مبدأ الجودة يصوّب البوصلة نحو قيام حكم رشيد في لبنان
د. لور أبي خليل
يعرّف تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002 الحكم الصالح بالحكم الذي يستهدف تحقيق مصلحة الأفراد في مجتمع معيّن وعندما تتحقق هذه المصلحة يصبح الفرد عندئذ فاعلاً اجتماعياً يتحرّك ضمن نسق من المؤسسات
المجتمعية المعبّرة عن تأمين حقوقه ضمن أطر الرقابة الاجتماعية والمساءلة التي تقوم بها المؤسسات المختصة. فإذا أردنا معرفة الخصائص المرتبطة بالحكم الصالح لا بدّ لنا أن نتعرّف إلى خصائص الحكم السيّئ التي تبدأ بعدم تطبيق القانون أو عدم استعمال معيار العدالة في تطبيقه، والتي تظهر أيضاً عندما تتحكم فئة صغيرة في الدولة في الحياة السياسية. وهذا ما يعرف عادة بحكم الأوليغاركات فتحصل هذه المجموعة على موارد الدولة بدون وجه حق، او عندما يحكم المسؤولون الحكوميون الإدارات العامة دون الفصل بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. كما انّ الحكم السيّئ يمكن ان يحصل عندما يكون هناك أولويات تمارسها السلطة تتعارض مع مفهوم التنمية المستدامة. إنّ وجود أيّ من هذه الصفات يعني انّ الحكم في الدولة غير رشيد ويكون تأثيره مدمّراً على الحياة الاجتماعية ومرافقها، وتكون هناك حاجة ملحّة للتغيير والتعديل لذا يفترض على الدولة أن تستنهض نخبها كافة، للبدء بإرساء معايير الحكم الرشيد.
وهنا يطرح السؤال في لبنان ما هي الأولويات التي يفترض على الدولة اعتمادها لإرساء معايير الحكم الصالح؟
إنّ الحكم الصالح هو الذي يرتكز على المؤسسات الدستورية القوية، حيث ترتبط المؤسسات بأسس المساءلة مع التوازن في صلاحيات السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، بحسب ما ورد في الدستور، إضافة الى تمتّع كل من هذه السلطات باستقلال نسبي في عملها. هنا يفترض بالسلطات الثلاث أن تنصرف الى منظومة الحكم التي تدعم وتحفز النخب وتوسّع قدراتها للمشاركة في الحياة السياسية، وذلك بهدف بناء مجتمع سليم قوي يملك خصائص مجتمع المعرفة والحداثة.
بالرغم من توفر هذه العناصر في لبنان الا انّ هذا الأمر لم يساعد في بناء مجتمع صحيح، ويعود ذلك لتجذر الطائفية في المؤسسات والإدارات في الفعل وفي الخطاب، مما يستدعي في هذه الحالة العودة إلى مبدأ الجدارة وإلى توفير بنى سياسية واجتماعية أسسها الحرية والمشاركة السياسية والمساءلة والشفافية والتي سوف تؤدّي حكماً إلى الحكم الرشيد.
تظهر عندئذ الحاجة إلى معرفة الأولويات لإرساء معايير الحكم الصالح التي يفترض أن تبدأ في إرساء خصائص الدولة البوليسية عبر ضرورة ضمان الأمن الشخصي للمواطن في لبنان. وهذه الضرورة تدخل في الاستراتيجية التي يتحدث عنها دائماً رئيس الجمهورية في مجمل خطاباته والذي وضع حيّز التنفيذ في الدور الفاعل التي تقوم به الأجهزة الأمنية، إلا أنّ هذا الأمر وحده يبقى ناقصاً إذا لم يتمّ تفعيل دور السلطة التشريعية عبر إصدارها تشريعات تكفل حقوق المواطن في الحصول على حقوقه في حرية التعبير وعلى حقوقه في إنجاز كافة المعاملات الرسمية دون أن يلجأ المواطن إلى استجداء المسؤولين الحكوميين الطائفيين بامتياز، والذين لا ينجزون واجباتهم إلا بما يقتضي إرضاء زعمائهم، وانّ الوصول إلى ما يعرف بحسن الاستجابة ايّ ان تقدم المؤسسات العامة الخدمة دون أيّ استثناء هو الركيزة التي تساعد في الانتقال إلى المجتمع المدني اللاطائفي واللامذهبي واللامناطقي.
وهنا أوجه رسالتي هذه إلى فخامة رئيس الجمهورية لثقتي الكاملة بعلمانيته وبحكمته، وأدعوه إلى إنشاء مكتب للشكاوى يضمن للمواطن حقه في المراجعات، عندما يكون هناك ايّ تأخير في إتمام المعاملات او عند وجود أيّ ظلم لحق به من قبل أيّ موظف، وأدعوه أن يسعى إلى تعديل عمليات التنفيذ الإداري أو أطر القرارات، وذلك بإنشاء جهاز تابع له مباشرة يراجع في كافة القرارات التي تلحق الأذى بالمواطن وتحاسب القرارات التعسفية. كما اقترح على وزير التربية إدخال برامج تربوية لتفعيل قيم العدالة الاجتماعية بما يكفل حرية تكوين الأحزاب والجمعيات والاتحادات والنقابات وحرية الاشتراك في الحياة السياسية على أسس الديمقراطية وعلى قاعدة المساواة الاجتماعية.
ومن خلال تنفيذ هذه الاقتراحات نكون قد أسّسنا لدعائم الحكم الصالح الذي يستكمل في المعايير التالية: اعتبار القانون مرجعية للجميع دون استثناء وهذا ما يعرف بـ «سيادة القانون» ويتمّ ذلك طبعا كما أكدنا سابقاً من خلال الاستقرار السياسي والسلم الأهلي وبناء المؤسسات الديمقراطية التي تسمح بتداول السلطة سلمياً ودورياً وعبر تحقيق حاجات المواطنين مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة حماية المستهلك دون المسّ بالجودة والكفاءة. ولا ننسى أهمية مبدأ المساواة ونعني توفير الفرص للجميع لتحسين رفاهيتهم ولتوافر العدالة الاجتماعية. وكلّ ذلك يتمّ عبر وضع سياسات اجتماعية فاعلة تضمن الخدمات الاجتماعية للجميع وخاصة للطبقات الفقيرة، لأنه لا بدّ عند وجود الإرادة في تنفيذ الحكم الصالح امتلاك رؤية استراتيجية شاملة تسعى للتنمية المستدامة ولرسم استراتيجيات لعملية التطوير المجتمعي والحكم الصالح.
إنّ كلّ الذي ورد لا يتحقق بشكل فعلي، اذا لم يشارك المواطن في لبنان في صناعة القرار وأن يقتنع بمعايير المجتمع المدني الذي يفرض التكامل بين المواطن والدولة ويحفز تفعيل دور الفرد عبر مشاركته الفعالة في الحياة الاجتماعية والسياسية لنصل الى ترسيخ الشرعية السياسية والى الحصول على حكم رشيد.
دكتورة في العلوم السياسية والإدارية، باحثة وخبيرة في شؤون التنمية الاجتماعية ومكافحة الفساد