المعادلة الرباعيّة تُربِك السياسة الأميركيّة

رنا صادق

المرحلة المقبلة تحمل في طيّاتها عناوين عريضة هامّة على صعيد المنطقة ككلّ، أبرزها المعادلة الألماسيّة الجيش والشعب والمقاومة والجيش السوريّ، التي أشار إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه أول من أمس. هذه المعادلة الجديدة ترسم الخطوط العريضة الأساسيّة لسير القرارات واتخاذها، على المدى البعيد، عسكرياً وسياسياً، فما زُرع من انتصارات ميدانيّة ستُحصد ثماره في السياسة.

هذا الطرح منصفٌ وحقيقيٌ إلى حدّ كبير، فهو مردودٌ لما يجري على أرض الواقع في الميدان، مروراً بالعراق وتوغّل قوّات الحشد في تلّعفر، إلى معارك الجرود التي يخوضها جنود الجيش اللبناني في رأس بعلبك والفاكهة والقاع من الجهة اللبنانية، وجنود الجيش السوريّ ومجاهدو المقاومة في القلمون الغربيّ. مجريات هذه المعارك على الحدود هي مؤشرٌ لظهور قوة إقليميّة سياسيّة محوريّة جامعة جديدة في المنطقة، تحدّد المحور السياسيّ المناسب، وتشكّل دعامة بنيويّة للخريطة الجغرافية لحدودها، ما ينعكس حُكماً على اتّخاذ أيّ قرار سياسي بشأن مستقبلها. وهي بالتالي تشكّل محوراً يتواجه الندّ بالندّ مع السياسة الأميركيّة في الشرق، ويدحر أيّ معادلات دوليّة تعود بالضرر على حدودها وسياستها الإقليمية، الأمر الذي يربك المخطّطات الأميركية ويجعلها تتراجع في المنطقة.

وقد بات جليّاً توتّر القيادة الأميركيّة التي بدأت بالتحرّك بعد معركة جرود عرسال في هذا الصدد، حيث أنّ شغل الأميركيّين وبعض الجهات اللبنانية الآن هو عدم ذكر سيرة المعركة الجارية على الجبهة السورية، فالإدارة الأميركية يزعجها أن تبدو المقاومة في لبنان بمشهد القوي الذي يسحق الجماعات التكفيرية، حيث أنّ السفارة الأميركية هدّدت بعض وسائل الإعلام من مغبّة التعاطف مع حزب الله بعد معركة جرود عرسال، وبعض وسائل الإعلام اللبنانية سقطت أخلاقياً حين تجاهلت تضحيات أبطال قاتلوا «داعش» إلى جانب الجيش، الأمر الذي يدلّ على قلق الإدارة الأميركية، كما لفتَ السيد نصرالله.

بمعنى آخر، هذه المعادلة أربكت الجانب الأميركيّ الدّاعم للإرهاب، الحريص على المصلحة «الإسرائيليّة»، حيث سيستخدم «دومينو» الداخل المتمّثل بالقوى «الآذارية»، من خلال تبنّيها مواقف معادية للمقاومة، وتتذرّع بأسباب بالية وخسيسة بشتّى الطرق لإسقاط محاور هذه المعادلة، عبر كبح ومنع التنسيق الشرعيّ بين الجيش اللبناني والمقاومة من جهة، والجيش السوري من جهةٍ أخرى، وذلك باعتبار أنّ الجيش قادر على إنهاء أيّة معركة من دون الحاجة إلى مساعٍ خارجيّة، مع العلم أنّه صار واضحاً وجوب التنسيق الميدانيّ الكثيف من جهة القلمون الغربيّ وجرود القاع ورأس بعلبك، وقد برهنت الأيام الأخيرة الماضية النتائج المثمرة لهذا التنسيق في تأمين الحدود اللبنانية السوريّة، الذي يُعتبر إنجازاً كبيراً جداً. إلى ذلك، ستحاول الولايات المتحدة استغلال الظروف المؤاتية، وتسعى لتخريب المعادلة باعتبارها تصبّ في «الخدمة السوريّة» وتؤيّدها، لإعطاء دور جديد فاعل للسياسة الأميركية في لبنان، مع العلم أنّ التعاون بين الدولتَين يصبّ في مصلحة لبنان أولاً والمحور الإقليمي ثانياً. فهذه المعادلة هي رسالة واضحة وصريحة من السيد نصرالله للسياسة الأميركية ومؤيّديها في الداخل، في أنّ أيّ قرار يخصّ المنطقة مستقبلاً سيحمل اعتباراتٍ عدّة.

أميركا تعتبر عنصرَيْ المعادلة الأبرز عدوّين، بالتالي رفضها لهذه المعادلة قاطعٌ، كما أنّ قلقها على سير مصالحها ومخطّطها التقسيمي في المنطقة واستياءها من المعادلة، سيقابلهما التزام عينيّ للقوى التابعة لمنظومتها في الداخل.

عمليّاً، هناك خطّان يعملان في نفس الوقت هما الميدان والتفاوض، إذ إنّ غرض التفاوض هو تحقيق الهدف بأن لا يبقى «داعش» في الجرود اللبنانيّة والسوريّة وكشف مصير الجنود اللبنانيّين المخطوفين، وبالتالي موافقة الدولة السوريّة على الاتفاق أساسيّة، وشرط ذلك أن يأتي بطلب رسميّ لبنانيّ علنيّ، كما أعلن السيد نصرالله، ما يعني أنّ الكرة في ملعب الجهات اللبنانيّة في تحديد مجرى المفاوضات، من دون الوقوع في الفخّ الأميركي. إنّ الزمن الأول تحوّل وطوي، وما جرى في خلال المفاوضات مع «النصرة» مسبقاً لن يطبّق على «داعش» إلّا بطلب رسمي وقرار سياسيّ لبنانيّ علنيّ موجّه إلى الحكومة السوريّة، لإتمام عملية التفاوض.

أمّا المراوغة بالوقت فلا تصبّ في المصلحة الوطنية، حيث أنّ الهدف الأساسي من المفاوضات هو استرجاع الأسرى العسكريّين. كما أنّ استراتيجيّة بعض القوى السياسيّة الآذاريّة لم تعد مسموحة إزاء امتصاص موارد سورية البشرية والمؤسّساتية والطبيعية تارةً، واعتبار سورية عدوّاً تارة أخرى، فاليوم السبيل الوحيد للعلاقات اللبنانيّة السوريّة هو الاتفاقيّات الرسميّة والعلاقات العلنيّة بين الحكومتين. يكون لبنان بذلك يعلن انسجامه مع الاتجاه الدوليّ العام، حيث أنّ معظم دول العالم تضع كافّة أجهزتها قيد التحضير من أجل توظيفها في مشاريع إعادة إعمار سورية.

إذن، يمكن القول إنّ معادلة «الجيشين والشعب والمقاومة» هي عنوان المرحلة، وأيّ سياق خارج أهداف هذه المعادلة لا يصبّ في المصلحة الوطنيّة، في حين أنّ تعاظم دور التنسيق السوريّ اللبنانيّ يجعل الجانب الأميركي قلقاً على مخطّطاته السياسية. بالتالي، إنّ مقتضيات السلامة والأمن فرضت واقعاً جديداً، وبلورت المعادلة الرباعيّة أكثر فأكثر، مع العلم أنّ جذورها تعود إلى بدايات الحرب على سورية، لكنّ الإنجاز الميداني ضدّ عدو مشترك على حدود الدولتين لأهداف واحدة، اقتضى الإعلان الصريح عن هذه المعادلة الآن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى