تحيّة إلى كوباني عين السوريين

علي البقاعي

إسمها باللغة العربية عين العرب ويسسمّونها كوباني بالكردية، وفي كلتا التسميتين هي مدينة سورية وسكانها جزء من الأمة، مثل سائر المكوّنات الدينية والعرقية. الأمة كلها تعتز بصمودهم.

في كوباني وقف أبطال وبطلات يدافعون عن تاريخهم وتراثهم وانتمائهم ومستقبلهم، وعن كل بيت وصخرة وشجرة وجدول مياه فيها، مؤمنين بأنّ ما يقاتلون لأجله وما يدافعون عنه هو حق تاريخي لهم كأكراد سوريين، كونهم جزءاً لا يتجزأ من سورية.

كوباني مدينة سورية تشملها المؤامرة الكونية التي تتغير أساليبها بتغير المعطيات على الأرض، لكنها في مراحلها كافة تشمل سورية الطبيعية كلّها بمدنها وقراها، من دمشق إلى بغداد، ومن بيروت إلى عمان، ومن القدس إلى عرسال وبريتال ومزارع شبعا، فالرمادي والموصل وسائر المدن الصغرى والقرى في أمتنا.

الهجمة «الداعشية» على عين العرب هي جزء من «غزوة المنافقين الكبرى» على أمتنا باسم دين حنيف لا يعرف هؤلاء الغزاة الهمجيين عنه شيئاً، فمعظمهم لم يقرأ سور قرآنه، ومن قرأها لم يفهم معانيها، إذ لا يمكن أن يكونوا من أتباع النبي العربي الذي حمل رسالة الإسلام إلى العالمين، كل العالمين باسم الله «الرحمن الرحيم».

الهجمة على كوباني هي هجمة تركية بوجه «داعشي» وبأموال عربية، وأي مراقب لما يحصل في سورية منذ بدء المؤامرة يعرف أن تركيا هي مصدر الإرهاب الأكبر على سورية لمراجعة ما قاله جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي بدءاً بعمليات التحريض وإيواء الإسطنبوليين وتوريد الأسلحة والذخائر وسيارات الدفع الرباعي إضافة إلى إستقبال المقاتلين القادمين من أنحاء الأرض ونقلهم إلى مواقع القتال وتأمين المستشفيات الميدانية والوسائط الإعلامية وخدمات الهاتف والإنترنت.

تركيا هي المستفيد الأول مما يحصل في سورية، بدءاً بالنفط السوري الذي يباع لتجارها بأسعار شبه مجانية، بعد سرقة المصانع والمعامل والآليات السورية وتدمير ما لم يتمكنوا من سرقته، فأزالوا بذلك أكبر منافس للصناعات التركية في المشرق كلّه.

لمن لا يقرأ التاريخ ولا يعرف التحالفات، فإن تركيا هي التي أعدمت عشرات اللبنانيين والسوريين في السادس من أيار قبل أكثر من قرن من الزمن، وتركيا هي الحليف الأول لـ»إسرائيل» في المنطقة منذ نشوئها، وعلى أرض مطاراتها تربض مئات الطائرات الحربية «الإسرائيلية» لتستخدم ضد سورية، وتركيا هي عضو عامل وفاعل في حلف شمال الأطلسي والقوة العسكرية الثانية بعد الولايات المتحدة، وفيها أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط هي قاعدة أنجرليك القريبة جداً من الحدود السورية، كما يجب ألاّ ننسى أن لتركيا منذ قرون أطماعاً في بعض أراضي سورية والعراق وتقيم السدود على نهر الفرات مصدر الحياة لملايين العراقيين والسوريين، ولتركيا أطماع غير خفية بمخزونات النفط والغاز الهائلة غير المستخرجة في أعماق البحر المتوسط في سورية، وفي باطن الأرض في سورية والعراق.

تركيا و»داعش» وجهان لعملة واحدة، وإلاّ فما السر في أن «داعش» لا تزال تهادن النظام في سلطنة أردوغان رغم كونه نظاماً علمانياً يحكمه حزب إسلامي. لو كانت «داعش» عدوة لتركيا التي يشكل المسلمون السنة فيها الأكثرية المطلقة لأعلنوا الحرب على السلطان أردوغان ولاعتبروه «الكافر» الأول إذ لا يطبق شرعهم «الداعشي» الذي يريدون فرضه على سائر الناس.

سلام وتحية إلى أبناء شعبنا في كوباني وإلى كلّ مقاتل وجريح وشهيد وصامد. تحية إلى كل شاب وشبل وكهل. سلام وتحية إلى كل إمرأة في كوباني امتشقت البندقية إلى جانب زوجها وشقيقها ووالدها وابنها للدفاع عن تراب مدينة، رافضة أن تستسلم لـ»الدواعش»، فوقف الجميع وقفة عز للتاريخ ستذكرها الأجيال القادمة بفخر واعتزاز.

كوباني لم تعد عين العرب. هي الآن عين السوريين، وأبناؤها يرددون مع سعاده:

«قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى