هل يريد الحريري سقوط لبنان في براثن العدوّين الصهيوني والإرهابي؟

غالب قنديل

ننطلق في تلقي التصريحات الأخيرة للرئيس سعد الحريري من تصديق مسبق لإشهاره العداء لـ«إسرائيل» والتزامه بالمجابهة المستحقة مع الإرهاب التكفيري الذي دعا العالم إلى تدميره وسحقه على غرار ما فعل الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، وتقريباً بالمفردات ذاتها.

أولاً: يدين السيد الحريري في كلامه قيام حزب الله بالتصدي لعدوان جماعات التكفير الإرهابية في جرود السلسلة الشرقية، وهو عدوان على السيادة اللبنانية بالمعنى القانوني والعملي، وهو تهديد واقعي ينذر باجتياح بلدات بقاعية عديدة متنوّعة الانتماء الديني والمذهبي، على غرار النسيج اللبناني برمّته، وبذات القدر والصرامة انبرى الحريري ليدين عملية حزب الله في تلال شبعا ضدّ العدو الصهيوني الذي نفذ عدواناً موصوفاً ضدّ موقع للجيش اللبناني ردّ على النيران الصهيونية في حدود إمكاناته وطلب تحقيقاً دولياً، وهي طريقة التعامل التي باتت روتينية وتتكرّر منذ صدور القرار 1701 ولم تردع آلاف الخروقات الصهيونية في البرّ والجوّ والبحر.

أطلق الحريري أوصافاً كثيرة منها «المغامرة» ومنها «تخريب الإجماع الوطني» على ما قام به حزب الله ضدّ الاعتداءين الإسرائيلي والتكفيري، وهو لم يبيّن وجه المغامرة التي قامت بها قوة لبنانية أثبتت قدرة خارقة على حساب التوازنات وإحكام المعادلات لصالح لبنان، باعتراف قادة العدو، ولم يقل لنا أين هو الإجماع الوطني الذي خرّبه حزب الله الذي كان قتاله ممثلاً لإجماع شعبي ظاهر على الخوف من مذابح التكفيريين وشرورهم، وفي ظلّ معلومات وتقارير عديدة عن تخطيط «إسرائيلي» لفتح جرح جديد في الجنوب اللبناني يسمح بإقامة جيب تكفيري متصل بما يسعى الصهاينة إلى إنشائه على جبهة الجولان السورية بواسطة وحدات من المرتزقة والتكفيريين تضمّ مقاتلين من «داعش» و»النصرة» و» الجيش الحر»، الذي يدعمه الحريري حتى التبنّي رغم تحوّله إلى زمر يتناهشها المتطرفون والتكفيريون باعتراف الولايات المتحدة نفسها، ولعله لم يقابل صديقه جيفري فيلتمان مؤخراً.

ثانياً: يقترح السيد الحريري على اللبنانيين في البقاع والجنوب وراشيا وحاصبيا انكفاء حزب الله عن التصدي للمعتدين الصهاينة ولزمر الإرهاب، وهو أمر سيعني عملياً إراحة هذين العدوين من مجابهة القوة اللبنانية الفعلية التي أثبتت القدرة على وضع الحدّ المناسب لعربدتهما، وأيّ عاقل يسترجع الأحداث ويحصي الوقائع يدرك إلى أيّ حدّ أفلست وصفة مراجعة الأمم المتحدة، فخلال ثماني سنوات من خرق القرار الدولي ونشر «اليونيفيل» المعززة، حظيت «إسرائيل» بحماية دولية من جميع أصدقاء الحريري في الغرب، وتبخرت على الفور جميع وعود معاونه الرئيس السابق فؤاد السنيورة إثر صدور القرار الدولي عام 2006 باسترجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، والانتقال من حالة وقف العمليات إلى صيغة وقف دائم لإطلاق النار بضمانة صارمة أعلن السنيورة بمباركة الحريري أنه تلقاها من «العزيزة» كونداليسا رايس ومن تيري رود لارسن الذي يكاد يطويه النسيان لولا اجترار تقاريره الدورية المكرّسة للتستر على العدو ولاستهداف حزب الله.

في هذا التوقيت ماذا سيعني انكفاء حزب الله عن المهمّتين الملحتين وطنياً لحماية لبنان؟ حمايته من اجتياح عصابات التكفير الإرهابي لمناطق لبنانية عديدة انطلاقاً من الجرود البقاعية على الحدود مع سورية ومن الخطة الصهيونية لتسهيل قيام جيب تكفيري في الجنوب يمتدّ إلى منطقتي راشيا وحاصبيا، ويهدّد منطقة مرجعيون… إنه يعني بالحرف سقوط لبنان في براثن المخطط التكفيري الصهيوني الذي يستهدفه وترك الجيش اللبناني يحمل وحيداً تبعات المجابهة التي تفوق قدراته البشرية والتقنية الحاضرة، مما سيفتح أبواب جميع المخاطر على البلد وأهله وبينهم جمهور الحريري وناخبوه فهل يهتمّ لذلك على الأقلّ؟

ثالثاً: من أوصل الجيش اللبناني إلى حالة عدم امتلاك القوة الكافية لتولي المسؤولية وحيداً هو نهج الحريرية التي منعت عنه الإمكانات المناسبة لردع العدوان الصهيوني ولامتلاك الأسلحة والتقنيات والقوى المقاتلة المؤهلة لصدّ جحافل التكفيريين عن البلد، والحريرية هي التي حكمت على الجيش بمنع تنويع مصادر السلاح لتبقيه رهينة الانصياع الغربي لشروط «إسرائيل»، ويعرف السيد الحريري ان صديقه هولاند فعل ذلك في قائمة المعدات والأسلحة المشمولة بالهبة السعودية المتعثرة، والتي أعلن عن فك أسرها أمس الأول من الإليزيه، فعسى تصدق الوعود الجديدة.

إنّ ما يقوم به حزب الله هو تسديد ضربات موجعة لمخطط تدمير لبنان الذي تنفذه «إسرائيل» وجماعات التكفير ولن نفتح سجل احتضان ودعم الإرهابيين والمرتزقة في لبنان للانخراط في الخطة الأميركية لتدمير سورية بينما الوصفة الحريرية في مكافحة الإرهاب اليوم يجسّدها مسعى نواب كتلة الشيخ سعد في طرابلس لتهريب المجموعة التكفيرية التي تحتلّ التبانة، بعدما قدمت لها الحماية بالشراكة مع السيدين نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي بكلّ أسف ضدّ القضاء والجيش ومديرية الأمن العام معاً، تماماً كما جسدتها هبة الملايين الخسمة عشر التي تسلّمها في بيت الوسط رئيس بلدية عرسال المطلوب للقضاء في جرم تسهيل الاعتداء على الجيش وقتل عسكريين وهو الناشط في «استضافة» الإرهابيين نيابة عن تيار المستقبل في البلدة، وقد سبق أن زارته جحافل 14 آذار لتردّ على الوزير السابق فايز غصن عندما فضح وجود مسلحي «القاعدة» في جرود عرسال.

رابعاً: لا يستطيع السيد الحريري إنكار انّ من قال لجمهوره إنهم ثوار سوريون ومعارضة سورية هم الإرهابيون الذين يطاردهم العالم اليوم، وهم الذين يستهدفون بسكاكينهم وإجرامهم جميع اللبنانيين، وقد خرجوا عن سيطرة جميع المشغلين بمن فيهم المملكة التي هي سند الحريرية وغطاؤها.

مشكلة الحريري الأدهى والأصعب انّ لعبته في استثمار الفزاعة التكفيرية لابتزاز الواقع السياسي اللبناني بصفته رافعاً ليافطة الاعتدال قد استهلكت وباتت الحقيقة مكشوفة وحاضرة بقوة ما يبذله الجيش وما تقدمه المقاومة دفاعاً عن لبنان في مجابهة «إسرائيل» والإرهاب التكفيري المندمج في خططها العدوانية.

الأجدى للشيخ سعد ان يسارع إلى تنقية صفوف محازبيه ممن ذهبوا في طريق اللاعودة واستغرقوا في التورّط الإرهابي، وأسهل طرق التراجع وأيسرها تبنّي معادلة الشعب والجيش والمقاومة التي أدرجها بيانه الوزاري ذات مرة طريقاً لمجابهة عدوانية «إسرائيل»، ويتبيّن اليوم بالوقائع أنها الطريق لصدّ خطر التكفير الإرهابي بعيداً عن المراوغة والابتزاز فكيف وقد أدمج الصهاينة الخطرين في خطة واحدة؟!

التحليل الإخباري لمركز الشرق الجديد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى