فقط في لبنان!
إبراهيم وزنه
من غريب المنطق في بلدنا أنّه لطالما اختتمت النقاشات الدائرة حول مسألة واضحة المعطيات بعبارة «أنت في لبنان» وفيها دعوة صريحة إلى وقف الحديث والحوار، وتُقال هذه العبارة في سياق التشجيع على القبول بالخطأ ولو عن غير قصد، فمن المعيب عند بعض المتسلّطين والممسكين بمواقع القرار إظهار التعجّب أو حتى إبداء الرأي من قِبل أهل العلم والمعرفة. وبناءً على هذه العقليّة السائدة، مضافاً إليها التنوّع الديموغرافي السياسي المناطقي الطائفي الحزبي، لا بُدّ أن تصبح الأمور أكثر تعقيداً … فتكون الغلبة للباطل على الحق، ويتصدّر الخطأ ويغيب الصواب عن الساحة.
وفي إسقاط لهذه القاعدة «المأساويّة» على واقعنا الرياضي، نذكر بعض الوقائع غير الواقعية.
ـ فقط في لبنان، يجبر قائد الفريق الفلاني على ترك ناديه الذي ترعرع فيه وحلم بتوديع الملاعب في عرس اعتزاله أمام جماهير واكبته لأكثر من 20 عاماً، لمجرّد رضوخ الإدارة إلى رغبة المدرّب القادم لموسم أو موسمين أو ثلاثة! فينتقل القائد إلى فريق آخر، دامع العينين وفي قلبه غصة وعبارة واحدة «أخذوني لحماً وتركوني عظماً».
ـ فقط في بلادنا، تنظّم بطولة آسيويّة في لعبة جماعيّة، فيعمل رئيس اتحاد تلك اللعبة وحاشيته على حجب البطاقات الإعلاميّة عن عدد مِن الصحافيّين، من زاوية تصفية الحسابات والرؤية الحزبيّة … ورضوخاً لتمنّيات من أوصلوه إلى موقعه.
ـ عندنا فقط، نجد عائلة الإعلام الرياضي منقسمة إلى إطارين تنظيميّين، جمعية الإعلاميّين الرياضيّين واتحاد الإعلاميّين الرياضيّين، وخلف كلّ مجموعة داعمين وأصحاب غايات، والحرب الناعمة بين الطرفين ما زالت ناعمة لغاية اللحظة، ونداءات الجمع بينهما ما زال الصدى يردّدها على مسامع الطرشان الفرحين بالمعارك الدائرة.
ـ فقط في لبنان، يتمّ رسم علم لبنان على أرضيّة أحد أكبر ملاعب كرة السلّة، وخلال المباريات تدوس الأقدام على العلم المرسوم وسط تصفيق الجماهير، ربما لم ينتبه القيّمون لتلك الهفوة من منطلق الإعلان قبل لبنان، لكنّهم وعند لفت نظرهم سارعوا وبرّروا ووجدوا من يسمع لهم … وبالتالي يغفل أهل القرار عن محاسبتهم.
ـ فقط في لبنان، تتفنّن الجماهير المواكبة لفرقها في إطلاق هتافاتها السياسيّة والدينيّة والمناطقيّة مع التجريح الشخصي بحق الكثير من الرموز الوطنيّة والدينيّة، فالمدرّجات لإبداء الرأي وإطلاق المواقف وفشّ الخلق، وليست للتشجيع الحضاري كما تريدها الاتحادات الرياضيّة في تعاميميها التحذيريّة.
ـ فقط في لبنان، يستلم المواقع الإداريّة والرياديّة في الحياة الرياضية، من لجأ إلى الأحزاب معلناً الولاء وباصماً بالعشرة، لا بل أصبحت للأحزاب دوائر معنيّة بقطاع الشباب والرياضة تقرّر شكل ومضمون الاتحادات واللجنة الأولمبيّة.
ـ فقط في لبنان، يتواجه المنتخب الوطني مع أحد نظرائه، فنجد أنّ بعض اللبنانيّين يشجّعون الفريق الضيف على حساب منتخب بلادهم! لا تعجبوا فأنتم في لبنان.
.. وتطول لائحة السقطات والهفوات والنقاط السوداء، وبالمقابل يطول السكوت وغضّ النظر مع استفحال الأداء السلبي في الحياة الرياضيّة … نعم في هذا النفق المظلم تسير الرياضة اللبنانية … وطبعاً لن يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم.