رمادية العبادي تحت المجهر!

مصطفى حكمت العراقي

منذ تسمية حيدر العبادي رئيساً لوزراء العراق في صيف 2014 المترافق حينها مع اجتياح «داعش» لثلثي الأراضي العراقية، انقسم الشارع إلى قسمين، فالكثير ممّن وقفوا معه في بداية تكليفه راهنوا، وبالاعتماد على تاريخ الرجل وشخصيته المُهادنة والتوافقية، أنه سيساهم في تقدّم عجلة البلد والابتعاد عن المناكفات كما أشاع أتباعه ووقفوا لذلك بالضدّ من تيار واسع توقع أن يسير الرجل في ركب واشنطن ويهادنها في كلّ ما تريد وأن يكون خليجي الهوى وسعودي التوجه رغم أنّ المعلن من سياسة حكومته هو الابتعاد عن المحاور والوقوف على التل حتى في ذروة الحروب المشتعلة، حتى أنّ البعض ذهب بعيداً في قول إنّ الرجل يشكل ضرورة ومصلحة أميركية خليجية لرسم عراق تابع في شتى المجالات، فالاقتصاد كبّله بالديون والنفط سيطرت عليه الشركات الأميركية، حتى الطرق الدولية والمنافذ الحدودية مع الأردن والسعودية تمّ فتحها بحضور مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليؤكد حجم التدخل والتمكّن من شتى الملفات التي فقدتها واشنطن بعد خروجها من العراق في 2011.

وبعد أن اجتاز العبادي السنة الثالثة في حكم العراق أصبح رجلاً يراه كثيرون الحصان الأميركي الأسرع في العراق، وقد يصبح حاملاً للواء الوقوف بوجه المحور المُمانع، رغم انّ سياسته المعلنة الابتعاد عن سياسات المحاور، الا انه اصبح صقراً من صقور المحور الأميركي بدليل التقارب الأخير مع الرياض والزيارات المتبادلة والتناغم الكامل بين الرياض والعبادي وحلفائه كالسيد مقتدى الصدر وانبثاق النتائج عن هذه اللقاءات بالتوجه نحو التضييق على الحشد الشعبي وتجاهله في الانتصارات المتحققة وتكريم القيادات العسكرية العراقية من دول شاركت في إنشاء داعش كما حصل في تكريم قائد العمليات المشتركة الفريق الركن طالب شغاتي من القيادة الفرنسية، وإرسال التهاني تباعاً من الرياض والبحرين وغيرهما بالتحرير بعد الانفتاح الأخير بعد ان كانت القوات العراقية توصَف بالميليشات الصفوية وتُتهم بالسلب والنهب والانتهاك الانساني في كلّ عملية تحرير قبل هذه الأيام…

أما في إدارة البلد داخلياً فكان العبادي ضعيفاً لدرجة كبيرة إذ اتخذ من اللامركزية الإدارية شعاراً لتبرير ضعفه، فالقرارات الحكومية لا تحترمها المحافظات كما انّ إقليم كردستان يتمدّد مناطقياً في ديالى والموصل وصلاح الدين وسيطر بشكل شبه كامل على كركوك ونفطها ويسير حثيثاً نحو الاستفتاء على إعلان الدولة الكردية رغم الرفض الجماعي داخلياً وخارجياً..

حتى في تحرير الأراضي من داعش فإنّ العبادي نفذ التعليمات الأميركية بحذافيرها، فمن انطلاق معركة الموصل من قبل وقتها لمجرد تحقيق إنجاز يحسب للحزب الديمقراطي الأميركي في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة تمهيداً لوصول هيلاري كلينتون إلى السلطة حينها وصولاً لتأخير معركة تحرير قضاء الحويجة منذ سنتين وحتى الآن لمسايرة رغبات مسعود البارزاني الذي يرفض مشاركة الحشد في هذه المعركة، وهو ما كشفه قائد ميداني في الحشد لـ«البناء» إذ قال انّ الحشد بإمكانه تحرير الحويجة بسرعة فائقة لأنّ القوات تحيط بالقضاء من جميع الجهات وانّ طرق الإمداد لداعش داخل القضاء جميعها مقطوعة إلا انّ التحرير مرفوض اميركياً في هذا التوقيت، لذلك وجّه العبادي بتأجيل التحرير…

مصادر مطلعة كشفت لـ«البناء» انّ ما يجري الآن من حراك سياسي للوصول لقانون انتخابات جديد وتشكيل مفوضية انتخابات جديدة يسير ضمن مخطط معدّ له مسبقاً يؤدّي لتأجيل الانتخابات البرلمانية المفترض وقوعها في نيسان من العام المقبل لسنتين كحدّ أدنى والإتيان بحكومة طوارئ يديرها العبادي لأنّ مراكز الأبحاث الأميركية قدّمت تقريرها الأخير لإدارة ترامب قبل أيام وكشفت انّ إجراء الانتخابات في موعدها المقرّر ومع الانتصارات المتتالية ستؤدّي لنشوء كتلة برلمانية كبيرة تقف مع الحشد ومع المحور الإيراني الممانع، ما سينتج رئيس وزراء من الحشد، وبذلك سيكون العراق حكومياً وشعبياً خارج من العباءة الأميركية بلا رجعة، وهذا ما حذرت منه صحف ومراكز أبحاث أميركية بالقول انّ العبادي بالقانون او الانتخابات او حكومة الطوارئ ومن دونه نذهب للمجهول في خلاصتهم للتوصيات التي قدّمت لترامب…

في المحصلة فإنّ القادم على العراق قد يكون أقسى فإما القبول بحكومة على الطريقة الخليجية تقدّم الجزية لترامب مقابل أمنها وتنفذ ما يطلب منها حتى انْ كان مخالفاً لرغبات شعبها، أو أن يتمسك الشعب بالثنائية الذهبية المتكوّنة من الجيش الوطني القوي والحشد الشعبي المقاوم وإنتاج حكومة ذات سيادة فعلية تسير بتحالفاتها وتفاهماتها مع حلفاء قدّموا الدماء والسلاح في الوقت الذي تقاعست واشنطن ومن معها عن تقديم شيء إلا بإنتاج حكومة جديدة صادق على أسمائها السفير الأميركي حينها قبل ان تعطى لها الشرعية برلمانياً، ومن هنا نعرف أبعاد المشروع جيداً فمع واشنطن ذليلاً تابعاً او ضدّها عزيزاً منتصراً والخيار للشعب وحينها يأخذ الجميع نصيبه بالطريقة التي يريدها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى