نعم شرقاً در…

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

نعم هذا خطاب إعلان شروط الاستسلام ورفع الرايات البيضاء، لمن يريد رفع الراية والاستسلام، وهناك الكثير في المستقبل القريب سيصطفون على أعتاب بوابات دمشق وحلب وكلّ الجغرافيا السورية، ممّن يسمّون أنفسهم بقوى المعارضة، وكذلك دول ستتقاطر على أعتاب سورية، من أجل إعادة العلاقات معها، طمعاً بأن تكون لها حصة في الإعمار، وطبعاً باب التوبة مفتوح للعودة الى سورية، لمن خانوا او غدروا بسورية، ولكن كما في الدين هناك ثواب وعقاب وحساب، فلا يعقل بأنّ من كان جزءاً من المؤامرة على بلده، وبسببه دفعت ثمناً باهظاً على كلّ المستويات، سيجري استقباله استقبال الفاتحين، بل عليه ان يعتذر من شعب سورية وجيشها وقيادتها علناً وجهراً، ويعلن انه تاب توبة نصوحة، وهو يستحق العقاب الذي يقرّره الشعب ومؤسّسات الدولة الشرعية.

انتهى زمن الأيام المعدودات، ولم يرحل الرئيس الأسد، ولم يطلب اللجوء السياسي او يختبئ على ظهر سفينة، بل بقي بين شعبه يعايش همومه وآلامه، يزور جيشه في مواقعه المتقدّمة ويقود الطائرة الحربية بنفسه ويدعو الى الصمود والمقاومة والتوحّد من أجل هزيمة المشروع المعادي، وها هو المشروع المعادي ينهزم، ولكن رغم انهزامه فالرئيس الأسد لم يستعجل إعلان النصر، فسورية لم تتعاف جيداً، ولم تسحق ذئاب العدوان وتتشتت في البراري والوديان والمنافي بشكل نهائي، بل هي سائرة الى هذا المصير، إلى مزابل التاريخ، كما يُعلّم التاريخ بالنسبة لمصير الخونة والمأجورين، وتجربة اللحديين في الجنوب اللبناني خير مثال وشاهد على ما ينتظرهم، وكيف عاملتهم أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وأصبحوا يعتاشون على فضلات القمامة.

هم يطيلون أمد الحرب على سورية، فهم مرتعدون من الإنجازات والانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه بشكل سريع ومذهل في جرود عرسال والقلمون وريف حماة والبادية السورية، لأنّ نهاية الحرب تعني بأنّ سورية ستخرج أقوى مما كانت عليه قبل الحرب، وستصبح قوة مقرّرة في الكثير من شؤون المنطقة، وهاجس هذه القوى والدول وهمّها الأول، وجود «إسرائيل» وأمنها، كيف لا يرتعبون؟ وهم يشاهدون أبطال حزب الله يرفعون اليافطات في جرود عرسال، نحن نتدرّب على «النصرة» كمقدمة لمعركة الجليل، والسيد حسن نصرالله توعّدهم بحرب يشارك فيها مئات الآلاف من المقاتلين، وقال لهم بأنّ الزمن الذي كنتم فيه تهدّدون وتنفذون قد ولّى، وأعداء سورية والمقاومة لن تكون أمامهم فرصة لاستغلال الأوضاع الإنسانية، لكي يحققوا ما عجزوا عن تحقيقه في الحرب والعدوان، فالقضايا الإنسانية تستغلّ للتخريب، من قبل غرب غير إنساني.

وكذلك شدّد الرئيس الأسد على قضية محورية ومبدئية، وثابت من ثوابت السياسة السورية بأنّ وحدة الجغرافيا السورية، غير قابلة للمساومة، ومشروع خلق سايكس- بيكو جديد، يقوم على أساس تقسيم وتجزئة وتفتيت وتذرير وتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على تخوم المذاهب والطوائف والثروات، تحطّم على بوابات دمشق وصمودها ولن يكتب له النجاح.

أميركا والغرب الاستعماري ضمن عقليتهم الاستعلائية العنجهية الاستعمارية، يعتقدون بأنّ سورية تستجديهم فتح السفارات مقابل قبول التعاون الأمني معهم، فهم الآن بحاجة سورية، لكي يكون لهم نصيب من الإعمار، ولكي تتعاون معهم أجهزة الأمن السورية في محاربة الجماعات الإرهابية التي وظفوها وموّلوها وسلّحوها لخدمة مصالحهم وأهدافهم في الشام والعراق وليبيا وغيرها من البلدان العربية، وها هو إرهابها يرتدّ عليهم، عبر عمليات إرهابية تطال مدنهم وعواصمهم.

الأسد شدّد على ضرورة التوجه نحو الشرق بالمعنى السياسي، ثقافياً واقتصادياً وحضارياً، فالشرق له كلّ المقوّمات التي تحتاجها سورية، وهو يتعامل معها بندية وليس بفوقية واستعلاء كما هو الغرب المنافق والمخادع. فالشرق عنده قيم وأخلاق ومبادئ، قيم العزة والكرامة والتضحية والنخوة والصداقة الحقيقية، وقال بأنّ التاريخ سيكتب فصولاً عن أصدقاء سورية، دعمهم وأخلاقهم، عن روسيا والرئيس بوتين، عن إيران والسيد خامنئي، وعن حزب الله والسيد نصرالله، أصدقاء سورية الذين دعموها اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، حيث جعلوا التقدّم في الميدان أسرع وأعباء الحرب أقلّ كلفة بشرية وخسارة، وهم الشركاء الحقيقيون والفعليون في النصر، ومقاتلو حزب الله لم يكونوا أقلّ حرصاً من الجيش السوري على كلّ ذرة تراب من تراب الوطن.

المصالحات تجري ويمكن تحقيقها شريطة خروج الجماعات الإرهابية والتكفيرية وعودة سيادة الدولة، ولا إمكانية لإقامة مناطق حظر طيران ومناطق آمنة أميركية وغربية، فالهدف منها توفير غطاء جوي للجماعات الإرهابية، لكي تتوسّع وتتمدّد. صحيح أنّ سورية خسرت خيرة شبابها في هذه الحرب والكثير من بناها التحتية ومؤسساتها الإقتصادية قد دمّرت، ولكن الأصح بأنّ سورية ربحت مجتمعاً أكثر صحة وأكثر تجانساً وهذا التجانس أساس الوحدة الوطنية، ويكفي سورية فخراً بأنها لم تنحن أمام المخططات الغربية المشبوهة، ولم ترتعد فرائص النظام خوفاً من العقوبات والعدوان الأميركي، كما هو حال مشيخات النفط السعودي، حيث مشيخة آل سعود دفعت الجزية لترامب صاغرة، أكثر من 460 مليار دولار لحماية عرشها المتهالك، وكذلك فعلت غيرها من المشيخات النفطية العربية، بل تمرّد على إرادة الأميركي ليكون ثمن المقاومة أقلّ كلفة من ثمن الإستسلام، وأميركا لا تقبل ليس لسورية بالتمرّد عليها ومشاركتها دورها وقرارها في المنطقة والعالم، بل لإيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية، ولذلك فرضت عليها العقوبات، ولكنها فشلت في تركيعها وتطويعها، ولذلك سورية كانت وستبقى في قلب الاستهداف الأميركي والاستعماري الغربي، فمواقف سورية جزء من أسباب العدوان والصراع عليها، ولكن السيطرة على سورية تعني السيطرة على قرار المنطقة.

ولذلك الغرب وأميركيا يعيشون حالة من الهستيريا، كلما شعروا بأنّ هيمنتهم على المنطقة تتراجع، وبأنّ هناك من يشاركهم قرارهم الدولي.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى