تويني لـ«البناء»: مكافحة الفساد وزارة الأوادم وهي الأكثر شعبية… وتحظى بدعم معنوي سياسي واجتماعي وإعلامي
حاوره: رمزي عبد الخالق ومحمد حمية
ليست مكافحة الفساد في لبنان بالأمر اليسير، بل هي مهمة تكاد تكون مستحيلة بعد مرحلة طويلة ساد فيها نهج من السياسات التي سُمّيت «إنمائية وإعمارية»، فيما لم يكن إنماء ولا إعمار إلا في إطار معروف ومنتقى، لزوم خدمة مشروع بعينه، والدليل أنّ لبنان اليوم بأمسّ الحاجة إلى الإنماء الحقيقي في كلّ المناطق والقطاعات.
وقد أدّت تلك السياسات في معظم جوانبها إلى شكل من أشكال تشريع الفساد، حيث كان يُقال مثلاً: «لا بأس إذا استفاد فلان أو علتان من هذا المشروع أو من ذاك… المهمّ أنّ الشغل ماشي».
الفساد إذن هو مرض مزمن في لبنان، بدأ منذ تأسيس «دولة لبنان الكبير» وكانت أعراضه تظهر باستمرار ولو بخجل أحياناً، لا سيما بعد إنشاء المؤسسات الرقابية التفتيش المركزي، مجلس الخدمة المدنية، المجلس التأديبي، ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة… ، ولكن بعد انتهاء الحرب الداخلية عام 1990، ثم بدء مرحلة السلم الأهلي التي سمحت بإطلاق العجلة الاقتصادية من جديد، أخذ الفساد يستشري بقوة في مؤسسات الدولة، ولم تستطع العهود السابقة إلا في ما ندر أن تدقّ أبوابه، ولم تتمكّن الحكومات المتعاقبة من الولوج إلى مواقعه، ولم يتجرّأ القضاء أن يفتح دفاتره ويحاسب أركانه.
أما اليوم، ومع بزوغ فجر العهد الجديد وانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة سعد الحريري، أصرّ الرئيس عون على إنشاء وزارة لمكافحة الفساد، فأسندت هذه المسؤولية إلى الحاج نقولا تويني الذي ينطبق عليه القول الشهير: «الرجل المناسب في المكان المناسب»…
ومع الوزير تويني كان لـ «البناء» حوار طاول مختلف الشؤون والشجون الراهنة، والبداية طبعاً من الانتصارات التي حققها الجيش اللبناني ومعه المقاومة والجيش السوري، والتي أدّت إلى إنهاء وجود الإرهابيين على جانبي الجدود اللبنانية ـ السورية.
وفي ما يلي وقائع الحوار:
في أجواء الانتصار الذي يعيشه لبنان استهلّ الوزير تويني حديثه بتوجيه «التحية الى أهالي العسكريين الشهداء الذين استشهدوا منذ بداية تواجد الإرهابيين في الجرود حتى اليوم، وإلى جميع شهداء لبنان وشهداء المقاومة الذي استشهدوا دفاعاً عن الوطن، كما وجه تحية إلى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة العماد ميشال عون، وإلى قائد الجيش وأركان القيادة والضباط والرتباء والجنود على اتخاذ وتنفيذ القرار السليم بمجابهة الإرهاب وتحرير الأرض والإرادة الوطنية، وفقء تلك الدملة الكبيرة التي كانت تشوّه جسم الشعب والدولة.
أما عن الأسباب التي أدّت إلى ذلك الوضع الشاذّ أشار تويني إلى أنّ ملف العسكريين الشهداء الذين كانوا مخطوفين بات بيد رئيس الجمهورية وقيادة الجيش، والدولة يجب أن تحقق وتظهر الحقيقة، وهذا المطلب ليس فقط مطلب أهالي الشهداء بل هو مطلب وطني عام من أجل كشف حقيقة خطف الجنود ونقلهم إلى الجرود، ومحاسبة من يجب أن يُحاسَب…» داعياً الى أن لا يترك هذا الموضوع مبهماً كما تركت الكثير من ملفات الحرب الأهلية اللبنانية حيث لا تفسير واضحاً ومشتركاً لما حصل في تلك الحرب، لذلك على الدولة والجهات المختصة توضيح هذا الموضوع بكلّ تفاصيله».
التنسيق بين الجيش والمقاومة
وفي شأن التنسيق مع سورية، اعتبر تويني أنّ «موضوع التنسيق الميداني بين المقاومة والجيش في العمليات العسكرية في الجرود هو أمر بديهي وموجود منذ وقتٍ طويل»، موضحاً أنّ «المقاومة هي مقاومة لبنانية وليست مستوردة، وتمثل اتجاهاً سياسياً ومناطقياً متنوّعاً من الجنوب إلى الشمال ومن بيروت إلى البقاع، وهي موجودة في المجلس النيابي وفي مجلس الوزراء، وموجودة كذلك على الحدود مع فلسطين المحتلة لتحمي الوطن».
أضاف: «أما بشأن اتهام المقاومة بأنها تتبع لمحور إقليمي معيّن، وتعمل لتحقيق أهداف ذلك المحور، نقول بأنّ كلّ الدول الكبرى والقوى الإقليمية موجودة في سورية، هناك روسيا والولايات المتحدة والقوى الإقليمية الفاعلة من تركيا وإيران ودول الخليج، وهناك تداخل دولي في سورية، وبالتالي فإنّ تأثير لبنان ضعيف جداً سواء على الحلّ في سورية أو على مصير النظام السوري، لأنّ القوى الكبرى المتداخلة سياساتها ومصالحها وجيوشها أكبر من جميع القوى السياسية في لبنان وأكبر حتى من بعض القوى الإقليمية الفاعلة».
وتابع تويني: «الوجود الروسي يفوق الوجود التركي وقوى أخرى، فضلاً عن تواجد الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها ضمن تحالف دولي يعمل في سورية، وبالتالي هذا التداخل في الحرب يفوق قدرات المنطقة والإقليم، وبالتالي تأثيرنا على مجريات الأحداث هامشي جداً، والدولة اللبنانية عليها فقط أن تحافظ على حدودها وكيانها الجغرافي، وحين تقوم بذلك تكون فعلاً تتصرّف بشكل وطني مع شعبها ومع نفسها».
وشدّد الوزير تويني على أنّ «الرئيس عون وفّر القرار السياسي لتحرير الإرادة الوطنية، وهذا القرار اتخذ بتوافق جميع أطياف المجتمع والسياسة في لبنان ولم يُتخذ بشكلٍ منفرد، وتمّ تحرير حوالي 200 كيلومتر مربع من الأرض اللبنانية التي كانت محتلة وأصبحت الآن بيد اللبنانيين والجيش اللبناني».
سلاح المقاومة
ورداً على القائلين بأن لا جدوى لسلاح المقاومة بعد أن أظهر الجيش قدرة على تحرير الأرض وحماية لبنان من الإرهاب، قال تويني: «طالما سلاح المقاومة هو سلاح دفاعي ضدّ العدو الإسرائيلي ولا يؤذي الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية بل يندمج فيها، فلا خوف منه»، مضيفاً: «اليوم إذا تطوّر الجيش وشكّل قوة دفاعية تفوق القوة الدفاعية للمقاومة باندماج معيّن بين المقاومة والجيش كما حصل في دول عدة لكلّ حادث حديث، الاتحاد السوفياتي عندما قاوم النازية اعتمد على حرب العصابات والمقاومة المحلية،ـ وفي فرنسا وإيطاليا أيضاً، فالمقاومة موجودة لتقاوم الظلم والعدوان، ونحن كانت أرضنا محتلة منذ ما قبل العام 1982، واستطعنا بالمقاومة أن نحرّر الجنوب في العام 2000، واليوم استعدنا وحرّرنا حدودنا الشرقية وطردنا الإرهاب منها».
ولفت الى أنّ «من مميّزات الدولة والأمة الوطنية تحديد حدودها وحمايتها، وثانياً الجيش الوطني الذي يشكل العمود الفقري لتركيبة الدولة الدفاعية ولبسط القانون على جميع الأراضي، كما أنّ سلاح المقاومة لا يزال حاجة وطنية للبنان ضمن الاستراتيجية الدفاعية طالما هناك تهديد يومي إسرائيلي واختراق الحدود البرية والجوية والبحرية.
وأردف تويني: هناك من يقول إنّ سبب هذه التهديدات هو وجود المقاومة، ونحن نقول إنّ العكس هو الصحيح، لأنّ المقاومة وجدت لتردع العدوان، ولولا المقاومة لما استطعنا تحرير أرضنا من العدو الإسرائيلي. ففي مراحل الثمانينات والتسعينات كان الجيش في حالة انقسام وتشتّت وكان البلد بأسره خارجاً من حرب أهلية ويعاني الكثير من المشاكل، وعندما تمّ تحرير الأرض تمّ تحرير المجتمع وتوحيد الإرادة الوطنية، واليوم هناك إرادة جامعة تتجلى في الحكومة الحالية التي يمكن القول إنها «جبهة وطنية»، وتشكل إطاراً لاستيعاب كلّ أطياف السياسة في خط واحد من خلال الاتفاق على تحييد الموقف الإقليمي وتأكيد الموقف الوطني، وحماية الحدود والداخل من أيّ تهديد».
العلاقة مع سورية
وتطرّق تويني الى مسألة العلاقة مع سورية، وقال: «علاقتنا جغرافية مع سورية وطريقنا إلى الخليج وإلى العالم العربي يمرّ بسورية، صادراتنا تراجعت كثيراً منذ بداية الحرب السورية، الآن هناك رؤية جديدة للعالم والمنطقة، وهناك عودة الى الشرق، لأنّ الغرب فشل بعد 150 عاماً من السيطرة على الشرق الأدنى والأوسط والأقصى ، وأمام تراجع الغرب هناك تقدّم للشرق، الذي يضمّ دولاً كثيرة، كوريا اليابان الصين روسيا كازاخستان تركيا إيران…، وعادت منطقة لبنان وسورية والعراق والأردن إلى مدار الأحداث، وفي دراسات الغرب على المستوى الاقتصادي هناك دول جديدة صاعدة، ودراسات جدية عن أنّ الساحل السوري يحتوي على كميات من الغاز والنفط تفوق ما تملكه السعودية وقطر»، أضاف: «تقدّم الشرق ليس بالمعنى الايديولوجي بل الوطني من خلال استثمار القدرات الوطنية واسترجاع الثروات الشرقية مثل الصين والهند وروسيا واليابان، هناك بزوغ لفجر جديد، ولبنان وسورية والعراق سيسيرون في هذا الخط الجديد»…
فرصة لبنان في الشرق
ولفت تويني الى أنّ «لبنان يمكنه المساهمة بجزء معيّن في إعادة نهوض سورية من خلال قطاع الخدمات الذي يمكنه الدخول الى الأسواق السورية والعراقية»، وشرح تويني ذلك بالقول: «هناك بنية خدماتية لرأس المال اللبناني والتكنولوجيا واقتصاد المعرفة المقاولات والدعاية والهندسة الالكترونية بجميع أنواعها كلّ ذلك يشكل فرصة للتواجد والاستثمار والمساعدة في النهوض بسورية والعراق، لكن لبنان لا يملك فرصة على صعيد اليد العاملة والبنية التحتية التي لا تستطيع خدمة البنية التحتية السورية، ولا على صعيد المصانع والصناعات الثقيلة، أما المصارف فلديها البنية اللازمة.
ورأى تويني «أنّ من مصلحة لبنان أن نعيد تركيب وحدة اقتصادية بين دول ثلاث لديها وحدة جغرافية وهي لبنان والعراق وسورية»، مشيراً إلى «أن واجب لبنان لا يقتصر فقط على إعادة تصحيح العلاقات مع سورية بل مع الأردن والعراق، لكن سورية هي الرابط لخط الحرير وهي الممرّ إلى الشرق، لأنّ دمشق هي أقدم مدينة مأهولة في العالم، وكانت تغذي كلّ الموانئ في لبنان وسورية والمنطقة حتى انطاكية».
السلسلة وتمويلها والتداعيات
وتطرّق تويني إلى موضوع قانون سلسلة الرتب والرواتب وقانون الإيرادات الضريبية، واعتبر أنّ «السلسلة هي حق من حقوق المواطنين، وما نقوم به كرئيس للجمهورية وحكومة هو أن نحوّل إقرار السلسلة الى فرصة اقتصادية إيجابية، لأنّ السلسلة ستضخّ كتلة مالية جديدة بيد الطبقة الوسطى التي تستهلك مواد غذائية وصناعية وخدمات لبنانية ما يخلق ديناميكية جديدة ويحرك الأسواق»، لكنه رجح أن «يحدث ذلك نسبة معينة من التضخم»، مشيراً الى «أنّ زيادة الرواتب في القطاع العام تستوجب زيادة معنية في القطاع الخاص، لكن رواتب القطاع الخاص أعلى بكثير من رواتب القطاع العام»، ورغم التضخم الذي سيحصل هناك أصحاب الدخل المحدود والطبقة الوسطى سيستفيدون من خلال قدرة أكثر على استهلاك ما يحتاجونه من سلع وخدمات».
وناشد تويني أصحاب المدارس الخاصة تخفيف الزيادات على الأقساط المدرسية قدر الإمكان، ريثما ينتهي العام 2018 كي تستطيع الدولة والاقتصاد اللبناني التقاط الأنفاس وتحقيق التحسّن التدريجي للوضع الاقتصادي»، مؤكداً أنّ الوضع الاقتصادي سيتجه نحو التحسّن»، معتبراً أنه رغم كلّ الظروف كانت الأفضلية لإقرار السلسة وتطبيقها، نظراً لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الإيجابية».
وعن الضرائب، لفت تويني الى أنّ «الضرائب موجودة في جميع دول العالم، في فرنسا تصل الى 29 في المئة وفي دول الاتحاد الأوروبي بين 26 و31 في المئة، لكنه ميّز بين الضرائب المباشرة التي تكون عادلة للفئات الاجتماعية المتوسطة أو أصحاب الدخل المحدود، وبين الضريبة الغير مباشرة التي وصفها بالظالمة للفئات الاجتماعية المتوسطة»، وقال: «لذلك أضفنا 1 في المئة على ضريبة القيمة المضافة لكن ليس على المواد الغذائية والأدوية والطبابة»، ودعا تويني الى ترشيد إنفاق ومداخيل الدولة ووقف الهدر»، معدّداً ثلاثة أبواب لوقف الهدر، «إيجارات الأبنية التي تشغلها الدولة، الجميعات، والأثاث والتجهيز»، مضيفاً: «إذا استطعنا السيطرة على هذه الأبواب الثلاثة نوفر 500 مليار ليرة على خزينة الدولة في الحدّ الأدنى».
وزارة مكافحة الفساد
وعلى صعيد وزارته، لفت تويني الى أنّ «الرئيسين عون والحريري أرادا إنشاء وزارة لمكافحة الفساد»، معتبراً أنها خطوة جيدة تحصل للمرة الأولى في لبنان»، موضحاً «أنها وزارة تتبع للسلطة التنفيذية، لكن ليس لها جهاز تنفيذي على الأرض، ولديها سلطة الوزير كما لجميع الوزراء بالمعنى السياسي، ولكن بالمعنى العملي لديه صلاحيات الوزير لكنه حتى الآن ليس لديه صلاحيات الوزارة»، أضاف: «لدينا الدعم الكامل من الرئيس عون والدعم المعنوي من الشعب اللبناني والصحافة وكلّ المجتمع وهي الوزارة الأكثر شعبية لأنها وزارة الأوادم».
وتابع تويني: «ليس لدى الوزارة جهاز إداري ولا موازنة، لكن نجحنا حتى الآن بالتعاون مع وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية والوزيرة عناية عز الدين بإصدار الاستراتيجية الموحدة لمكافحة الفساد، وطرحناها على رئيس الجمهورية وعلى رئيس الحكومة والوزراء، وعقدنا أول اجتماع مع كافة الأجهزة الرقابية، وهذا إنجاز عظيم. ونجحنا أيضاً مع الهيئات الموجودة في مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل، بإصدار أول قانون هو حرية الوصول إلى المعلومة وكذلك هناك 3 قوانين مهمة ستقرّ قريباً وعلى رأسها الهيئة العليا لمكافحة الفساد والإثراء غير المشروع وحماية كاشفي الفساد»، والهيئة العليا لمكافحة الفساد لها يد ملاحقة واستقصاء ومقاضاة وهيئة مستقلة تعيد دور لبنان بين الدول».
وجزم تويني بأنه «منذ بداية عمل الحكومة، لم تمرّ مناقصة من دون عرضها على هيئة إدارة المناقصات، وهذا مؤشر إلى وعي لدى جميع الوزراء ولدى الرئيسين عون والحريري للتعاون مع الهيئات الرقابية وإدارة المناقصات والمثول أمام إراداتها».
وكشف تويني عن قانون مهمّ سيقرّه المجلس النيابي قريباً، ويكون خاتمة قوانين مكافحة الفساد ويؤدّي إلى تخفيف نحو 80 في المئة من الهدر والفساد وهو «الآلية الموحّدة للمناقصات والآلية الموحدة للتصنيف».
وقال: «قدّمنا دراسات لهذه الآلية إلى لجنة الإدارة والعدل وعندما تقرّ الآلية يكون لبنان سيطر على الفساد من النبع وعلى الهدر خصوصاً في المناقصات».
البيئة
وفي موضوع الفساد البيئي أكد تويني أنه يتابع هذه الشؤون مع زميله وزير البيئة طارق الخطيب، وقد قمنا سوياً بزيارة إلى منطقة الكورة مع وفد من قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي وأغلقنا كسارة كانت تسبّب الأذى للمواطنين، ولا نزال نتابع هذا الملفّ مع الوزير الخطيب ومع أهالي منطقة الكورة، لإيجاد الحلول الناجعة والكفيلة بوقف الكارثة البيئية الحاصلة في تلك المنطقة العزيزة علينا جميعاً».