا التقدّم الميداني في دير الزور والرقة وتدمر وفي أرياف حلب وإدلب، إضافة طبعاً إلى وصول الجيش السوري إلى الحدود مع الأردن من جهة محافظة السويداء.

كلّ هذا ترافق مع إنجازات ميدانية أخرى للجيش اللبناني والمقاومة في جرود عرسال وجرود القاع ورأس بعلبك وما تحقق من انهيار الجيوب الإرهابية التي شكلت تهديداً للأمن والاستقرار في لبنان.

كلّ هذه الإنجازات «مجتمعة»، تؤشر إلى بداية تراجع المشروع المعادي بكلّ امتداداته المحلية والإقليمية والدولية والتي تصل إلى «تل أبيب»، وتؤكد القدرة على الصمود.

الأهمّ من كلّ هذا، أنه وبعد هذا المسار الصراعي الممتدّ لسنوات طوال، ثبتت صدقية النظرة إلى المقاومة بكلّ أطرافها ودورها في حماية بلادنا، وثبت بما لا يقبل الشك وكما قال الرئيس د. بشار الأسد في خطابه الاستراتيجي الأحد الفائت «إنّ المقاومة بالرغم من كلّ الأكلاف إلا أنها تبقى أقلّ كلفة في ما لو انتصر المشروع المعادي بما يعنيه من انحلال وتشظّ وسقوط».

بعد كلّ هذا المسار الطويل من دماء وتضحيات وصمود تبقى الثوابت راسخة في ذهن وعقل ووجدان إنساننا ثوابت «فلسطين» و «الوحدة الوطنية والقومية» و «التكامل الاقتصادي في بلادنا» و «الهوية القومية الجامعة» وحقيقة امتلاكنا قرارنا الحرّ الذي سنربح به مستقبل أجيالنا الآتية…

عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى