المخرج المسرحيّ مأمون الخطيب: متنفّس الإبداع واسعٌ في التعبير عن الإنسانية القيّمة
حاورته رنا صادق
ظروف قاسية مرّت على المسرح السوري خلال فترة بداياته. المخرج المسرحي مأمون الخطيب، موسوعة في الإخراج المسرحي، فنان في الأداء، نقل إنسانيته في أعماله. مبدع الفكر والرؤية بأوجه مختلفة. وشاء أن يضفي الحسّ الوطني العارم بصدق الأروح والعقل خلال إخراج أعماله المسرحية.
بداياته كانت وسط زحمة نجاح الدراما السورية وتفوّقها على المسرح حينذاك، لكنه قدر أن يكسب مركزاً لامعاً في الوسط المسرحي من خلال إثبات موهبته. تخرّج من جامعة الثقافة البيلاروسية ـ قسم الإخراج المسرحي. وفوراً بعد عودته إلى سورية عام 1994، التحق بالمسرح القومي كمخرج مساعد في مسرحية للأطفال كتجربة أولى. ثمّ توالت أعماله المسرحية المستمرّة حتى الآن.
عمل الخطيب في مجال تدريس التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، كما ترأس قسم التمثيل ما بين عامَي 2011 و2012.
العمل المسرحي الجيد باعتقاد الخطيب يفرض نفسه على الجمهور. ويرى أن سمات العمل الناجح تكمن في الفكرة المهمة التي تمسّ الجمهور وتتحدّث عنه وعن آلامه وأوجاعه، في زمن الحرب خصوصاً. فالمسرح هو مرآة المجتمع ومرآة الروح لمن يعمل به، ثم يأتي بعدئذٍ تطبيق الفكرة بعناية ودقة مع أشخاص يؤمنون بهذه الفكرة وكيفية بلورتها بكادر شيّق جميل قريب من الجمهور، حتى يتفاعل الأخير مع الفكرة المجسّدة.
إن عوامل المسرح من سينوغرافيا، إضاءة، ممثلين، تقنيين، إدارة وعمال كلّها فب خجمة تجسيد الفكرة بأحسن الطرق وأفضلها، والأهم في تقديم الفكرة الفنية هو التركيز على الجدّية في التعاطي مع فنّ المسرح والعمل مع أناس يعرفون تماماٍ قيمة المسرح.
وعن سؤاله عن مدى مساحة الإبداع في هذا اللون المسرحي الذي يقوم على تسليط الضوء على الواقع السورية في ظل الحرب، قال : مساحة الإبداع منفسها واسع في هذا الشقّ، أي أن تكون كبيرة كون الحرب مصدر مهم للأفكار الانسانية لما تحمله من مضامين الألم والفقد والخسارة مهما كان النصر كبيراً .. هناك أزمات تخلق مع الحرب .. و نحن نحاول الإضاءة عليها وخاصةً في جوانبها الانسانية .. ربما نجد بعض الصعوبات في آلية تنفيذ العمل .. ولكم مجرد العمل في أقسى الظروف هو نوع من مقاومة البشاعة التي تخلقها الحرب .. حاولت ترجمة ذلك في أعمالي من خلال نقل مدى الظلم في الحرب « برايي» من خلال نقل حالات انسانية معينه سببتها الحرب من أزمات اخلاقية وربما أنواع من الفقدان البشري الذي ابتلي به البشر .
لا يمكن لأي مخرج تقييم الحركة المسرحية خلال الحرب إلا من خلال مدى عمق وأهمية وجدية الموضوع المطروح. المسرحيون السوريون قبل الحرب كانوا في طريق البناء لنوع ما من المسرح السوري الجديد عن طريق آلية تفكير جديدة وخصوصاً بعد نجاح الدراما السورية و محاولة زجّ الشباب المتعلم، الذي يملك سمعة و شهرة تلفزيونية الى المسرح، لكن خلال الأزمة السورية هناك من ابتعد عن هذا الاتجاه العام الذي كان سائداً حينها. و هناك من حاول العمل بالإمكانيات الموجوده، وربما هناك من استغل ابتعاد بعض المسرحيين ليكرّس نوع من الكم الغير جيد لفن المسرح . كما أن الحرب أثّرت على جميع الفنون كونها باتت «فنون لأزمة».
هذه الفنون تحاول إمّا الإغراق في المباشرة أو محاولة شرح ما يحدث بطريقة ما، بانتاجٍ ما، بكادرٍ معين، او أخذت منحى لاتباع وجهة نظر معينة تبتعد عن روح الإبداع والانسانية في الطرح .
الفكر والمسرح لا حدود لهما طالما يوجد هناك أفكار وطروحات للتحدث عنها، أما المعايير فهي مختلفة من حين إلى آخر، ومن أداء لآخر. فالمسرح يلزمه أناس يؤمنون به و بأهميته، دولة تعي تلك الأهمية كون المسرح فنّ مدنيّ يساهم في ارتقاء الفكر الانساني، فالمسرح فنّ عالمي .. مؤثر في العقل والروح، وهنا تكمن حدوده وماهيته الفكرية الضرووية لبناء المجتمع والتعبير عنه.
يقع على عاتق المخرج الناجح مسؤوليات جمّة، أهمها تأمين الوصول إلى عمق فكري المسرحي ورسالته المجتمعية الانسانية، والإيمان بالمسرح كفنّ خالد للتعبير عنه، عبر علاقته الوطيده به ومحاولة إرساء دعائمه دائماً واللجوء إليه وليس الهرب منه، كما يقع على عاثقه مسؤولية تشجيع كل من حوله للعمل في هذا الفن الراقي وتحسينه.
عمل ضمن ظروف صعبة في فترة شهدت فيها الدراما التلفزونية تواجداً كثيفاً واقبالاً واسعاً على عكس المسرح السوري، حيث تمكّن من إبراز موهبته واثباتها من خلال محاولته العمل على ما يؤمن به في فن المسرح، واستطاع تقديم مع الناس الذي يؤمنون برسالة المسرح قدر الإمكان .. كل السوريين يعملون في ظررف صعبة. و هذه ضريبة الحرب على حدّ قوله لـ»البناء».
يعبّر الخطيب دائماً أن موقفه من الحرب السورية في أعماله ليس انفعالاً إنما موقف انساني، فهو يرى أن الناس دائما تحتاج إلى المواقف التي تدعم الانسانية. فكل منا يرى المسرح من وجهة نظره الخاصة .. و لكن الأعمال الخالدة الفنية على اختلافها تبقى انسانيتها بالدرجة الأولى، التي عمل عليها كبار المؤلفين والمخرجين المسرحيين العالميين إلى العرب، ودائماَ نجد أن المحرّك الأساسي في الفن عو ما يختلج الانسانية. كما يشير الخطيب أن طالما الأعمال تتوجه إلى المجتمع وقضاياه فلابد من كونها إما تدافع، تناجي، أو تعبّر عن الإنسان بكونه أهم مخلوقات الأرض.
«هدنة» مسرحية حصدت إعجاب كبير في الوسط، وكانت نتيجة تعاون مثمر مع الكاتب السوري عدنان الأزروني. سرّها الكبير هو الحب في زمن الحرب، وقدرة الحرب على كسر الحلم عند الشباب السوري الذي تورّط في الحرب بدل أن يبني المستقبل. فكرة المسرحية تقوم على أن الحرب تقتل الحلم لكن نحن الشعب السوري مجبّر رغم الظروف القاسية الدفاع عن وطنه.
«المسرح خطّ أول للمواجهة»، أكثر عبارات الخطيب شهرةً، ويقول
لـ«البناء» إنه من الطبيعي أن يكون المسرح خطّاً أوّل للمواجهة، وهذا معروف في جميع البلدان التي تتعرّض للحرب. إذ ثمة أفكار وقِيم وأنواع سلوك تنتشر خلال الحرب.
ويقول في هذا الصدد: نحن مدعوّون إلى الكشف عن هذه القيم ومعايير السلوك البشري، الدفاع عنها أو مواجهتها. والمسرح مدعوّ إلى الكشف والمكاشفة بكونه مكاناً للبوح بكلّ الظلم الذي تتعرّض له البلاد، من الخارج أو من الداخل. والمسرحيون يقولون ويثبتون ذلك بطريقتهم وبحسب وجهة نظرهم إزاء تلك المواجهة. أما الجهل فهو عدوّ الشعوب، ويقوم المسرح كأداة تنويرية بالإضاءة ولفت النظر، لا بل محاربة هذا الجهل من خلال رسالته وتفاعله مع الجمهور. المسرح، الفن والثقافة بشكل عام، أسلحة مهمة في أيّ مواجهة، خصوصاً في مواجهة الجهل والتطرّف والتخلّف.
«زيتون»، عمل مسرحيّ من نصّ المخرج السينمائي طارق مصطفى عدوان، وهو محاولة لاستكمال فكرة العمل على أزمة الإنسان السوري في الحرب، بالتعاون مع كتّاب سوريين. ببساطة فكرتها تعكس واقعاً، في التخلّي عمّا يملك الإنسان وبيعه. أما الوطن بمعناه التجريدي العام، فهو ملك الجميع، لا يملك أحداً الحقّ في بيعه. هذه التجربة كانت عبارة عن محاولة للتقرّب بشكل ما من طبيعة أخلاق البشر خلال الحرب، وتغيّر تفكيرهم، لا بل مدى الوصولية التي تنتج عن الحرب في بعض المفاصل الحياتية رغم ادّعاءات الانتماء. وفي المقابل، ثمّة من لا يزال يملك الحسّ الوطني أي الصراع بين وجهتَي نظر في الحرب.
سورية هي الوطن والموطن والأرض، هي حقيقة والوجود وصدق الحضارة بالنسبة إلى الخطيب. ويعتبر أنه مهما حدث، يبقى الفن كما المسرح والثقافة أسلحة جيدة للفكر. لذا، يجب استعمالها بكل حذر، وضمير ومسؤولية.
ترجم صمود أمهات الشهداء في مسرحية «نبض» عن طريق القدرة الهائلة على تحمّل هذا الوجع اللاإنساني، والتركيز على معاناة الأمّ لأنها أكثر الخاسرين في الحروب، وتستحقّ تسليط الضوء على معاناتها في ظلّ أنها الضحية الأكبر.
وأخيراً، يعمل الخطيب الآن في التدريس، ويحاول إيجاد نصّ مسرحيّ جديد يستطيع من خلاله البوح وقول ما يصف حالة جديدة، كما يعمل على بعض المشاريع التي تتعلّق بمهرجانات السينما في سورية.