الحريري لن «يُصعّد» وباسيل شجاعة أو تحدٍّ؟
روزانا رمّال
قبل أن يأتي ردّ وزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق الذي وعد به إثر اعتراضه على لقاء جرى بين وزير الخارجية اللبناني بنظيره السوري على هامش أعمال الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، جاء رد وزير الخارجية السوري وليد المعلم مساء أمس، معلقاً على ما قام به باسيل والمقصود الاجتماع معه الذي لاقى اعتراض خصومه واصفاً اللقاء بـ «الطبيعي والذي تفرضه حقيقة التاريخ والجغرافيا».
لكن الجغرافيا التي فعلت فعلها في إعادة الامور تدريجياً الى نصابها بناء على طرد التكفير والتغيير الاستراتيجي الملحوظ لا تزال بعيدة بمفهومها وبديهيتها بما تفرضه على شعوب المنطقة، عند بعض المسؤولين اللبنانيين الذين لا يزالون يعتبرون أن أمراً بحجم إعادة العلاقات مع سورية لا يبدأ من لبنان، بل إن لبنان هو آخر من تجب عليه إعادة العلاقة مع النظام الذي يرأسه «الأسد».
باسيل الذي يدرك جيداً أن مسألة لقاء وزير الخارجية السوري في سورية هو أمر صعب، نجح في استغلال مناسبة أممية تأتي سلسلة اللقاءات فيها على هامش اعمال الجمعية العامة بإطارها الطبيعي عوضاً عن زيارة رسمية واضحة التحضيرات والالتزامات الرسمية. وهو بذلك وضع تحدّي الخروج عن سياسة الحكومة في ما يحتمل التأويلات المتعددة. فباسيل بنهاية المطاف هو رئيس التيار الوطني الحر الذي لا يُخفي سياساته الواضحة تجاه سورية والرئيس عون بدوره لا يُخفي دعمه للجيش السوري وتشديده على فكرة مكافحة الإرهاب وضرورة تكريس الجهود بين حكومات المنطقة كلها من أجل التخلص من هذه الأخطار. هذا بالإضافة الى عدم تساهل عون مع مبدأ اللغط بين دعم المعارضة المسلحة والنظام الحالي الذي يحمل بالنسبة إليه فارقاً كبيراً.
باسيل الذي أتقن تحدّي المعترضين، نجح أيضاً في التناغم مع أجندة أهدافه مركزاً على هدف واحد في حركته السياسية والاغترابية كلها منذ أسبوع حتى هذه اللحظة. فكل نشاط وزير الخارجية اللبناني أكان في لاس فيغاس وقبلها في الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبلهما في بيروت تمحور حول التخطيط لدرس ملف إعادة النازحين ورفض كامل للتوطين في لبنان أياً كانت الظروف. وهو الأمر الذي يأتي بشكل منسجم لا يجعل من لقاء باسيل المعلم لقاء مفتعلاً، بل لقاء ممهّداً لتنسيق من اجل مصلحة محددة أبعد من تحدي الداخل.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه المصادر عن اعتبار الموقف الاحتجاجي، حسب وصف المستقبليين لوزير الداخلية نهاد المشنوق واعتذاره عن السفر إلى فرنسا برفقة وفد رئيس الجمهورية «غيمة صيف عابرة»، فإن اللقاء الذي جمع وزيري خارجية وليد المعلم وجبران باسيل في نيويورك بالنسبة لمصادر تيار المستقبل لن تؤدي الى تطور الأمور او تعقيدها. فلا توجد نية للحريري بإيصال الأمور إلى نقطة اللاعودة.
أوساط متابعة للأزمة تجزم لـ «البناء» بأن الحريري الذي دخل الصفقة الرئاسية لم يكن يمانع أن يمارس كل طرف من الاطراف السياسية قناعاته، ولم يكن شرط المشاركة بالحكومة منوطاً بذلك. وهو اتفق مع حزب الله وهو رأس حربة الصراع حول سورية ومشارك بالقتال فيها أن هناك خلافاً على الملفات الخارجية وأنها لن تعيق تماسك الحكومة. وعلى هذا الأساس لن تصل الامور لحد التلويح بفرط عقد الحكومة إلا إذا كان هناك تلميح خارجي لذلك. وهو مستبعد في هذه الظروف. وتضيف المصادر «ما ينطبق على زيارة وزراء حزب الله وامل وتيار المردة للمشاركة في معرض دمشق الدولي يفترض أن ينطبق على لقاء باسيل بالمعلم. أي أن الأمور اصبحت في عداد تخطيها ولو بقيت آثارها البسيطة في تصريحات متفرقة. فبالنهاية بات الجميع أمام أمر واقع الانقسام حول هذا الامر».
وعليهن واذا كان تيار المستقبل وحزب الله قد اتفقا على الاختلاف على القضايا الكبرى، فإن جزءاً من القضايا والمواقف الاستراتيجية الكبرى يشترك فيها التيار الوطني الحر مع حزب الله، وهو الموقف من سورية. واذا كان الحريري أراد التعبير عن انزعاجه عبر رسالة مقاطعة المشنوق، فإن هذا أحد الملفات التي باتت بالنسبة للحريري ضرورات أمام جمهوره الذي بات يتساءل عن أسباب التساهل مع مواقف التيار وحزب الله. وقد اتهم الحريري بـ «الانبطاح» والتعاطي باستسلام أمام خصومه، وبالتالي يصعب على الحريري الذي يتحضّر وكتلته لتغييرات انتخابية واسعة الأطر تمرير مسألة من هذا النوع مروراً عادياً كيف بالحال وأن الارتباطات الخارجية للحريري تفرض عليه الانسجام مع مواقفه تجاه سورية والتزامه أمام الرياض.
لطالما كان الفريق المسيحي الأكثر حرصاً على مخارج واضحة لمسائل اللجوء على أرض لبنان والوزير باسيل يترجم باستمرار هذا الاهتمام المسيحي الذي يلقى الهاجس، بسبب ما يمكنه أن يغيّر الحالة الديمغرافية بشكل كبير. وهو الامر الذي لم تكن تمانع فيه جهات سعت لسنوات لهذا التغيير واستخدام اللجوء لأغراض عسكرية تحسب بإطارها الطائفي أيضاً وغيرها. فالأمر لا يتوقف عند التوطين.
وبدلاً من أن يسافر المشنوق استقبل الداعمين الذين زاروه لإطلاق مواقف من منبره، وكأنها لقاءات محسوبة يلفت فيها عودة ظهور الوزير السابق أحمد فتفت الذي كان قد غاب لفترة عن الإعلام بقرار مباشر منه، وكأن المشنوق يخشى أن يمر ما قام به الوزير باسيل مروراً عادياً أو يمر من دون احتجاج فيصبح تطبيعاً بـ «ضربة معلم».