حربٌ إمبريالية جديدة وقودها الروهينغا… وهدفها استنزاف الصين وروسيا

محمد شريف الجيوسي

بالتزامن مع الأحداث والمتغيّرات الإقليمية والعالمية، فشلت الإمبريالية وحلفها وأتباعها من تحقيق انتصارات باقية تذكر، في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر وتونس، على مدى قرابة 7 سنوات، رغم حجم الدمار الهائل ـ حيث لا تبدو آفاق بتحقيق الهدف الأخير مما أسمي قسراً «الربيع العربي»، هو في حقيقة الأمر ما كانت عبّرت عنه «الوسيمة» كونداليزا رايس، الفوضى الخلاقة ، بهذا التزامن صعّدت وسائل إعلام مبرمجة وتابعة للغرب ولقوى رجعية إقليمية وأخرى غبية أزمة مسلمي الروهينغا في بورما، رغم أنّ أزمة الروهنغيين قديمة، والظلم العرقي الواقع عليهم قديم، لعقود خلت،

لكن للإمبرياليين حساباتهم واستثماراتهم في الحروب والفتن وتدمير المجتمعات وسرقة استقلالاتها واستقرارها وثرواتها، فلو أنّ القضية غيرة وانتصار لرفع الظلم الواقع على الروهينغا منذ عقود، ولتحرّكوا إمبرياليين وتابعين لهم قبل الآن بزمن بعيد، قبل أن تتشكل منظمة القاعدة الإرهابية وتحارب في أفغانستان بمواجهة الإتحاد السوفياتي، لتسهم تلك الحرب في إنهيار ميزان القوى العالمي واختلال الأمن والسلم الدوليين لصالح الإمبريالية وما استتبع من تحكم بالعالم ومصائر دول وشعوب، وصيرورته أقلّ عدلاً وأمناً واستقراراً، وهكذا كنا في المنطقة العربية أولى الضحايا لهذا الخلل الذي ساهمنا في خلقه بقدر.

قد ولّدت الحرب الإرهابية على أفغانستان بذور الإرهاب في منطقتنا العربية فكان من عرفوا بـ الأفغان العرب وكان سهلاً في مرحلة تالية تفريخ النصرة من القاعدة وتصنيع داعش أميركياً وغيرهما من الولادات الهجينة مع تعدّد المموّلين والمجنّدين من بقاع الأرض الأربع، والموجهين والمدرّبين والمسلحين والداعمين اعلامياً وسياسياً…

هناك عوامل عديدة تستدعي توليد مناطق صراعٍ جديدة قبل أن تستكمل الساحات الملتهبة الخلاص مما دُبّر لها من فتن وحروب، فالمجمّع الصناعي العسكري الأميركي أحد أهمّ عناصر القرار والدولة العميقة الأميركية إلى جانب اللوبي اليهودي والماسونية، ينبغي أن يبقى مزدهراً تصنيعاً وتسويقاً بأفضل الشروط.

ومن العوامل أنّ الإتحاد الروسي والصين الشعبية على علاقات طيبة جداً منذ عقدين ونيّف، وهذه العلاقات في نمو مضطرد، وهما مع دول أخرى أعضاء في مجموعة بريكس واتفاقية شنغهاي… فضلاً عن مجموعة الدول المستقلة، وهذه الدول مجتمعة تشكل خطراً اقتصادياً ماثلاً على الامبريالية العالمية، بخاصة أنّ الصين تمتلك وحدها من سندات الولايات المتحدة في الخارج، الحجم الأكبر وتحتلّ المركز الأول على مستوى العالم، وقد بلغت استثماراتها في نهاية شهر آذار 2017 المنصرم 1.244 تريليون دولار في الديون الأميركية، وتبدو خطورة هذا الوضع عندما نعلم أنّ مجموع الدين الخارجي الأميركي يحتلّ 98 من الناتج المحلي الأميركي!؟ وأنّ الولايات المتحدة كانت معرّضة للإفلاس سنة 2011 في حال رفض الكونغرس رفع سقف الدين العام.

ورغم أنّ الدول الدائنة لأميركا وتأتي في المقدّمة بعد الصين، بريطانيا واليابان ودول الخليج سوف تتكبّد خسائر فادحة، لكن للمسألة بالنسبة للصين وجهها الآخر، لو أنها عرضت للبيع هذه السندات دفعة واحدة، ما يعني أن تتعرّض لخسارة كبيرة ولكن بحجم أدنى بكثير من حجم الانهيار الذي سيصيب الولايات المتحدة الأميركية ودائنيها الآخرين إمبرياليين وتابعين بهذا المعنى فالصين تمسك بخناق الاقتصاد الإمبريالي الغربي وتابعيه.

ويتصل تصعيد الموقف التحريضي ضدّ بورما بذريعة الروهينغا بأنها محاذية للصين، وأنّ بكين وموسكو ترفضان التدخل العسكري في كوريا الديمقراطية، ورغم أنهما يوافقان على بعض قرارات مجلس الأمن ضدّها، إلا أنّ هذه القرارات تخفيفية لما تودّ الولايات المتحدة ومن معها اتخاذه ضدّها، فهما بالموافقة عليها لا يتيحان فرصة اتخاذ مواقف حمقاء ضدّ كوريا الديمقراطية من قبل الإدارة الأميركية ومن يواليها، وهو ما لا يعجب واشنطن بالطبع، التي تريد خوض حرب مدمّرة ضدّ كوريا بإجماع ومشاركة دولية، تخفف من نفقات وخسائر الحرب من جهة وتضمن نتائجها.

كما يتصل التوجه نحو فتح جبهة جديدة في بورما، إشغال روسيا والصين في حرب بالجوار ستتوسع وستطالهما شظاياها، وأبعادها العرقية المغلّفة بالدين، انتقاماً من مواقفهما المنتصرة لسورية وبخاصة روسيا حيث أسهمت في تغيير معادلة الصراع ضد التحالف الأميركي الدولي.

وإشعال حرب على بورما يعني إشعالها على الصين، فبكين مزوّدها الرئيس بالأسلحة والذخائر والسلع الإستهلاكية، حيث تستورد في مقابلها الأخشاب والأحجار الثمينة وتعتبر الصين الشريك التجاري الرئيس لبورما.

ويقدّر عدد الصينيين المقيمين فى بورما بنحو 50 مليوناً، يعملون فى التجارة وبناء السدود وشق الطرق، وخلق حرب أهلية بورمية ستنعكس سلباً على وضع الصينيين هناك مما يشكل عبئاً اقتصادياً وديمغرافياً وأمنياً على الصين.

وتسيطر الولايات المتحدة على مضيق ملقا الذي يصل طوله 800 كم، ويوصف بأنه حنجرة الصين حيث تمرّ منه السفن المحمّلة بالنفط والغاز والمواد الأولية، ومنه تخرج السفن المحمّلة بالبضائع الصينية، وأيّ إغلاق للمضيق من جانب أميركا سيؤدّي إلى اختناق الصين تجارياً. وإصابتها بالشلل.

ولذلك كان لا بدّ من بدائل أخرى لتجنّب الحصار الاقتصادي والعسكري، فكان التخطيط للوصول إلى المحيط الهندي، فأبرمت اتفاقات تعاون في عام 2007 معها، أهمّها إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز بطول 2806 كم وآخر لنقل النفط بطول 771 كم من ساحل أراكان ذات الأغلبية الروهنغية على خليج البنغال إلى غرب الصين وتدشين طريق بري وخط للسكك الحديدية لاختصار الوقت والمسافة والتغلب على «معضلة ملقا»، فيما قدّمت الصين الكثير من المساعدات لبورما وأنفقت بسخاء المليارات على البنية الأساسية في ميانمار.

وحاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها تطويق النظام البورمي بذريعة أنه قمعي وغير ديمقراطي باتخاذ قرار من مجلس الأمن ضدّه، لكن القرار ووجه بفيتو صيني روسي، كما سعت لدعم المعارضة ضدّ النظام السياسي في بورما وفشلت أيضاً، وأقامت حصاراً على بورما لم يحقق النتائج المطلوبة، فاضطرت أخيراً إلى التوافق مع النظام السياسي بموافقة الصين على إجراء إنتخابات ديمقراطية شرط أن تبقى الحقائب الوزارية السيادية بأيدي النظام، ولو حدث التغيير فإنّ بورما ستبقى ملزمة لـ 30 عاماً باتفاقياتها مع الصين، لكن الإمبريالية تحاول مجدّداً ولاجتماع أسباب كثيرة تقويض الاستقرار في المنطقة هناك، وهو ما لم يخدم الروهينغا حيث سيجعل منهم وقود صراعات إقليمية ودولية كما استخدم الأكراد والعرب.

وتأتي الحرب المنتظرة في بورما تعبيراً عن الفشل الأميركي في مجموعة دول أميركا اللاتينية، والبحث عن بدائل عدوانية، رغم كلّ الضخ الإعلامي المعادي لشعوبها، ورغم تكريس أكثر من محاولة إنقلابية فشل أغلبها.

ومن أهداف تصعيد أزمة الروهينغا تحويل مرتزقة العصابات الإرهابية الى ساحات صراع جديدة بدلاً من التوجه للغرب ولدول محسوبة عليها، إلى ساحة صراع بعيدة في الشرق الأقصى، وإشغال واستنزاف الدولتين الأشدّ خطراً على الإمبريالية روسيا والصين اللتين أسهمتا في استعادة التوازن الدولي والإقليمي ووضعتا حداً لسيطرة الإمبريالية وممثلتها واشنطن على العالم، وتغيير وجهة اهتماماتهما وأولوياتهما بعيداً عن المنطقة العربية.

ويحقق التصعيد ضدّ بورما، إشغال دول تعتبر نفسها حامية للإسلام وأخرى منظمات إسلام سياسي دولية فرّخت وتفرّخ الإرهاب، في صراع جديد بعيد، يوفر مجدّداً فرصة الإنشغال الشرعي عن الكيان الصهيوني لسنوات أخرى عديدة وربما تمرير ما تحدّثت عنه تقارير مراكز دراسات بتصفية القضية الفلسطينية.

ولضمان استمرار وتغذية الصراع المذهبي السني ـ الشيعي، فقد عمّمت مراكز فتن تكفيرية وإرهابية صوراً حاولت من خلالها الزعم بأنّ إيران والشيعة يدعمون إضطهاد النظام الرسمي البورمي لمسلمي الروهينغا، وهو ما لا يصدّقه عاقل، بغرض تعميق الفتنة وتحشيد شباب السنة للقتال في بورما بدلاً من القتال ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وربما لتبرير عدوان ضدّ إيران، أو لتوريطها في المغطس البورمي، بالدفاع عن مسلمي الروهينغا لتنفي عن نفسها تهمة التحريض على اضطهادهم.

ومن الواضح أنّ منطقة الشرق الأقصى ككلّ ستكون منطقة حروب وفتن وصراعات عرقية وطائفية ودينية ومذهبية، حيث يعدّ الوهابيون لذلك في ماليزيا، وتنتشر أفكارهم كالنار في الهشيم، ورغم حياد الدولة هناك ومحاولاتها معالجة الأمور بحكمة في ما يبدو، لكن استخدام المال وبساطة الناس وبث التطرف ينذر بأخطار أيضاً.

لكن السؤال ما العمل أمام هذه الجائحة الجديدة الموشكة على الإنتشار، وإن يكن في منطقة بعيدة عنا لكنها تعني أصدقاء للأمة طالموا ساندوا أمتنا وغيرها ضدّ أعدائها من إمبرياليين وغرب وصهاينة ورجعيّين، فضلاً عن أنها ستستجرّ شباناً عرباً، وأموالاً ستنفق، وإنسانية ستدمى.

لا بدّ أنّ علينا تحذير الشارع العربي والتوعية علمياً وسياسياً وفكرياً، بغايات وأهداف هذه الحروب ـ الفتن الجديدة ومآلاتها المدمّرة على الجميع، بغرض عدم الإنجرار والتورّط بها دولاً وجيوشاً وقوى وأفراداً، سواء كان ذلك عسكرياً أو سياسياً أو إعلامياً أو حصاراً إقتصادياً أو تحريضاً وفتاوى دينية، وإنما الحضّ على معالجة الأمور بطرق ووسائل سياسية سلمية عادلة، والدعوة لعدم استعداء أو استدعاء الغرب للتدخل، فما دخل الغرب أرضاً إلا وأفسدها بمزاعم الإصلاح والدعم الاقتصادي والتطوير الإداري وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك من مزاعم…!

m.sh.jayousi hotmail.co.uk

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى