نقاط على الحروف
نقاط على الحروف
دولة الرئيس… المطلوب اعتذار
ناصر قنديل
– ثمة حادثة وفكرة شغلتا اللبنانيين وستشغلانهم لزمن غير قصير، والمصدر واحد هو الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي.
– الحادثة هي قيام الأمن العام اللبناني بتوقيف شادي المولوي بموجب إحاطة دولية بوصول إرهابي خطير يحمل الجنسية اللبنانية إلى مطار بيروت هو شادي المولوي، ويومها بدا أنّ المولوي بسرعة البرق يتحوّل إلى قضية تلهب الشارع على رغم كونه اسماً مغموراً من قبل لدى رجال الأمن والسياسة في لبنان، وانتهى الأمر بتدخل الرئيس ميقاتي وإصداره التوجيهات بالإفراج عن المولوي وصولاً بتأمينه بسيارته إلى طرابلس وملاقاته من حليف ميقاتي الوزير محمد الصفدي احتفالاً بحرية مواطن طرابلسي مظلوم على يد الأجهزة الأمنية، وتحوّلت شوارع المدينة يومها إلى عرس لم يلقه أبطال المقاومة العائدون من معارك المواجهة مع «إسرائيل» منتصرين، ولا لقيه الأسرى المحررون من سجون الاحتلال، وتبارى الحضور وفي مقدمهم نواب تيار المستقبل وقادة المجموعات التكفيرية بالتهجم على مدير عام الأمن العام واتهامه بتنفيذ أجندات خاصة تارة لحساب سورية وطوراً لحساب حزب الله مسخراً مسؤوليته الحكومية لحسابهما.
– الفكرة هي نظرية النأي بالنفس عن الصراع في سورية، التي يعود الفضل في ابتكارها إلى الرئيس نجيب ميقاتي، والتي رفعت في وجه مشاركة حزب الله في القتال في سورية ضدّ المجموعات المسلحة التي كان واضحاً في التقارير الأمنية والديبلوماسية والإعلامية أنّ أغلبها ينتمي إلى المجموعات التكفيرية، وباسم هذه النظرية التي حملها الرئيس السابق ميشال سليمان شعاراً، وحوّلها تيار المستقبل وقوى الرابع عشر من آذار إلى يافطة، أعلنت حرب شعواء على حزب الله واستقالت حكومة الرئيس ميقاتي وسُمّي الرئيس تمام سلام لتشكيل حكومة جديدة، وبقي لبنان قرابة السنة بلا حكومة بحجة أنّ حزب الله انتهك النظرية الميقاتية ولا حكومة يشارك فيها معه قبل انسحابه إلى بيت الطاعة الميقاتي.
– في المرتين كان المبتكر والمحرك هو الميقاتي، وكان الذي يقود الحراك هو تيار المستقبل، والذي يصفق هي المجموعات التكفيرية، وفي المرتين كانت حجة الرئيس ميقاتي تتوزع بين الدفاع عن فكرتيه ببراءة المولوي وصحة النأي بالنفس، والتذرّع بشارعه السياسي والانتخابي والخسائر التي ستصيبه إنْ لم يتخذ هذه المواقف.
– مرّ من الزمن وحدث من التطورات ما بات يسمح بكشف حساب ولو متأخراً لكنه ضروري، لأنّ الحادثة والفكرة حاضرتان اليوم بقوة، وربما ستحضران أكثر في الأيام المقبلة.
– ظهر شادي المولوي قائداً لـ»داعش» الشمال، وصار مطلوباً لكلّ أجهزة الأمن في لبنان وخارجه، وهو اليوم قنبلة موقوتة في طرابلس والشمال، ويستعدّ مع مناصريه لمواجهة مع الجيش اللبناني يتوعّد بأنها ستكون أمّ المعارك وتفجّر طرابلس ولبنان، فهل ثبت أنّ اللواء عباس إبراهيم يستغلّ منصبه الحكومي لأجندات خاصة؟ أم أنّ التدخل يومها للإفراج عن المولوي كان استغلالاً لمنصب ميقاتي الحكومي لأجندة خاصة، وإذا كانت الفكرة ببراءة المولوي قد سقطت فهل ثبت أنّ مسايرة الميقاتي لمزاج سياسي يحمي التكفيريين أكسبه شعبية خاف خسارتها؟
– خرج رؤساء أميركا وفرنسا وملك السعودية ورؤساء حكومات دول كبرى كبريطانيا يعلنون الحلف لحرب على الإرهاب في سورية والعراق، ويعتبرونها دفاعاً عن أمن بلادهم، ووصل الملك السعودي إلى القول ما لم نقاتل هذا الإرهاب اليوم ويقاتله العالم معنا فبعد شهر سيصل إلى أوروبا وبعد شهرين سيكون في أميركا، وعلى رغم أن الرئيس ميقاتي استخدم هذا الكلام العربي والعالمي للردّ على مشاركة وزير الخارجية اللبناني في مؤتمر جدة متسائلاً: كيف يُسأل حزب الله عن قتاله في سورية ولا يُسأل كاميرون وأوباما، وتجاهل كلام الملك السعودي، محاولاً تفسير النأي بالنفس بكونه رفضاً للأحلاف والمشاركة بكلّ أبعادها، فالقبول بحرب الغير البعيد والمشاركة بها خروج عن النأي بالنفس.
– الذي يحاول الرئيس ميقاتي فعله للدفاع عن نظريته لم يعد مجدياً، فالاستنفار الدولي والعربي في مكانه ومشكلتنا معه هي أنه غير جدّي وغير صادق، لأنّ القول بأنّ الإرهاب يتمدّد في الفراغ كالغاز، كلام قاله باراك أوباما، لكنه في مكانه، والدليل هو أنّ «داعش» أعلن بلسان أميره التحوّل إلى خلافة تشمل بلاد المسلمين جميعاً، وبدأ بإعدام رهائن من كلّ الجنسيات، ودخل مقاتلو «داعش» والنصرة إلى عرسال اللبنانية في اعتداء موصوف على الجيش اللبناني، وخطفوا جنوده وذبحوا منهم حتى الآن ثلاثة جنود، فهل حدث هذا كله للعالم والمنطقة ولبنان بسبب مشاركة حزب الله في القتال في سورية، أم أنّ الإرهاب الذي لا تذهب إليه سيأتي إليك، كما يقول رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون؟
– المنطق يقول إنّ كلام أوباما وكاميرون أصحّ وأسلم من كلام ميقاتي، وإنّ ما كان يجب قوله للملك السعودي من ميقاتي، الذي لم تنفع كلّ نظرياته عن النأي بالنفس لنيل رضاه، يا جلالة الملك طالما عندك روزنامة تمدّد «داعش» ما لم نقاتلها فهل يمكن أن تخبرنا في الطريق إلى أوروبا بعد شهر متى سيكون موعد لبنان، وإذا كان العالم مدعوّاً عن بعد آلاف الكيلومترات لقتال «داعش» و»النصرة» فماذا عن حزب الله الذي يجلس الدواعش على درج منزله وعتبات باب البيت؟
– المنطق يقول يا دولة الرئيس، إنّ نظرية النأي بالنفس قد سقطت مع براءة شادي المولوي، وكلاهما يستحق الاعتذار، فالخسائر التي تسبّبت بها لسورية وحزب الله واستطراداً للبنان الذي تحبّ ونحبّ، لا يمكن قياسها بالأرباح التي حققتها سياسياً ورئيساً للحكومة في كنف العلاقة بهما… ومن دون أن تربح شيئاً للأسف، الاعتذار يا دولة الرئيس أقلّ الواجب.