جمعية مصارف لبنان في تقريرها السنوي: الوضع النقدي مُحصّن بفضل السيولة المرتفعة لدى القطاع
أعلنت جمعية مصارف لبنان في تقريرها السنوي عن العام 2016، أنّ «التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة على صعيد الوضع النقدي، قد يكون عودة منحى التباطؤ في تدفّق الودائع الوافدة إلى المستويات التي كانت سائدة عام 2015 وفي النصف الأول من العام 2016 أو ربّما أقلّ ، وهي أدنى من حاجات لبنان التمويلية على المدى المتوسّط».
وعزت ذلك إلى «وجود أو بقاء سلسلة من العوامل التي تضغط في هذا الاتّجاه وفي ارتفاع تكلفة التمويل، منها: اشتداد التنافس بين الأسواق الإقليمية على اجتذاب الرساميل، تراجع أوضاع/مستويات السيولة في الدول الخليجية وتأثيرها على الاستثمارات المقبلة منها إلى لبنان، ارتفاع الفائدة على الدولار وتوقّع ارتفاعها أكثر في العام 2017، الأثر الانكماشي لتباطؤ النمو الاقتصادي في الدول الخليجية وفي دول أخرى مُصدّرة للنفط يعمل فيها اللبنانيون على حجم التحويلات إلى لبنان وذلك بعد التراجع الكبير لأسعار النفط، استمرار الاضطرابات الإقليمية، التقصير في الأداء الحكومي في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في البلد، ناهيك عن عدم المضي في الإصلاحات الضرورية على صعيد المالية العامّة، وجميعها عوامل تؤدّي إلى تراجع رغبة المستثمرين في التعرّض لمخاطر لبنان. يُضاف إلى ذلك أنّ احتمال بقاء أو تجديد الودائع الجديدة التي تدفّقت إلى لبنان في إطار الهندسة الأخيرة ليس مؤكّداً، على الأقلّ جزئياً».
وأكدت أنّ «الوضع النقدي يبقى محصّناً على نحو كبير بفضل السيولة المرتفعة التي يتمتّع بها الجهاز المصرفي والتي ينبغي المحافظة عليها كأحد أبرز عوامل المناعة وكإشارة على الالتزام بالاستقرار المالي الكلّي».
وأضافت «أنّ قاعدة الودائع التي تشمل ودائع القطاع الخاص المقيم وغير المقيم وودائع بعض مؤسّسات القطاع العام، وصلت في نهاية العام 2016 إلى 166,4 مليار دولار في مقابل 154,95 مليار دولار في نهاية العام 2015. وبذلك، تكون الودائع قد ازدادت بنسبة 7,4 في المئة في العام 2016 في مقابل زيادة أدنى مقدارها 5 في المئة في العام 2015. ويُعزى هذا التحسّن خصوصا إلى نجاح المصارف في اجتذاب ودائع جديدة من الخارج في إطار الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان».
وأشارت إلى أنه «في نهاية كانون الأول 2016، بلغت حصة ودائع القطاع الخاص المقيم 77,2 في المئة من إجمالي الودائع، وحصة القطاع الخاص غير المقيم 20,4 في المئة، وتلك العائدة للقطاع العام 2,4 في المئة. مع الإشارة إلى أن الودائع تتضمّن شهادات الإيداع التي تُصدرها المصارف، والتي بلغت قيمتها 500 مليون دولار في نهاية العام 2016 شأنها في نهاية العام 2015. وتتميّز الودائع المصرفية بكون غالبيتها حسابات ادّخار أكثر من 80 في المئة وقصيرة الأجل أقلّ من 90 يوماً . ومرّة أخرى، نجم نمو مجموع الودائع في العام 2016 بوجه خاص عن زيادة ودائع المقيمين والتي استأثرت بنحو 76,6 في المئة منه شأنها في العام 2015. وتوزّعت الودائع الإجمالية بين 35,7 في المئة بالليرة اللبنانية و64,3 في المئة بالعملات الأجنبية في نهاية العام 2016 36,5 في المئة و63,5 في المئة تباعاً في نهاية العام 2015 . وارتفعت قليلاً نسبة دولرة ودائع القطاع الخاص إلى 65,8 في المئة في نهاية العام 2016 مقابل 64,9 في المئة في نهاية العام 2015».
وتابعت: «تتركّز الودائع المصرفية في مدينة بيروت وضواحيها، إذ استقطبت هذه المنطقة نحو 69,4 في المئة من الودائع الإجمالية في نهاية العام 2016 موزّعة على 48,0 في المئة من العدد الإجمالي للمودعين، في حين تعود نسبة 30,6 في المئة من الودائع إلى المناطق الأخرى وتتوزّع على 52,0 في المئة من مجموع المودعين، ما يدلّ على اختلاف متوسط الوديعة بين بيروت وضواحيها والمناطق الأخرى».
وفي موازاة استقرار معدلات الفائدة على سندات الخزينة في العام 2016 شأنها في العام 2015، بقي متوسط الفائدة على الودائع الجديدة أو المجدّدة بالليرة شبه مستقر،ّ إذ بلغ 5,56 في المئة في العام 2016 و5,58 في المئة في العام 2015، فيما ارتفع متوسط الفائدة الدائنة على الدولار إلى 3,34 في المئة مقابل 3,16 في المئة في التاريخَيْن المذكورَيْن على التوالي، وقد يكون ذلك ناتجاً جزئياً من ارتفاع معدّل الفائدة على الدولار خارجياً: فقد رفع الاحتياط الفيدرالي معدلات الفائدة المرجعية لديه بواقع ربع نقطة مئوية في كانون الأول 2015 وأعاد رفعها مرة أخرى بالمقدار ذاته في كانون الأول 2016، إضافة إلى مفاعيل الهندسة المالية الأخيرة التي شجّعت على استقطاب الودائع بالدولار الأميركي وتركت أثراً على السيولة بالعملات الأجنبية.
الأموال الخاصة
وأوردت الجمعية في التقرير أنّ للرساميل أهمّية في الحماية من المخاطر المختلفة التي يتعرّض لها المصرف وفي زيادة الثقة باستمراريته، كما في حماية الزبائن والموظفين والمساهمين والاقتصاد بشكل عام. وتمنح الرساميل المزيد من عناصر القوّة والمرونة في تنفيذ التوسّع الداخلي والخارجي على صعيدَيْ الانتشار والأعمال. ويتوجّب على المصارف توسيع قاعدة رساميلها، التي تكوّنت من الرساميل الجديدة التي جذبتها المصارف من المستثمرين في لبنان والخارج من طريق إصدار الأسهم العادية والتفضيلية المصنّفة ضمن الأموال الخاصة الأساسيّة، كما من خلال إعادة ضخّ المصارف معظم أرباحها ضمن رساميلها من أجل توسيع قاعدة هذه الرساميل. بيد أنّ تصاعد مخاطر البلد يستدعي دوماً زيادة حجم الرساميل، ولو على حساب توزيع الأرباح، ما يعزّز الملاءة وسيولة الأسهم المتداولة والشفافية ومتانة المركز المالي للمصرف والقطاع ككلّ. ويتمّ ذلك بإشراف مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف .
الودائع لدى مصرف لبنان
وتابعت أنّ موجودات المصارف التجارية لدى مصرف لبنان تابعت ارتفاعها في العام 2016 لتصل قيمتها إلى 134612 مليار ليرة في نهاية العام المذكور مقابل 106329 ملياراً في نهاية العام 2015. فتكون بذلك قد ارتفعت بمقدار 28284 مليار ليرة وبنسبة 26,6 في المئة مقابل زيادةٍ تبلغ قيمتها 10621 مليار ليرة ونسبتها 11,1 في المئة في العام 2015. وارتفعت حصّتها من التوظيفات المصرفية الاجمالية إلى 43,7 في المئة المستوى الأعلى لها تاريخياً في نهاية العام 2016 مقابل 37,9 في المئة في نهاية العام 2015. ويُعزى الارتفاع الملحوظ في العام 2016 بشكل خاص إلى الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان والتي قضت باكتتاب المصارف بشهادات إيداع بالدولار لدى مصرف لبنان، إضافة إلى أن المصارف أودعت لديه فائض السيولة الناتجة عن حسم سندات الخزينة بالليرة. ونتج الإرتفاع الكبير لهذه التوظيفات في العامَيْن السابقَيْن عن الفائض في موارد المصارف التي لم توظّف في الإقتصاد- مع حصول تباطؤ في حركة التسليف للقطاع الخاص وتراجع أو زيادة طفيفة في التسليفات للقطاع العام- وعن إعادة توزيع المحافظ لا سيّما الودائع لدى المصارف المراسلة، هذا بالإضافة إلى تكوين الاحتياط الإلزامي بالليرة والودائع الإلزامية بالعملات الأجنبية. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ تمتين القاعدة الرأسمالية للمصارف كان أحد أهداف العمليات المالية التي نفّذها مصرف لبنان لكي تلتزم هذه الأخيرة بالمعايير الدولية الجديدة وتستمرّ بالتالي في تمويل الإقتصاد وفي دعم احتياطات مصرف لبنان. لذلك، طلب مصرف لبنان من المصارف تخصيص الفائض الناتج عن هذه العمليات في الشريحة الثانية من رأس المال Tier II Capital ما يمكّن المصارف من استعماله، بين أمور عدّة، في تأمين الإلتزام بالمعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 IFRS 9 في بداية العام 2018 وفي بلوغ معدّلات الملاءة التي يطلبها مصرف لبنان .
ولفتت إلى أنّ نسبة الديون المشكوك بتحصيلها إلى إجمالي التسليفات ازدادت على نحو طفيف إلى 3,68 في المئة في نهاية العام 2016 مقابل 3,64 في المئة في نهاية العام 2015، وهي نسبة مقبولة مقارنة مع المتوسّطات الإقليمية 3,3 في المئة ومتدنّية بالمقارنة مع تلك المسجّلة في الأسواق الناشئة 7,2 في المئة ، في حين تراجعت المؤونات المكوّنة لتغطية الديون المشكوك بتحصيلها قليلاً إلى 66,2 في المئة مقابل 68,8 في المئة في نهاية العامَيْن المذكورَيْن على التوالي. وارتفعت من جهة أخرى درجة تعرّض المصارف للمخاطر السيادية في العام 2016، بحيث وصلت حصّة تسليفات المصارف للقطاع العام وودائعها لدى مصرف لبنان إلى 60,7 في المئة من إجمالي التوظيفات في نهاية العام المذكور مقابل 58,2 في المئة في نهاية العام 2015 .