المؤامرة الأميركية تترنّح بعد التحرير الثاني

رنا صادق

قاسٍ كان وقع النصر الذي حقّقه الجيش اللبناني في معركة «فجر الجرود»، والجيش السوري والمقاومة في معركة «إنْ عُدتم عُدنا» بخطى متوازية، على بعض قوى الداخل التي تتخبّط في ما بينها منذ إعلان الانتصار، خصوصاً الجهات التي تاجرت وباعت وقدّمت الجنود العسكريّين قرابين لـ«الداوعش» في آب 2014. أمّا ارتباك المخطّط الصهيوني الأميركي، فقد كان واضحاً منذ بداية معركة جرود عرسال، بعد تمدّد المقاومة والجيش السوري الميداني على الحدود، من خلال تصريحات البعض في الداخل. الطرح الأهمّ هنا، هو كيف ستواجه المنظومة الأميركيّة التوسّع العسكريّ المحوريّ في الشرق؟ وما هي المهمّات المقبلة للمقاومة في المرحلة اللاحقة؟

جهد أميركا سيضاعَف على مستويين في المنطقة، بعد العراقيل التي وُضعت أمام مؤامرتها في الشرق، أولاً من خلال إيجاد فرص جديدة لخلق عدوان متطرّف يحمل في طيّاته مشروعها التقسيميّ، ثانياً ستدفع بشتّى الطرق مؤيّدي مشروعها في الداخل لتحارب أيّ قرار يصبّ في المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة السوريّة، خوفاً من انهيار محورها بشكلٍ كامل، بعد أن خسرت رهانها على «داعش».

في العيد الأول للتحرير في 25 أيار 2000، أشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى أنّ «سورية الأسد هي التي حمت المقاومة واحتضنتها وحرستها منذ الانطلاقة الأولى، وعلى كلّ المفاصل الصعبة. مَن يمكن أن ينسى سورية سنة 1982 وهي تقاتل على الأرض اللبنانيّة؟ مَن يمكن أن ينسى الرئيس حافظ الأسد في حرب تموز 1993؟ مَن يمكن أن ينساه في حرب نيسان 1996؟ مَن يمكن أن ينساه صلباً صامداً في دمشق وقد احتشد العالم كلّه في «شرم الشيخ» لإدانه المقاومة ووصفها بالإرهاب وللدفاع عن «إسرائيل»؟».

28 آب 2017، ترجمت المقاومة والقيادة السوريّة جدارتها الاستراتيجيّة في حماية الحدود وصونها، في حين أنّ دمشق تواجه محوراً عالميّاً متآمراً للسيطرة على حدودها، أليسَ من منطق التصوّر العقلاني أنّ القيادة السوريّة اليوم قادرة ليس فقط على المواجهة، بل التغلّب على هذا المحور؟ أوليست صاحبة الفضل في إزاحة شبح الإرهاب عن الحدود اللبنانية بعد قبولها توجّه 670 عنصراً من التنظيم إلى مدينة البوكمال السوريّة في دير الزور، بينهم 331 مدنيّاً و308 مسلّحين؟ مع معرفتها المسبقة الكاملة حول سوء ارتدادات ذلك على مناطقها؟ في الأحوال كافّة، دمشق لم ولا تنتظر ردّ المعروف، فقد كانت دائماً جاهزة لمساندة لبنان في جميع احتياجاته عسكرياً واقتصادياً وإنمائيّاً.

اليوم، لم يبقَ «داعشيّ» وتكفيريّ في تلّة أو جبل أو حبّة تراب لبنانية، وقد جرى تحرير كامل الأراضي اللبنانية وتأمين الحدود مع سورية بفضل القيادة السوريّة وخلفها المقاومة، وبذلك باتا يشكّلان أكبر تهديد إقليمي للمشروع الصهيونيّ الأميركيّ الذي تذرّع بقوى 14 آذار أولاً، والمشروع الإرهابي في الشرق ثانياً. هذا المخطّط الأميركي انهار بمحاوره كافّة مع تبدّل المشهدية بتآمرها. فأميركا الثكلى ومَن معها أهل العزاء.

الأمر الذي سيدفع بعض القوى «الآذارية» إلى لملمة أوراقه في المحور خفيةً بأقلّ كلفة ممكنة، وإعادة تصويب زواياه، يندرج ضمن الخطّ التراجعي عن المشروع الأميركي بعد تردّي وضعه إقليميّاً، حيث سيقوم بمناورات احتيال وتهويل كالعادة في الداخل اللبناني لتحقيق مُبتغاه وضمان مصالحه.

«هذا النصر في الجرود هو جزء من الانتصارات الموجودة في المنطقة، والهزائم في الموصل والبادية وجنوب الرقّة باتجاه دير الزور وحلب تركت آثاراً معنويّة كبيرة جداً على عناصر «داعش» التي كانت تقاتل على الحدود اللبنانية السورية»، كما أعلن السيد نصرالله في خطابه الأخير، بذلك جاء هذا النصر تأكيداً على أنّ معارك الجرود تابعة للحرب الدامية وسياسة التفكيك التي تستهدف المحور الإقليمي اللبناني السوري العراقي في الشرق. الأمر الذي أضعف وقسّم وشتّت التنظيم عسكرياً ومعنوياً، ويمكن قراءة أنّ بداية نهاية «داعش» وجوديّاً اقتربت داخل المحور الإقليمي اللبناني السوري، حيث دخل مرحلة التصفية، في حين سيعمد التنظيم إلى العمل على استراتيجيّات الخلايا الفضائيّة البعيدة له، وذلك لحاجة المشروع الأميركي له حتى اليوم.

قرار تطهير الجرود حُدّد، وذلك بعد أن تغيّرت استراتيجية العمل السياسي في البلاد عن العام 2014، حيث أنّ عهد رئيس الجمهورية الجديد ثبّت بُنية قويّة للقرارات السياسية الوطنيّة، بالتالي الوضع تبدّل، والظروف اختلفت، إنْ كان سياسياً في الداخل، محورياً على الحدود، أو عسكريّاًن بداية النهاية قد بدأ في معارك سورية. حيث تبدّلت فيها المفاهيم وتقلّصت التنظيرات حول المعركة. مع العلم أنّ المقاومة ومعها الجيش السوري لم يغفلا يوماً عن الحدود، بل خطّطا وجهّزا جنودهما لإطلاق المعركة في الظروف الصحيحة. كما أنّ الرخاوة السياسيّة الداخليّة للدولة في تلك الفترة، حالت دون الإقدام على هذا القرار من قِبل قيادة الحزب.

كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس خلال مؤتمر صحافي هي بمثابة استخلاص حقيقي لمفهوم الرئيس الوطني القوي، الداعم لشعبة وجنوده والتي أكّد فيها أنّ الجيش اللبناني تمكّن من محاربة الإرهاب الذي عجزت جيوش العالم عن محاربته، وشدّد على أهمية حماية هذا الانتصار بالتقارب الوطني والانكباب على المشاريع الاقتصادية والإنمائية لمواكبة تطلّعات اللبنانيين وآمالهم.

معركة الجرود إذاً، هي استكمال لمعركة إسقاط المشروع «الإسرائيلي»، ومَن يبكي اليوم على «داعش» في سورية والقلمون والعراق هم «الإسرائيليّون»، وكلّ يوم يثبت أنّ هذه الجماعات التكفيريّة صنعتها الإدارة الأميركية… لذا ابكوا أنتم بصمت على مشروعكم الإرهابي الفاشل، واتركوا النصر لأصحاب الدوافع. وتبقى الآفاق الفعليّة لمبادرات المقاومة والنظام السوري في ضرب مشاريع التقسيم والشرذمة في المنطقة العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى