تهديدات أمنية جدّية في لبنان أو «تنغيص» بالإنجاز؟
روزانا رمّال
على وقع زهوة النصر التي يعيشها اللبنانيون عنوة من بين شعوب الجوار احتفالاً بانتصار الجيش اللبناني على العدو التكفيري تظهر التهديدات المنسّقة والمرتّبة بالتوالي بين الدول الغربية الحليفة المتمثلة بكل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكندا محذّرة من مغبّة وقوع أحداث أمنية أو «عمل أمني»، كما سُمّي خلال الأيام المقبلة.
لا تستبعد مصادر متابعة لـ «البناء» أن تكون هذه التحذيرات نتيجة أرضية جديّة ومعطيات وصلت للقوى الأمنية اللبنانية تتمثل بضرورة أخذ الحيطة والحذر بعد اعترافات من عناصر إرهابية صارت بقبضة اجهزة الامن حول ما يشبه «الانتقام» أو «الثأر» لمطلوبين وإرهابيين اقتصت منهم الاجهزة اللبنانية، لكن المصادر نفسها ترجّح فرضية أساسية تضاف الى مسألة التهديدات الجدية وتتمثل بأن يكون «توقيت» هذه التحذيرات مقصود لجهة «تنغيص» الفرحة على اللبنانيين، حيث يعتبر جزء منهم أن هناك فضلاً كبيراً لحزب الله على إتمام عمليتي التحرير في جرود عرسال وجرود بعلبك. وهذا ما لا يتناسب مع تطلعات الدول الكبرى التي التزمت الصمت عشية التحرير وتصاعد العمليات في الجرود، اما وقد تم انجاز المهمة التي تتلاقى مع واشنطن تحديداً في التخلص من داعش مع علمها المسبق بدور حزب الله، فإنه من الضروري أن لا يبدو لبنان بالنسبة اليها بلداً ينعم بهدوء نتج عن فضائل تدخل حزب الله في القتال ما أدى لاستقرار جذب الزوار الى لبنان بنسبة عالية هذا العام أكثر من نسب دول مجاورة، وذلك منذ لحظة استتباب الامن السياسي والامن المحلي ضمن شراكة سياسية حكومية مع حزب الله.
وإذا صحت المعلومات، فإن السؤال بات يتمحور حول إمكانية هذه الدول استشراف مخاطر على رعاياها والتحذير من هجمات في امكنة تم تحديدها وتحديد زمانها أيضاً محصور ضمن دائرة الايام المقبلة بشكل بديهي. فكيف يمكن ان تحذر الدول من مخاطر هجمات في لبنان وهي غير قادرة على استشراف هذه المخاطر في بلادها، خصوصاً ان الولايات المتحدة وفرنسا تحديداً واجهتا ولا تزالان خضات أمنية إرهابية مقلقة من دون أن تتمكن الاجهزة الامنية في البلدين منع حصولها او حتى إرسال رسائل مباشرة لمواطنيهم حول ضرورة اخذ الحيطة والحذر في هذا المكان او ذاك، وهو الأجدر بها في هذه الحال؟
يلفت أنه ومع بدء الحديث عن الاستقرار في لبنان تعلو الاصوات الغربية، كي تؤكد العكس كلامياً، مع العلم ان التهديدات لم تغب يوماً وأن الاطراف اللبنانية كافة تدرك مخاطر وقوع اي حادث. فلبنان بلد امني بامتياز تحيط به اجهزة استخبارات الدول الكبرى ويعيش معه أكثر من 30 جهازاً أمنياً محلياً وأجنبياً. وهي حقائق لا تغيب عن شعبه. امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حذّر بدوره من إمكانية ان يقوم داعش بأي عملية انتقام، فهو اليوم تنظيم مهزوم وممكن أن يقوم بأي عملية ثأرية، وكان ذلك اثناء إعلانه عن الانتصار وتسميته التحرير الثاني.
الدول التي حذرت تدرك وقع هذ التحذير على السكان المحليين الذين اعتادوا على فكرة التوترات الامنية او امكانية وقوع اي حادث بأي وقت، لكن أكثر المتأثرين بذلك هم أولئك الذين ينظرون من الخارج الى استتباب الأمن والاستقرار في لبنان من اجل رسم صورة واضحة عن تصاعد او تضائل إمكانية التعويل على رفع الاستثمار او تحريك العجلة الاقتصادية التي تضررت بشكل كبير، خصوصاً قطاعات صناعية وزراعية واسواق كالسوق الإعلانية والإنتاجات المخصصة للتصدير البري من الزراعات اللبنانية عبر سورية والعراق والاردن.
الخشية، حسب المصادر نفسها، من أن تكون هذه التحذيرات مرتبطة باعتداءات ناتجة عن التطورات التي تعيشها سورية وآخرها التطور السياسي الكبير في استانة 6 وارد بشكل كبير، خصوصاً أن نتائج جولة استانة الاخيرة تشي بالتقدم الذي أحرزته الدول الاقليمية المحيطة بسورية مثل تركيا وإيران وروسيا وما يعنيه ذلك من اقتراب اختتام الملف، وصولاً لما اعلن عن خطة التهدئة في ادلب التي يفترض أن تشبه سابقاتها في المناطق المختلفة وردات فعل محلية واردة على الساحة اللبنانية التي لا تعتبر الساحة التي تضم حزب الله الذي ساهم بشكل وازن في هزيمة هذه التنظيمات وإسقاط مشروعها، مع العلم ان لبنان ليس الساحة الوحيدة المفترضة لتنفيذ اعمال انتقام او ثأر فأوروبا مهددة أكثر من اي وقت مضى بان تتصدر لائحة المناطق المتوترة في العالم بعد الهجمات التي طالت اكبر دولها فرنسا واسبانيا وبريطانيا بلجيكا والمانيا من دون أي إمكانية على الاستشراف من أجل الردع.
التهديدات التي اعتاد عليها اللبنانيون والتي تعمد الدول الغربية على التحذير بشأنها رعاياها في لبنان ليست تهديدات جديدة بالنسبة لبنان، وهي ليست أيضاً المرة الاولى التي تقوم السفارات المعتمدة في لبنان بنقل رسائل بلادهم أو توجيهاتهم، بهذا الاطار نحو الداخل اللبناني ليبقى على اللبنانيين عدم السماح لمن أراد الانتقاص من قيمة انتصارهم بالمبالغة حتى يتحول التحذير إلى « تهديد» بحرمانهم لحظات اليقين من فرادة وبطولات أبنائه الذين نجحوا في دحر الإرهاب عن الحدود اللبنانية.