الاقتصاد اللبناني… حقائق وأوهام
موسى فريجي
وجّه نائب رئيس تجمّع الإصلاح الاقتصادي في لبنان المهندس موسى فريجي كتاباً مفتوحاً إلى رئيس الحكومة سعد الحريري ضمّنه تشخيصاً موجزاً لما يعانيه لبنان من أزمات اقتصادية، وتأكيداً أنّ الحلّ لن يكون إلا بإيلاء كلّ الاهتمام للقطاعات الإنتاجية.
وفي ما يلي نص الكتاب المفتوح:
كَثُرت تعليقاتكم في الآونة الأخيرة عن اهتمام مجلس الوزراء بالشأن الاقتصادي والمعيشي وفرص العمل دون أية إشارة إلى الحلول الناجعة.
منذ 1992 والمشكلة الاقتصادية تتفاقم سنةً بعد سنة. مَردُّ ذلك يعود الى اعتماد الحكومات المتعاقبة على العولمة والانفتاح والتبعيّة لإملاءات الاتحاد الأوروبي وللانجرار للتوقيع على اتفاقيات التبادل التجاري الحرّ مع دول متعدّدة وعلى اتفاقية المنطقة الحرّة العربيّة والى التهيئة للانضمام إلى منظمة التجارة الدولية.
كانت نتائج هذه السياسات:
ـ إقفال العديد من الصناعات والتوقف عن زراعة العديد من المنتجات الغذائية.
ـ ارتفاع العجز التجاري بصورة متصاعدة وقد تعدّى الـ 16 مليار دولار سنوياً.
ـ بطالة فاقت حدود 30 .
ـ هجرة الرّساميل مع الخبرات.
ـ هجرة الكفاءات وخرّيجي الجامعات التي وصلت إلى 25000 سنوياً.
ـ غياب تراكم الخبرات في القطاعات الإنتاجيّة.
ـ اعتماد غير متوازن على السياحة والخدمات.
تحتوي معظم البيانات الوزارية على عبارات خجولة تتردّد دون فائدة حيال الشأن الاقتصادي والمعيشي وغالباً ما تكون عن «دعم القطاعات الإنتاجيّة»، دعم ماذا وكيف يا حسرتي؟ إنّ دعم الصادرات الزراعيّة هدرٌ كبير يذهب الى المُصدِّرين دون أيّ نفع للمزارعين.
إنّ حريّة التبادل التجاري المعتمدة، وتخفيض الرسوم الجمركيّة على المستوردات إلى معدّل 5 بناءً لإملاءات الدول الغربيّة، ما هي إلا حيلة للتجارة باتجاه واحد هو التصدير إلى لبنان لا يقابله تصدير من لبنان إلا النذر اليسير. لقد فاقت وارداتُنا العشرين مليار دولار بينما تدنّت صادراتُنا إلى ما دون 3 مليار دولار سنوياً.
يتباهى المسؤولون في الوزارات المختلفة بمقابلة مندوبي الدّول الغربيّة لمسايرتهم وتأمين رغباتهم واعتماد نصائحهم وحتى إملاءاتهم بينما يعجز أصحاب المصالح اللبنانية من الحصول على موعد مع أحدهم وإنْ حصلوا فلا أُذن صاغية لهم كلّ فرنجي برنجي وإبن البلد فرجي .
من الواضح أنّ معظم المسؤولين عن الشأن الاقتصادي، يعتبرون أنّ هجرة الكفاءات تجلب تحويلات تقارب الثّمانية مليار دولار سنوياً. إنهم موهومون بهذا الإنجاز الذي يجعل لبنان بلداً ريعياً غير منتج وقد يتسبّب بتفكّك العائلات. فلينظروا كيف تحوّلت «إسرائيلـ«، الدولة العدوّة، إلى بلد صناعي من الدّرجة الأولى عن طريق استقطاب اليهود من كلّ أصقاع المعمورة للمساهمة بورشة البناء والتّعليم والتطوّر.
لينظروا إلى كندا وأستراليا والولايات المتّحدة الذين نحوا ذات المنحى بترغيب المتعلّمين وأصحاب الخبرة واستقطابهم للمساهمة في ورشة التّصنيع والزّراعة والطّب والهندسة وغيرها أيّ توزيع مصادر الدّخل.
ربّ قائلٍ إنّ الثمانية مليارات دولار الواردة سنوياً من القوى العاملة خارج لبنان هي ضروريّة لِتوفير جزء من احتياجات لبنان للاستيراد. لقد خَفِي عن هؤلاء أنّ تلك هي العلّة وليست الحلّ، إذ أنّ مصير هذه العملة الصعبة هو الاستيراد وليس الاستثمار في لبنان. لو ظلَّ المغتربون في لبنان ووجدوا فرص عمل لهم أو فرص استثمار، لكانوا وفّروا على لبنان الاستيراد بذات القيمة أو أكثر وساهموا في تنمية الاقتصاد وفي نقل لبنان من دولة ما دون النامية إلى نامية ثمّ متقدّمة فصناعيّة مزدهرة مع مرور الزمن.
إنّ الخروج من الضائقة الاقتصاديّة والاجتماعيّة في لبنان يكمُن في تخفيف البطالة إلى حدود الـ 5 . وهذا لن يحصل إذا لم تتوفّر فرص العمل التي تكمن في تحفيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجيّة بظلّ تخمة القطاعات السّياحية والخدماتيّة. أمّا التّحفيز في القطاعات الإنتاجيّة فيتطلّب إيجاد المناخات الملائمة للإستثمار فيها. وهذه تنحصر في حماية كلّ ما ينتَج أو يمكن أن ينتَج في لبنان حماية جمركيّة فاعلة.
كي تتحقّق هذه الأمنية لا بدّ للبنان أن يلغي كافّة إتفاقيّات التّبادل التّجاري الحرّ مع الدّول الإفراديّة أو الجماعيّة ويعتمد سياسة حريّة التّبادل التّجاري بدلاً من تقييد ذاته بإتفاقيات التّبادل التّجاري الحرّ دون قيود.
لقد ضاقت فرص العمل وحتّى الهجرة أصبحت صعبة وعليه فإنّ الدولة تحشُر المواطنين في الزّاوية، الأمر الذي سوف يُنتِج انفجاراً وفوضى لا تُحمَد عقباها. فالحاكم الرشيد هو من يسعى لتوفير العيش الكريم للمواطنين ويُبعد عنهم الفقر والذّل والقهر وحتّى التطرّف واعتناق الإرهاب.
إنّها صرخة لعلّها تعطي ثمارها. وقد أُعذِر من أَنذر…
نائب رئيس تجمّع الإصلاح الاقتصادي
في لبنان
mfreiji tanmia.com.lb
www.musafreiji.com