«نزيف الرافدين… كابوس داعش»

عبير حمدان

نحتاج إلى الكثير من القوة كي نعمل على تحويل النزيف إلى مادة توثيقية. ورغم قسوة المشهد، لا يمكننا إغفال الواقع، بل إنه من المحتم علينا ـ نحن أهل الإعلام ـ أن نترك للأجيال الآتية إثباتاً دامغاً عن كيفية العمل على تشكيل «الشرق الأوسط الجديد» وفق رؤية من أشعل فتيل الحروب المتنقلة بين البلدان العربية تحت مسمّيات واهية، وعمل على منحها صبغة الدين إمعاناً في التقسيم وتشريع القتل وتعميم ثقافة التكفير والإرهاب.

«نزيف الرافدين… كابوس داعش»، يكفي أن نقرأ هذا العنوان لندرك ما سجّلته عدسة الكاميرا من قصص تختصر معاناة شعب لم يختر هذه الحرب ولم يكُ إلا وقوداً فيها. وكيف لنا ـ نحن الجالسين بهدوء في دفء منازلنا ـ أن نستوعب هول الدمار الذي استهلّت به المخرجة هلا بو صعب الفيلم الوثائقي في مدينة الموصل قبيل إعلان تحريرها بأيام؟ هناك، تصبح الصورة الشاهد الوحيد والموثوق، والمهمة الأصعب تكمن البحث عن ناجين تحت الركام. لكن رصاصات القنص تحول دون إتمام المهمة، وتبقى في البال حكاية الأب الذي فقد عائلته فرداً تلو الآخر حين كان يحاول جاهداً إخراجهم من جحيم مفروض عليهم.

تقول بو صعب: هناك قصص لا يمكن لأيّ عدسة احتواءها، ولكن علينا أن نوثّق الواقع رغم كل ما ينطوي عليه من وجع ومعاناة. في مكان ما نصبح من دون إرادتنا مراسلين حربيين، ونتعايش مع ما نراه قبيل المعركة وبعد انقشاع غبارها، ولكن ليس من السهل أن نقرأ في عيون الأطفال حجم الألم وحكايات الاغتصاب والتعنيف، وصدقيني إذا قلت لك إنه من الصعب عليهم وهم الذين فقدوا فرح طفولتهم أن يتكلموا عن تفاصيل مريرة عاشوها رغماً عنهم. «إسراء» على سبيل المثال لا الحصر لم تتجاوب مع أيّ وسيلة إعلامية وبقيت على صمتها إلى أن دعوتها للّعب، وللحظة أصبحتُ من عمرها، ما كسر حاجز الخوف لديها فتكلّمت معي بلسان الطفلة التي تلهو من رفيقتها.

وتضيف بو صعب: لا شيء قادراً على ترميم نفوس هؤلاء الأطفال، فمن سيعوّض عليهم فقدان الأهل وطفولتهم في آن. في العراق هناك عائلات تشتّتت، والطائفة الأيزيدية عانت الكثير وجميعنا نعلم ماذا حصل في جبل سنجار حيث تم أخذ الفتيات القاصرات سبايا!

بعد «نزيف الرافدين: مقاومة داعش، سبايا داعش وضحايا داعش»، تقدّم المخرجة هالة بو صعب للمتلقّي جزءاً جديداً من «نزيف الرافدين» تحت عنوان «كابوس داعش»، ومعها تصل كاميرا «الميادين» إلى أحد أحياء المدينة القديمة وهناك نمشي مع النازحين والهاربين من القصف ونواكب فريق الإنقاذ الذي كان يحاول تنفيذ عمليات لإنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض رغم إعاقة رصاص القنص مهمّتَه.

مأساة شعب ترويها قصص الهروب المأسوية من عناصر التنظيم، هؤلاء حُكموا بالإعدام موتاً على كلّ موصليٍّ قرّر الهروب.

كان «داعش» كابوساً حقيقياً لأطفال العراق. مجموعة منهم تروي للكاميرا كيف سُرقوا وأُجبروا على الانضمام إلى التنظيم وعوائله. أطفال دون العاشرة اغتُصبوا وبيعوا خدّاماً في أسواق النخاسة «الداعشية». بعضهم نجحوا في الإفلات من قبضة التنظيم الإرهابي، يخبرون كيف هربوا وعادوا إلى أهاليهم.

«الميادين» واكبت عودتهم واللقاء الأول بعد انقطاع دام لسنوات مع الأهل. لحظات إنسانية مؤثّرة، عارية بحقيقتها البشعة، ستشاهدونها في وثائقيّ «كابوس داعش». توثيق حيّ ودامغ لِما حلّ بالشعب العراقيّ الأعزل ممّن قتل بِاسم الدين. أيام سوداء، تركت جراحاً يصعب نسيانها، ستكون حتماً قلق الأيام المقبلة لجيل عاش المأساة بأبشع أشكالها.

هو وثائقيّ واقعيّ يخبر العالم قصة إرهاب يجب أن ينفى ويتبدّد ليتمكن العراقيون وكل شعوب المنطقة التي يتربص بها هذا الإرهاب من العيش بسلام.

«كابوس داعش»، تعرضه «الميادين» مساء الأحد 27 آب 2017 الساعة التاسعة مساء بتوقيت القدس وبغداد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى