دير الزور: انتصار بحجم حلب وأكبر
ناصر قنديل
– خلال عام والانتصارات المتدحرجة لحساب الجيش السوري وحلفائه بلا منازع، حتى بلغ حجم ما تحرّر خلال عام قرابة ثلث المساحة السورية وزاد عن خمسين ألف كليومتر مربع، أيّ خمسة أضعاف مساحة لبنان، لكن المفصل الحاسم في فتح الباب لهذه الانتصارات المتدحرجة كان بلا شك تحرير شرق حلب، الذي أنهى الرهان الغربي على إسقاط الدولة السورية ورئيسها وجيشها، وفتح الباب لتراجع حلف الحرب وبدء تفكّكه، وتموضع كلّ من أركانه عند سقف جديد، تمهيداً لبلوغهم جميعاً سقف التسليم بعودة الدولة السورية ورئيسها وجيشها، تصريحاً أو تلميحاً. وبدأت منذ ذلك الوقت معركة إسقاط مشروع إدامة الفوضى وإدارتها كبديل لمشروع الإسقاط والسيطرة. وفي قلب هذه الحرب التي خاضتها سورية وحلفاؤها سقط الخط الأحمر الأميركي عند الحدود السورية العراقية، وسقط مشروع فتح الباب لتدحرج داعش من الرقة صوب البادية السورية.
– كانت دير الزور هي الحلقة التي تتجه نحوها الأنظار، فمنها تسقط منطقة شمال شرق الفرات بصفتها منطقة عمليات أميركية وفيها يسقط مشروع إقامة كيان كردي مستقل معلن أو مضمر وهما حلقتان لا تقلان أهمية، بل ربّما تزيدان عن تحرير حلب بالمعنى الاستراتيجي، فما دامت حلب غرب جنوب الفرات أيّ خارج مناطق العمليات التي تحصرها واشنطن بقواتها وحلفائها وخارج نطاق التطلّع الذي توهّمت القيادات الكردية أنها حدود كيانها الخاص، يبقى تحرير حلب رغم ما فيه من قيمة وانتصار، إصابة مؤلمة للأميركيين، لكن يمكن استيعابها مع التموضع على مشروع عنوانه شمال شرق الفرات بالإدارة الأميركية الكاملة والعنوان الكردي الانفصالي، وبلوغ الجيش السوري لدير الزور وحده يفتح باب التحدي لهذين المشروعين.
– كان الرهان الأميركي على حجم متاعب ومصاعب تحقيق هذا الهدف على الجيش السوري، فدونه وجود داعش في تدمر والبادية ومئات الكيلومترات مسافة وآلاف الكيلومترات المربّعة مساحة، وداعش في ريفي حماة وحمص يشكل جيباً نازفاً متمادياً. وكانت التوقعات أنه حتى يتمكّن الجيش السوري وحلفاؤه من بلوغ دير الزور وفك الحصار عن قواته فيها والتواصل معها سيحتاج الأمر لثلاث سنوات على الأقلّ، يكون خلالها الأميركيون والأكراد قد تمكّنوا من إنهاء داعش في الرقة ودير الزور والحسكة وصار التفاوض على الفدرالية أمراً واقعاً. فدرالية يتمتع الأميركيون خلالها بغطاء حكومة محلية كردية هم يديرونها، ولذلك كان الحديث الأميركي عن العام 2020 علنياً كموعد للحلّ السياسي في سورية.
– ما أنجزه الجيش السوري خلال عشرة شهور أقرب للمعجزة العسكرية، وتهاوي داعش أمام القوات المتقدّمة نحو دير الزور سيحكم ما بعدها، خصوصاً أنّ الجيش السوري يُمسك بمجرى الفرات الشمالي من ريف الرقة نحو ريف دير الزور، وسيتواصل مع القوات المتقدّمة جنوب مجرى النهر نحو دير الزور، وربما تصير معركة تحرير الرقة التي تمرّ باستعصاء واضح منذ شهرين، معركة الجيش السوري والحلفاء، خصوصاً إذا ما قرّر الجيش السوري والحلفاء حسم مدينتي الميادين والبوكمال قبل الارتداد نحو الرقة، فعندها سيكون على الأميركيين الإقرار بأنّ مشروع شمال شرق الفرات قد سقط وسيكون على القيادة الكردية الإسراع لحجز بطاقتها إلى حوارات جنيف للمشاركة في حلّ سياسي سقفه حكومة موحّدة في ظلّ الرئيس السوري ودستور توافقي جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية تليه.
– يقول البعض إنّ القافلة المتوقفة لداعش على تخوم دير الزور بعد ترحيلها من القلمون، قد تبقى هناك لزمن طويل فتستسلم بعدها، وقد حققت الغرض بخلق بالونات إعلامية شغلت الأميركيين وحلفاءهم عن متابعة الحشود والاستعدادات لمعركة حسم دير الزور من جانب الجيش السوري وشريك الدم والانتصارات حزب الله بدعم إيراني مفتوح وحضور جوي روسي بلا حدود.