رئيس الجمهورية يؤكد الدور المحوري لفرنسا في دعم لبنان: لتنظيم عودة النازحين إلى المناطق المستقرة بسورية
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الدور المحوري لفرنسا في مساعدة لبنان وإنجاح المؤتمرات الداعمة له، وذلك خلال سلسلة لقاءات في مقر إقامته في فندق بلازا اتينيه في باريس، بحضور وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وسفير لبنان لدى فرنسا رامي عدوان ومدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السفير غادي الخوري ومستشارة رئيس الجمهورية الرئيسية ميراي عون الهاشم والسفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشيه وعدد من معاونيه.
واستهلّ عون لقاءاته مع وزير المالية والاقتصاد الفرنسي برونو لو مير الذي أكد خلال اللقاء أن بلاده ستعمل على توفير الأجواء الملائمة لنجاح المؤتمرات التي ستعقد لمساعدة لبنان في مجالات دعم الجيش والاستثمارات وتأمين المساعدة في حل قضية النازحين السوريين. وتداول الوزير الفرنسي مع رئيس الجمهورية في السبل الآيلة إلى إنجاح هذه المؤتمرات.
وتحدّث عون عن المشاريع الجاهزة للتنفيذ وتلك التي تحتاج إلى المزيد من التحضير وأبرزها تطوير البنى التحتية والطرق والمياه وقطاع الكهرباء، إضافة إلى موضوع الاستثمارات التي يعتبر لبنان أرضاً خصبة لها، وكذلك المشاريع السياحية، خصوصاً أن الموسم هذا الصيف كان ناجحاً وشكل نموذجاً لاعتماده وتطويره في السنوات المقبلة.
وتطرّق البحث أيضاً إلى موضوع الشراكة الأوروبية ودور الاتحاد الأوروبي في مساعدة لبنان إضافة إلى موضوع النازحين والحلول المقترحة لقضيتهم والتي بحثها الرئيس عون مع نظيره الفرنسي.
كما استقبل عون وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان وتمّ استكمال النقاش في المواضيع التي أثيرت بين الرئيسين عون وماكرون خلال محادثات قصر الاليزيه.
وقال لو دريان: إن الرئيس ماكرون طلب إليه العمل مع الحكومة اللبنانية لتأمين نجاح المؤتمرات التي ستعقد من أجل لبنان، لافتاً إلى أنه سيزور لبنان قبل نهاية العام الحالي لتحضير زيارة الرئيس الفرنسي التي ستتم في الربيع المقبل، ولدرس الترتيبات كلها المتعلقة بالمؤتمرات الثلاثة: مؤتمر تسليح الجيش، مؤتمر الاستثمارات ومؤتمر النازحين.
وشكر الرئيس عون الحرص الذي أبداه الرئيس ماكرون لمساعدة لبنان، وأكد أن توفير الأجواء الملائمة لإنجاح المؤتمرات الثلاثة هو عامل أساسي لضمان نجاحها، ولا شك في أن الدور الفرنسي هو دور محوري في هذا السياق.
ولفت لو دريان إلى أن باريس ستبحث مع شركائها الأوروبيين وأصدقائها الدوليين توفير المناخات المناسبة لنجاح مثل هذه المؤتمرات التي تشكل دعامة مهمة للبنان في هذه المرحلة، وتتجاوب مع تطلعات الرئيس عون إلى دعم الاقتصاد الوطني اللبناني والمؤسسات الأمنية لا سيما مؤسسة الجيش، وإيجاد حل لموضوع النازحين الذي يترك انعكاسات سلبية على الوضع في لبنان. بعد ذلك، تم عرض بالتفصيل للنقاط التي تشكل عناصر تحقق نجاح الجهد المبذول في هذا الإطار.
إلى ذلك أكد رئيس الجمهورية أن باريس وبيروت، مدينتان قادرتان على الصمود، وفي الوقت عينه منفتحتان على العالم وقد تمكنتا أكثر من أية مدينة أخرى من العالم، من استيعاب مزيج من الحضارات ما جعل كلاً منهما نسيجاً من ثروات تشع إلى أبعد حدود، لافتاً إلى أنهما تخوضان اليوم معركة واحدة هي معركة حماية قيم السلام والحرية والديمقراطية التي نؤمن بها.
وشدّد على ضرورة المحافظة على الاستقرار في لبنان الذي تمكن من تحرير الأجزاء التي احتلها «داعش»، لافتاً إلى أن دعمه في المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية والأيكولوجية يبقى أساساً لتحقيق السلام المستدام في الشرق الأوسط وفي العالم.
كلام رئيس الجمهورية جاء خلال كلمة لهما في مبنى البلدية التي زارها في الحادية عشرة قبل ظهر أمس، ترافقه اللبنانية الأولى السيدة ناديا، وذلك في اليوم الثاني لـ «زيارة الدولة» إلى فرنسا. وقد خصصت البلدية للرئيس عون واللبنانية الاولى استقبالاً مميزاً حضره حوالي 200 مدعو من سفراء ورسميين ونقباء.
وتابع لقد خضنا وربحنا معركة حاسمة ضد داعش وتمكّنّا من تحرير الأجزاء التي احتلها هذا التنظيم الإرهابي في لبنان. وباسم جنودنا الشهداء، نهدي هذا الانتصار إلى جميع ضحايا الهجمات الإرهابية، إلى كل قطرة دماء أريقت في مختلف أنحاء العالم بسبب التعصب.
ولفت إلى أن التحديات ما زالت تعرّض أمنه للخطر. فَتَحْتَ راية الإنسانية والإخاء، استضاف لبنان عدداً ضخماً من النازحين ليصبح اليوم رازحًا تحت عبء أكثر من 500 ألف نازح فلسطيني يُضاف إليهم مليون ونصف نازح سوري ما يعادل نصف عدد سكانه. وشدّد على أنّ هذه المعادلة هي ذات انعكاسات أمنية واقتصادية واجتماعية لا يمكن التغلب عليها. لقد تشاركنا معهم ولمدة 6 سنوات مدارسنا ومستشفياتنا وأعمالنا وأرضنا واليوم أصبح من الضروري تنظيم عودتهم إلى المناطق المستقرة في سورية والتي تشكل الآن 28 في المئة منها، خاصةً أنهم لا يتمتعون بصفة اللاجئين السياسيين في لبنان بل إنهم أشخاص هربوا من فظائع الحرب. فمن واجب الأمم المتحدة مساعدة هؤلاء النازحين على العودة إلى بلادهم بدلاً من مساعدتهم على العيش في مخيمات غير إنسانية فيتركونها ليذهبوا إلى أوروبا ويصبحوا غير قانونيين.
وأكد أن زعزعة استقرار لبنان، هذا البلد الذي يواجه حالياً أزمة اقتصادية كبرى، هي بمثابة عملية انتحارية لكل المجتمعات التي تؤمن بالتعددية وبالديمقراطية. والمحافظة على هذا الاستقرار ضرورة للتصدي وللتحدي الذي يطرحه القرن الحادي والعشرين، تحدي «العيش المشترك». فهو مثال فريد للتعايش الذي تمكن لبنان من المحافظة عليه رغم الاضطرابات في المنطقة وذلك ليناهض الفكر الأصولي وديكتاتورية الإرهاب. ويبقى دعمه في المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية والأيكولوجية أساساً لتحقيق السلام المستدام في الشرق الأوسط وفي العالم.
وقال إن لبنان في انتظار مشاريع كبرى ولقد تمكنا بالفعل من اعتماد قانون انتخابي جديد يضمن تمثيلاً عادلاً قبل موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في شهر أيار المقبل.
وتابع لقد واجهنا الإرهاب بطريقة استباقية ورادعة ودفاعية. ويبقى تزويد الكهرباء وإمدادات المياه وتحسين الطرقات من الأولويات من دون أن ننسى الحفاظ على مواردنا الطبيعية وإعادة تشجير غاباتنا المهدّدة بالتصحّر والحفاظ على بيئتنا. ومن المؤكد أن الاستثمار في الموارد البشرية، وبخاصة في قطاعَيْ التعليم والمعرفة سيظلّ من أولويتنا، علماً أن هذه القطاعات تساهم في تنشئة أجيال يمكن الاعتماد عليها لضمان مستقبل لبنان، مستقبل نتطلع إليه جميعاً.
ولفت إلى أن غنى لبنان الأساسي يكمن في موارده البشرية المنتشرة في جميع أنحاء العالم وهي موارد ندين لها باستمرارية رسالة لبنان ونشرها. ويكمن غنى لبنان أيضاً في رجاله المقيمين في وطنهم والذين يحق لهم أن يعيشوا في بيئة سياسية سليمة وبيئة طبيعية نظيفة.
واعتبرت رئيسة بلدية باريس آن ايدالغو، من جهتها أن لبنان عرف بانتصاره على الإرهابيين أن يرسل إلى العالم بأسره رسالة واضحة مفعمة بأمل الانتصار على الإرهاب بشكل تام.
وأكدت أن وحده الالتزام القائم على خدمة الأخوة البشرية قادر على ضمان حريتنا. وهي حرية لطالما عرف لبنان كيف يجسّدها وأياً كانت الصعوبات، فإن ما من حرب وما من عملية إرهابية قادرة على القضاء على روح الحرية التي تميّز لبنان.
بعد ذلك، وقع رئيس الجمهورية والسيدة ايدالغو على مخطوطة تحمل شعار رئاسة الجمهورية اللبنانية تؤرخ الزيارة الى البلدية، ثم دوّن رئيس الجمهورية على السجل الذهبي للبلدية: «نحن هنا في قصر بلدية باريس، يا لرمزية هذا المكان الذي دُمِّر وأعيد بناؤه، كما بيروت التي ولدت لمرات من رمادها. أودّ أن أحيي ضحايا الحقد الارهابي الذي ضرب مرات عدة باريس. لأجل هؤلاء الضحايا، اهدي على اسم شهداء جيشنا المعركة الأخيرة والحاسمة التي انتصر فيها لبنان على داعش.
وزار رئيس الجمهورية مقرّ مجلس الشيوخ في قصر لوكسمبورغ، وعقد مع رئيس المجلس جيرار لارشيه اجتماعاً بحضور أعضاء الوفد اللبناني الرسمي الذي انضمّ إليه النواب، جيلبيرت زوين ونبيل نقولا وألان عون وسيمون أبي رميا وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ.
وألقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة في مجمع Catelan – pre Le في باريس أمام الجالية اللبنانية قال فيها: «لقد بدأنا مرحلة بناء الدولة، بناء مؤسسات الدولة المنهارة، ونحن في وضع صعب لإعادة الناس إلى الانضباط وإنقاذ المؤسسات وجعل الناس يطبقون القانون».
وتابع: «لبنان بلد مهدّم معنوياً وفي مؤسساته ومعالمه القانونية والدستورية وبنيته الاجتماعية، نريد بناء كل شيء من الاول. في لبنان فساد كثير، وبحاجة الى جهد لإعادة التأسيس، ولكن الأهم حصلنا على الاستقرار والأمن ومؤسساتنا الأمنية ممتازة وخضنا حرب داعش وحرّرنا جبالنا».
وتحدّث عن أزمة النزوح الكثيف، قائلاً «نعمل مع المؤسسات الدولية والصديقة لحلّ الموضوع. هذا الحمل نقل كثافة السكان من 400 في الكليومتر، إلى 600، هذه كثافة مدينة وليست كثافة أرض، استقبلنا 50 في المئة من عدد سكاننا، لا أحد يحمل عنا شيئاً. هذا الحمل الثقيل خطر، لأن العبء الاقتصادي صعب وكذلك الأمني، ونحن لا زلنا نحارب الخلايا النائمة. نحن واعون هذا الموضوع والأجهزة الأمنية تعمل بجهد، واعون الأزمات الاقتصادية المتتالية التي أصابتنا، العجيب أننا لا زلنا نتحمل ولكن إلى متى؟ أتينا الى فرنسا ووجدنا تفهماً لهذه المواضيع، نتمنى أن يكونوا تفهمونا أيضاً في الأمم المتحدة».
وكان رئيس الجمهورية ونظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون افتتحا أمس، معهد «مسيحيو الشرق: 2000 سنة من التاريخ» الذي يقيمه معهد العالم العربي في مقرّه في العاصمة الفرنسية.