روسيا وسورية

حميدي العبدالله

حافظت العلاقات السورية الروسية على روابط إيجابية حتى عندما انهار الاتحاد السوفياتي وتسلّم مقاعد السلطة في الكرملين زعماء أيّدوا الغرب في سياساته، حتى وإنْ كانت هذه السياسات على حساب المصالح والنفوذ التاريخي لروسيا في مجالها الحيوي.

صحيح أنّ روسيا توقفت عن توريد الأسلحة إلى دمشق على النحو الذي كان عليه الحال في العهد السوفياتي، ولكن العلاقات ظلت إيجابية، والصلات الاقتصادية وحتى العسكرية، استمرت وإنْ بمستوى أقلّ مما كانت عليه في السابق.

بعد وصول الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين بدأت الحياة تعود من جديد إلى العلاقات السورية الروسية وتستعيد بعض من عناصر ثباتها وديمومتها، سواء في المجال الثقافي، أو في المجال السياسي، وبعد أول مواجهة بين روسيا وبين الغرب في عام 2008 شمل التطور في العلاقات السورية الروسية المجال العسكري، وعلى الرغم من أنّ سورية كانت في ذلك الوقت تمرّ في أحدث حلقة من حلقات المواجهة مع الغرب، إلا أنّ روسيا وقفت إلى جانب سورية وتجلى ذلك في مجالين أساسيّين، المجال السياسي بتولّي روسيا دور الضامن لمثول شهود سوريين أمام لجنة التحقيق الدولية بحادثة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، والمجال العسكري باستئناف روسيا إبرام عقود تزويد الجيش السوري بالأسلحة التي تمكّنه من تعزيز قدراته الدفاعية.

بعد «الربيع العربي» وسيطرة الجماعات الإسلامية المتشدّدة التي تشكل تهديداً لكثير من دول المنطقة، ولروسيا على وجه الخصوص، بسبب العلاقات القائمة بين هذه التنظيمات وبعض الجماعات المتشدّدة التي تنشط في بعض أنحاء روسيا، ولا سيما في مناطق الحكم الذاتي الروسية ذات الأغلبية الإسلامية، تلقت العلاقات الروسية السورية دفعاً جديداً على قاعدة تقاطع المصالح في مواجهة التحالف بين الحكومات الغربية ودول المنطقة التي تدور في فلكها والتنظيمات الإسلامية المتشدّدة التي باتت تشكل تهديداً مشتركاً للأمن القومي الروسي، كما مثلت تهديداً وجودياً لسورية، وهذا المعطى هو الذي أدّى إلى استخدام روسيا للفيتو ثلاث مرات ضدّ مشاريع قرارات غربية في مجلس الأمن قبل انفجار الأزمة الأوكرانية.

اليوم، وبعد انفجار الأزمة الأوكرانية، وفرض الغرب عقوبات ضدّ روسيا تهدّد أمنها القومي والتعامل معها بازدراء وليس كشريك ندّي في إدارة الشؤون الدولية، انتقلت العلاقات السورية الروسية إلى مستوى أكثر تطوّراً مما وصلت إليه في أي فترة سابقة، وفي هذا السياق من غير المستغرب التصريحات التي أدلى بها مصدر في السفارة الروسية في الولايات المتحدة، والتي أكد فيها أنّ أي محاولة للاعتداء على سورية من قبل قوات التحالف التي تشن غارات ضدّ «داعش» و»النصرة» في سورية ستقود إلى إرسال قوات روسية إلى المنطقة، ولا سيما البحر الأبيض المتوسط قرب السواحل السورية، وستقوم موسكو بتزويد سورية بطائرات حديثة وأسلحة صاروخية تمكنها من الدفاع والردّ على أي اعتداء خارجي على سيادتها وعلى مواقع جيشها وبنيتها التحتية.

لا شك أنّ مثل هذا المستوى من التعاون لم تصل إليه العلاقات السورية الروسية في ذروة تطور هذه العلاقات في منتصف عقد الثمانينات عندما تم توقيع معاهدة التعاون الاستراتيجي بين سورية والاتحاد السوفياتي، وسبب ذلك مستوى العدائية الغربية لروسيا وتهديد مصالحها الحيوية في أوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى