حطيط وجابر: ألزم العدو قبول الحقيقة وثبّت توازن الردع
محمد حمية
لا يزال الحديث الصحافي الذي أدلى به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله منذ أيام محط قراءة وتحليل الخبراء العسكريين والاستراتيجيين لما يحمله من رسائل أمنية وسياسية ما أربك القيادة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، لا سيما تبنيه عملية مزارع شبعا التي جاءت بحسب السيد كجزء من الرد على الغارة الصهيونية في جنتا البقاعية، التي استهدفت مركزاً لحزب الله على الحدود اللبنانية – السورية، إضافة إلى إعلانه أن المقاومة الآن أقوى بكثير من العام 2006 على جميع المستويات، أما البارز في حديثه كان إعلانه الواضح والصريح بأن مرحلة خطر سقوط النظام في سورية قد انتهت.
للمرة الأولى يكشف الأمين العام لـ»حزب الله» السيد نصرالله في حديثه الصحافي الأخير «أن عبوة مزارع شبعا التي استهدفت دورية إسرائيلية في منتصف آذار الماضي، «هي من عمل المقاومة»،وقال إنها جزء من الرد على الغارة الإسرائيلية. ورأى أن الإسرائيلي»فهم الرسالة جيداً، فالقصة هنا ليست قصة قواعد اشتباك، وإنما قصة ردع».
فما هي الأسباب التي دفعت حزب الله للصمت كل هذه المدة لإعلان تبني العملية؟
الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور أمين حطيط يرى في حديث لـ»البناء» «أن الهدف من ذلك :
« إن حزب الله لم يحجم عن تبني العملية، ولكنّه كان يؤخّر ذلك بالإعلام تاركاً للعدوّ الإسرائيلي المهل للتخبّط إزاء ذلك، مضيفاً أن من قام بكمين اللبونة أو كمين مزارع شبعا حزب الله، وجاء التأكيد من الخبراء والباحثين الاستراتيجيين. إن عملاً كهذا لا يمكن أن يقوم به إلا المقاومة اللبنانية، و بالوقت الذي يترك حزب الله للعدو فرص التخبط في ما يحتفظ بالأفلام والوثائق الثبوتبة التي تثبت قيامه بهذه العملية، ويضيف حطيط «أيضاً أراد أن يلزم العدو بأمرين، الأول: قبول الحقيقة و»نسبه الفضل لأهله» والأمر الثاني القبول بهذه الحقيقة التي تثبّت معادلة توازن الردع فيكون الحزب قد انتصر على الوجهين، فيما التسرع في الإعلام والبيان المبكر قد يفقد الحزب شيئاً من المنافع التيّ يكتسبها»
معادلة الصواريخ الجديدة!
السيد نصرالله أعلن في موضوع قدرة المقاومة «أنها قطعاً هي أقوى بكثير مما كانت عليه في العام 2006. هذا ليس فيه مبالغة، وإنما هو حقيقة، إن لجهة القدرة البشرية، العدد، أو لجهة الكفاءة القتالية، لجهة التدريب، وذلك حتى قبل الأحداث في سورية».
فهل يعني ذلك أن حزب الله رفع من قدراته العسكرية؟ وكيف سيؤثر على التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل؟ وهل سيشكل التوازن الجديد ردعاً لإسرائيل أم اندفاعاً نحو الحرب لكسره؟
يؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء هشام جابر «أن اسرائيل لن تفكر بهذا الوقت الذي تخشى من رد المقاومة بأي حرب عسكرية، ولو كان غير ذلك لكررت إسرائيل عدوانها الذي قامت به بــ 2006»،مؤكداً أن قدرات المقاومة اليوم هي أعلى بــ 3 إلى 4 أضعاف من قدراتها بــ 2006 حيث كان العدو الإسرائيلي يقدر صواريخ حزب الله بـــ 20 ألف صاروخ ، أما اليوم فحزب الله يملك ما يقارب 60 ألف صاروخ، إضافة إلى ما تخشاه «إسرائيل» من امتلاك حزب الله لصواريخ أرض- جو أو أرض- بحر».
المقاومة من الدفاع إلى الهجوم
حطيط يرى في هذا الموضوع «أنه في عام 2006 كانت صواريخ حزب الله تصل إلى 120 كم من الحدود، أما الآن فصواريخ حزب الله تغطي كامل فلسطين المحتلة. هذا في ما يتعلق بالقدرة النارية ، أما في ما يتعلق بإدارة العمليات العسكرية فإنه عام 2006 مارس حزب الله العمل الدفاعي المتحرك لكنه لم يقم بعمليات هجومية، أما الآن حزب الله يمتلك قدرات عسكرية هجومية قد ينفتح من خلالها على عمليات هجومية في المناطق المأهولة، وهذا ما تدركه إسرائيل جيداً، خصوصاً بعد مراقبتها للإنجازات التي حققها حزب الله في القلمون إلى جانب الجيش السوري، وبالتالي القدرات العسكرية التي يمتلكها حزب الله سواء بالطاقة البشرية أو النارية هي أعلى من قدراته بـ 2006، وعندما يؤكد السيد ذلك هذا من شأنه أن يرفع منسوب الرعب لدى إسرائيل» .
السيد نصرالله يختصر المشهد الإسرائيلي المأزوم بتذكيره بما قاله رئيس أركان جيش العدو «عندما ستبدأ الحرب المقبلة فإن أول صاروخ يطلقه حزب الله سيدخل إلى نافذتي» وهو يقصد أن لدى المقاومة في لبنان صواريخ دقيقة، تصيب تل أبيب وتدخل إلى نافذة مكتب رئيس الأركان.
ويضيف السيد قائلاً:»وسواء كان هناك قتال في سورية أم لا، إذا فرضت «إسرائيل» حرباً على لبنان فإن المقاومة في لبنان ستقاتل أفضل بكثير مما قاتلت في العام 2006 بالرغم مما يجري في سورية، وهذا محسوم تماماً»،
الرهان الإسرائيلي على سقوط النظام السوري
لم يخف السيد نصرالله قلق حزب الله من ما يجري في سورية منذ بداية الأزمة، ولكنه الآن بدا مرتاحاً لناحية الوضع العسكري والسياسي في سورية، وكان واضحاً بالتعبير عن هذا الارتياح بالقول»إن مرحلة إسقاط النظام والدولة في سورية انتهت».
فما هي المعطيات والوقائع التي استند إليها السيد نصرالله في هذه القراءة للمشهد السوري؟ وكيف ينتهي هذا الخطر في ظل استمرار معارك كسب والحشد الكبير من التنظيمات المسلحة فيها لا سيما وأن تركيا تعتبر رأس الحربة في جبهة الشمال؟!.
يضيف حطيط رداً على هذا السؤال بالقول: « إن التعبير الذي استخدمه السيد فيما يتعلق بزوال الخطر على النظام السوري» هو تعبير ملطف، والتوصيف الاستراتيجي والعسكري لذلك هو أن العدوان على سورية والذي يهدف إلى إسقاط النظام قد فشل ،لأن في المفهوم العسكري ينتصر المدافع عندما يمنع المهاجم من تحقيق أهدافه.»
ويؤكد حطيط «أن هذا الفشل له تداعيات على «إسرائيل» التي كانت تراهن على نجاح هذا العدوان ومن هذه التداعيات هو إجبارها و دفعها إلى مسارات جديدة لم تكن تتصور أن تدخل بها وهذا ما يفسر ما أكدته جبهة المقاومة من أن فشل العدوان على سورية سيكون له أثاره السلبية التي ستنعكس على «إسرائيل» مستقبلاً».
اللواء جابر يعلق على هذه النقطة بالقول:»إن التقارب الإيراني – الأميركي شكل ضربة قوية لـ «إسرائيل» التي كانت تراهن على ضربة عسكرية لإيران وسورية، وأيضاً فشلت بإسقاط النظام السوري وبتقسيم سورية، واقتناع الجميع بأن الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل، وكل هذه العوامل أدت إلى استبعاد فرضية سقوط النظام السوري»
السيد نصرالله يستطرد بهذا الموضوع قائلاً«يستطيعون أن يعملوا حرب استنزاف، طالما هناك دول لا تزال تموّل وتسلح وتحرّض وتدفع بهذا الاتجاه، ولكن ليس في الأفق ما يظهرأن المعارضة قادرة على القيام بحرب كبيرة، والذي يحصل في اللاذقية وكسب لا يمكن أن نسميه حرباً كبرى».