من ميانمار إلى الشرق… لا حلّ إلا أنموذج العيش المشترك

بلال شرارة

ربما لا ينقصنا في الشرق الأوسط قضايا ومسائل وملفات، فنحن لدينا منها ما يفيض عن حاجتنا. ولدينا حقائق وقصص إنسانية موثقة لها أول وليس لها آخر. ولدينا حكايات مفجعة عن الموت الكثير، عن حفلات الإعدام الجماعية التي ارتكبتها «إسرائيل» والإرهاب على مساحة بلداننا. ولا داعي لقول ما هو معروف عن سوء الحالة الإنسانية في أوطاننا، وعن أنماط السلطات المتخفّية التي تحكم بلداننا بالحديد والنار وتفتك بنا، ولا داعي لاستدعاء الذاكرة الإنسانية للحديث عن فلسطين الوطن المعتقل، عن مصادرة الأراضي والاستيطان وتقليع المزروعات وعن جدار الفصل العنصري وآثاره السلبية. كلّ ذلك يمثل الصورة الأبشع التي لم يشهد التاريخ مثالاً لها ولكن…؟

ولكن كلّ ما تقدّم لا يتيح لنا أن ندفن رؤوسنا في الرمل ونتعامى عما يحدث في ميانمار وعن عشرات الآلاف من الروهينغا المُشرّدين من مناطقهم إلى بنغلادش المجاورة.

عندنا ومما لا شك فيه انّ داعش مثلت إحدى أبشع ممارسات الإرهاب التهجيري للمسيحيين في سورية والعراق، وإنّ ممارسات مماثلة حدثت في نيجيريا ونفّذتها بوكو حرام وإنّ جرائم إرهابية مماثلة استهدفت المسيحيين في مصر ولبنان وليبيا، وإنّ العالم قامت قيامته على ممارسات إرهابية كهذه تجاوزت عمليات القتل إلى السبي ومصادرة الأملاك، ولكن الإرهاب في ميانمار يتخذ صفة رسمية ضدّ تجمّعات سكانية في شمال غرب البلاد، حيث تنفذ حملة عسكرية تعتمد أعلى موجات العنف، وأسفرت حسب المفوضية الدولية العليا لشؤون اللاجئين عن فرار نحو 75 الفاً من الروهينغا إلى بنغلادش عبر حقول الأرزّ من نهر ناف الذي يفصل بين البلدين.

نحو 400 قتيل هم الحصيلة الأولية للاشتباكات والهجمات المضادّة التي نفذها الجيش خلال الأسبوع الماضي لم تتحدّث وسائل الإعلام عما أوصل الأمور الى تدخل السلطات مباشرة، وإنْ كانت مصادر كثيرة لا تغسل أياديها من المسؤولية عن الأحداث، ويُقال عن عمليات بحث عن متمرّدين ينفذون عمليات القتل وكذلك عمليات التطهير العرقي التي تستهدف 1,1 ملون نسمة من المسلمين . وهذه المجزرة 400 قتيل في أيام قليلة ينفذها البوذيون ضدّ الأقلية المسلمة وتدّعي السلطات أنها تبحث عن إرهابيين من الأطراف كافة، وضمناً عن مسلحين من جيش إنقاذ الروهينغا مسلمين يلوّحون بأسلحة عندما تدخل قوات الأمن إلى قراهم.

الروهينغا إخوتنا في الإنسانية أولاً وهم من المسلمين. ولو كانوا يقتلون من البوذيين من دون وازع لأدنّاهم. أنا لا أعرف إلى أيّ مذهب ينتمون، ولكن هي جريمة كبرى أن يتمّ دفنهم أحياء، وهي جرائم رسمية تتحمّل مسؤوليتها رئيسة وزراء بورما التي تتمّ الجرائم الجماعية في بلادها تحت العيون الرسمية.

أنا بصراحة لا أعرف أين تقع ميانمار، ولا أعرف شيئاً عن الأقليات والأكثريات فيها، ولكني أعرف الكثير عن عمليات القتل والتشريد التي تستهدف الشعوب في كلّ مكان ومعنى الموت العرقي وشرائع قتل الأغيار من طوائف وأعراق أخرى التي تبيح لكلّ جماعة التنكيل بالأخرى وتجريدها من حق الحياة وحقوق المواطنية. ومن أجل ذلك فإني أتضامن مع الأقلية من الروهينغا الذين يقعون الآن من دفتر بلادهم على هامش الأوطان الأخرى، وهم يستهلكون الموارد الشحيحة التي تقدّمها جماعات الإغاثة والمجتمعات المحلية.

العالم أصبح هكذا ساحات لصراع الأديان والحضارات، ولا أحد يتمكّن من العيش مع الآخر. لذلك ربما أصبح الأجدر العودة لتقديم الأنموذج اللبناني في العيش المشرك كحلّ. هل الصيغة هذه ممكنة أم مستحيلة…؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى