ما بين «الغار» و«العار».. لبنان يشيّع اليوم أبطاله…
روزانا رمّال
ليس سراً أن الذي طلب من الرئيس السابق للحكومة اللبنانية تمام سلام إيقاف العملية العسكرية عام 2014 عشية خطف الجنود الشهداء الذين ارتقوا على مذبح الوطن المنهَك هو الرئيس الحالي سعد الحريري الذي تمنّى من سلام أن يطلب من قائد الجيش جان قهوجي حينها إفساح المجال للمفاوضات أو ما الى هنالك من تبريرات لم تعُد تروق لأهالي العسكريين الذين يحملون في قلوبهم غصة وحرقة لم تقلّصها السنوات التي حملت بعض الأمل في أن يكون أبناؤهم أحياء بمكان ما على الأرض السورية أو اللبنانية أو أينما كان.
حاول الرئيس بري تخفيف وطأة المشهد في خطابه الأخير المخصص لإحياء ذكرى تغييب الامام موسى الصدر، وفك اللوم والهمّ عن كاهل الرجل المستهدَف إعلامياً أي «الرئيس سلام»، حيث لا حول ولا قوة، عندما يتعلّق الأمر بقرار يشترك فيه معه مَن يحمل الرسائل السعودية في ذلك الوقت، وعلى ان السياسة أخذت مجراها وتداخل نفوذ الدول وحساباتها بالأزمة السورية والجوار كان لا بدّ لتمام سلام أن يوافق على الطلب، فتمّ إلغاء العملية أو تأجيلها في وقت تقول المصادر العسكرية أنه كان بالإمكان إحراز تقدم على مقربة من عملية الخطف واسترجاع العسكريين المخطوفين قبل أن يتم التصرف بمصيرهم، حسب رغبات أمراء الإرهاب وداعميهم، خصوصاً أن العسكريين بقوا على قيد الحياة لمدة سنة قبل أن يتمّ تنفيذ حكم الإعدام فيهم تبعاً لما صدر عن حكام الإمارة المتطرفة من الرقة فقضي الأمر.
الإجماع الوطني اليوم الذي يبدو يحمل في طياته بعض الرسائل التي يحيط بها بعض الريبة، فمسألة الأعطال الرسمية والحداد العام وإقفال الإدارات العامة والخاصة لا تكفّر ذنب السلطات المعنية بهذا التقصير، مهما كان التبرير، لأن أي تبرير هو إدانة بحدّ ذاتها لأولئك الذين فرطوا بكرامة الجيش اللبناني وبمهابة ضباطه الكبار الذين استشاطوا غضباً من القرار السياسي في ذلك الوقت تحسباً لمصير العسكريين الأسود.
مصدر سياسي تابع قضية العسكريين المخطوفين يستذكر لـ «البناء» تلك المرحلة ويقول «أصدر القضاء اللبناني 60 حكم إعدام بإرهابيي القاعدة بكل منوّعاتها والقضاة يتساءلون لماذا ادعت الحكومة الخوف على حياة العسكريين المخطوفين من الذبح، وهي كانت قادرة على وضع المعادلة التالية «كل عسكري يُذبح ينفّذ مقابله إعدام 60 إرهابياً، والأحكام المتوقع تفوق الألف؟»، إلا إذا كان قلب الحكومة «عليهن مش عالعسكريين لأنو حدا ماسكها عإيدها اللي بتوجعها؟».
الاستغراب والريبة حكم السلك القضائي والسلك العسكري والإعلامي تماماً، كما حكم كل اللبنانيين بتساؤلات في ذلك الوقت حتى تكشف مصيرهم، أسئلة من نوع «لماذا يتمّ التعاطي بهذه الخفة مع من تجنّدوا للدفاع عن الناس؟ لماذا يُترك هؤلاء مجهولي المصير وخدمة لمن؟»..
وزارة الدفاع تتكلل بالغار وأكاليل الرياحين وأساطير المجد اللبناني المتجدّد اليوم، ها هو الأمل قد انقطع. وحسم الأمر وبات التشييع اليوم واقعاً لا مفرّ منه، لكن لا تعطيل الإدارات الرسمية ولا الحداد العام قادر على أن يفكّ الحزن المتجدّد داخل نفوس الأهالي ولا قادر على تبديد المخاوف التي صارت تحيط بالمؤسسة العسكرية التي أصبح الحديث عن القرار السياسي أهم من حضورها كمؤسسة حامية للوطن وسيادته، ليكون ملفّ البتّ بالقرار السياسي أزمة جدية تعرقل أو تعيق مهمة الجيش والقوى الأمنية في لحظات مصيرية من هذا النوع ولا زالت «معركة عبرا» حاضرة في أذهان أهالي الجنوب وصيدا تحديداً، والتي ذهب ضحيّتها عسكريون لبنانيون في وقت أهالي منطقة عبرا ومست الحاجة لقرار سياسي يحميهم من الإرهاب الذي كان يلوح بأفق المدينة، فاضطر ضباط «معروفون» على رأسهم العميد المتقاعد شامل روكز الى استكمال العملية بشكل نهائي من دون العودة إلى أوامر السياسة، كما صار معروفاً.
تأخذ «السياسة» المؤسسة العسكرية والعسكريين الى محطات خطيرة، قد تعود بالخطر على مستقبل الجيش، فما بين امتعاض او ارتجال تصبح الأمور أكثر حساسية، فيما لو لم يكن تدارك الموقف في المستقبل هو الشغل الشاغل للمعنيين.
وبالعودة إلى نهار الحداد الكبير هناك ما يلفت النظر ولا يمكن تجاهله بالنظر للتعليقات التي شابت مشهد احتفال حزب الله والتيار الوطني الحر بانتصارات الجيش اللبناني، وبالأخص حزب الله، حيث بدأت ماكينة خصومه بالإشارة إلى أن الحزب قرّر الفرح في وقت كل لبنان حزين، ومكلّل بصدمة الموقف الكبير وكأن هناك من أراد القول «انظروا حزب الله لا يبالي بشهداء الجيش» ولا يهمه الجيش وهو يضع أجندة انتصاراته وفق الأجندة الإيرانية الخارجية لتصير انتصاراته تابعة لمحور وليس للوطن.
الحداد العام اليوم، وقبله رفض الحريري استقبال المهنئين في عيد الأضحى المبارك، في واحدة من رسائله المضمرة لحزب الله، والمطلوب منها الاستنتاج أن مسألة احتساب ما جرى انتصاراً، كما يقول حزب الله، لا تعني أن الأمر كذلك عند الطرف المقابل، ففكرة الانتصار وثقافتها يُريد البعض تغييرها وحرفها عن مصاف الإنجاز كي لا يتكشّف دوره في تلك المرحلة الشديدة الخطورة.
الأكيد أن بعض الذين سيشاركون اليوم بتشييع الشهداء العسكريين هم أكثر مَن تآمر عليهم ومَن سيبكي عليهم ويطلق المواقف البطولية أمام عدسات التلفزة المحلية والعالمية.