مع بداية العام الدراسي الجديد في القدس

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

واضح أنّ وزير التعليم العالي في دولة الإحتلال المتطرف نفتالي بينيت يتقدّم وفق الإستراتيجية التي رسمها ووضعها لشطب وإلغاء المنهاج الفلسطيني في القدس بشكل كامل، ويستخدم لتحقيق ذلك سلاح الميزانيات والتمويل والتهديد، والتعيينات «للمفتشين» الموجهين التربويين والمدراء الذين يتبنّون استراتيجيته ووجهة نظرة ورؤيته في «أسرلة» المنهاج في مدينة القدس، وطبعاً جهاز الأمن الإسرائيلي «الشاباك» حاضر هنا، في عمليات الإختيار والتعيين والموافقة عليها للموجهين التربويين وحتى المدراء والمدرّسين، ونحن نشير الى أنّ هذه الخطة المتدرّجة وصلت إلى المرحلة الحاسمة في التعدّي والحرب على الهوية والثقافة والكينونة والوجود والانتماء والذاكرة لشعبنا الفلسطيني، حيث العودة بالتعليم إلى ما بعد الاحتلال مباشرة عندما سيطر الاحتلال على المدارس الحكومية، وحاول فرض المنهاج الإسرائيلي عليها، ولكن وجود حركة وطنية ونقابية ووعي مجتمعي أفشل تلك الخطوة، حيث أضرب الطلبة عن الذهاب للمدارس لمدة ثلاثة شهور، لتنتصر إرادة الشعب، ويضطر المحتلّ للتخلي عن ذلك، ويعود التعليم في القدس وفق المنهاج الأردني المعمول به في الضفة الغربية آنذاك، ولينتهي التعليم وفق المنهاج الإسرائيلي بشكل كامل في القدس في العام الدراسي 75 76.

عملية «صهر» الوعي للطلبة المقدسيين تجري على قدم وساق، حيث مع بداية هذا العام الدراسي سيتمّ افتتاح صفوف لتعليم المنهاج الإسرائيلي من المرحلة الإبتدائية الصفوف الأولى ، في العديد من القرى العربية في القدس، وهذا التطور الخطير يؤشر إلى انّ الاحتلال مصمّم على كسب معركة التعليم بكلّ الطرق والوسائل، والمصيبة والطامة الكبرى بأنّ ما يحققه الاحتلال من نجاحات في هذه المعركة، يكشف بشكل جلي انّ بينيت ما كان لينجح في تطبيق خطته المتدرّجة هذه لأسرلة وعي الطلبة المقدسيين، والإنتقال من مرحلة «كي» و«تقزيم» الوعي لطلبتنا في مدينة القدس الى مرحلة «الصهر»، لولا وجود تواطؤ ومشاركة من مدراء وموجهين تربويين ومستثمرين محليين منتفعين يغلّبون مصالحهم الخاصة على مصلحة الطلبة والوطن، وكذلك غياب الوعي عند الأهالي الذين سيتعلم أبناؤهم وفق المنهاج الإسرائيلي، فهم ليسوا على إطلاع بمحتوى ومضامين الكتب التي سيدرسها أبناؤهم وفق المنهاج الإسرائيلي، بل ما يصلهم من معلومات بأنّ هذا المنهاج يؤسّس ويمنح طلبتهم مزايا في إطار التوظيف والعمل في المؤسسات الإسرائيلية بخلاف المنهاج الفلسطيني، وأيضاً هناك قصور كبير من قبل الحركة الوطنية والمؤسسات المجتمعية ولجان أولياء الأمور وقبلهم جميعاً وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، في رسم استراتيجية شمولية لكيفية مواجهة هذا المخطط الخطر، ولعلّ الخطر قائم، ليس فقط من هزيمتنا على جبهة الوعي والذات، بل المنهاج شكل من أشكال السيادة الوطنية.

العام الدراسي الجديد يكشف عن كارثة حقيقة يواجهها التعليم في مدينة القدس، حيث نسبة التسرّب هي الأعلى في العالم، 21 لما فوق الصف العاشر ولتصل الى 50 في المرحلة الثانوية، وكذلك فإنّ هناك أكثر من 13 من الطلبة 16702 طالب خارج أيّ إطار تعليمي، والنقص في الغرف الصفية يزيد عن 2460 غرفة صفية، وكذلك تتبدّى العنصرية في الميزانيات ومعدل الإستثمار في الطلبة، حيث يخصص للطالب اليهودي 27 الف شيكل سنوياً مقابل 20 ألف شيكل للطالب العربي و33 ألف شيكل للطلبة المتدينين، والمبالغ المطلوب توفرها لمواجهة ظاهرة التسرّب من المدارس، هي 15 مليون شيكل بحسب تقرير جمعية «عير عميم» الإسرائيلية لا يتوفر منها سوى 4.1 مليون شيكل، وقرارات بناء غرف صفية تستجيب للزيادة الطبيعية في عدد السكان في شرقي القدس، رغم قرارات المحاكم المتخذة بذلك، فالبلدية ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، لم تفيا بأيّ التزام في هذا الإطار، بل النقص في الغرف الصفية يزداد عاماً وراء آخر.

في إطار الحرب على المنهاج الفلسطيني، شكلت وحدة خاصة في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلي، هدفها مراقبة أنشطة المعلمين والمدراء العرب على صفحات التواصل الاجتماعي، ومشاركتهم في الأنشطة اللامنهاجية والثقافية والتراثية، التي تحرص على تربية وتوعية الطالب الفلسطيني بواقعه وتراثه وهويته وتعزز من انتمائه، وعلى خلفية ذلك فصلت وزارة المعارف الإسرائيلية مديراً وأحد عشر مدرّساً تحت هذا البند، بند التحريض المزعوم.

وهي لن تكتفي بهذا العدد من المفصولين او المهدّدين بالفصل، بل الحملة ستستمرّ وتتصاعد من أجل ترهيب وتخويف المدراء والمدرّسين، وإخراجهم من دائرة الفعل والثقافة والوعي الوطني، لكي يتحوّلوا إلى أدوات ينفذ العدو من خلالها مشاريعه ومخططاته في «صهر» وعي طلبتنا وأسرلته.

التعليم وفق المنهاج الإسرائيلي في مدينة القدس يتقدّم والتعليم وفق المنهاج الفلسطيني يتراجع، ونحن يسجل علينا اختراقات وخسارات كثيرة وكبيرة على جبهة الوعي، فالسلطة ووزارة التربية والتعليم الفلسطينية، بالقدر الذي يجب عليها ان تتحمّل مسؤولياتها في هذا الجانب، فهي ليست بالطرف القادر على خوض هذه المعركة مع الإحتلال، حيث أنها حتى اللحظة، لم تستطع ان تؤمّن أقلّ من 30 مليون دولار حاجة المدارس الخاصة والأهلية السنوية التي تتلقاها من بلدية الإحتلال، لكي تستطيع إدارة أمورها وتغطية نفقاتها، وهذا التمويل المشروط سيف مسلط على رقبة تلك المدارس، سيشكل لاحقاً مدخلاً مهماً لتطبيق التعليم الإسرائيلي على تلك المدارس. ولذلك من يقود هذه المواجهة والتصدّي لهذا المشروع الخطير، هم اتحاد لجان أولياء الأمور واللجان التابعة له في كلّ المدارس، وكذلك القوى والمؤسسات، يجب أن تلعب دوراً الى جانبهم في المواجهة، وفي توعية الأهالي بالمخاطر المترتبة على تلقي أبنائهم مثل هذا النوع من التعليم، الذي يسهم في اغترابهم عن بلدهم وتشويه وعيهم ومفاهيمهم وتغيير توجهاتهم وقناعتهم.

لن يكتفي بينيت بتطبيق المنهاج الإسرائيلي على مدارس «صورباهر» و«ام طوبا» و«بيت صفافا»، بل هي «بروفات» إذا ما جرى تمريرها ستنتقل الى بقية المدارس الحكومية اولاً، يستخدم فيها سلاح المال والإغراءات وتساوق مدراء و«مفتشين» وكذلك لجان محلية «منتفعين» وأولياء أمور طلبة، لتمرير هذا المشروع للوصول الى الهدف بالشكل النهائي، ونكون كمن لفّ الحبل حول عنقه، والخسارة ستكون في هذه المعركة أخطر من أيّ خسارة في المعارك الأخرى، الخسارة هنا تعني أننا لن ننجو، بل سنذهب نحو حتفنا بأيدينا…!

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى