«الأزمة مع قطر» في زيارة المسؤولين اللبنانيين للرياض؟
روزانا رمّال
بعد زيارة إلى المملكة العربية السعودية يعود المسوؤلون اللبنانيون إلى بيروت للبحث بنتائج الزيارة ولقائهم الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، بينهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ووزير الشؤون الاجتماعية بيار أبي عاصي والنائب سامي الجميل في زيارة مستجدة ولافتة.
أوساط سياسية متابعة للزيارة رأت لـ «البناء» أن دعوة المسؤولين اللبنانيين لزيارة السعودية لا تعدو كونها رسالة داخلية موجهة ضد التحالفات الثنائية التي تعزّزت بالصفقة الرئاسية كالتيار الوطني الحر وحزب الله وحتى المستقبل وحزب الله، فحسب بل هي أيضاً رسالة تهدف إلى تكريس التموضع الواضح إلى جانب السعودية كمسؤول أو راعٍ خليحي مباشر في لبنان يسحب أي محاولة لتجديد دخول «قطر» على الساحة من جديد، في ما يُعرف باحتساب اوراق النفوذ وتثبيت المواقف. وهو الأمر الذي يفترض على الأطراف التي لبّت الزيارة الالتزام فيه بعد أن باتت الاصطفافات القطرية واضحة المعالم إلى جانب طهران وانقرة في المرحلة المقبلة، حيث من المرجّح ان تتفاعل هذه التموضعات أكثر ويشكل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أكثر المستفيدين من قطر، وهي أول مَن دعم ترشيحه للرئيس عون عبر وزير خارجيتها بأول تصريح خليجي عربي حينها واصفة خطوته بالحكيمة».
وفيما يتوقع أن تبادر المملكة العربية السعودية إلى دفع أموال لتغطية الحملات الانتخابية المقبلة في لبنان، وإعادة وصل ما انقطع في روحية الرابع عشر من آذار، فإن أحد أبرز دوافع الرياض في إعادة رسم سياستها العامة في لبنان وتعيين سفير جديد لها فيه بافتتاح مرحلة جديدة بكل المقاييس فيه تصبّ في خانة استباق التحرك القطري باتجاه الإعلام والسياسة اللبنانية، حيث نجحت قطر في كسب أصوات واجهة الإعلام الغربي بتمويل أو دفع مبالغ لقاء نشر مقالات تذم بالعائلة الحاكمة بالسعودية او تنشر وثائق وتسريبات من سفارات أو أجهزة أمنية وغيرها، وليقين السعودية بعلاقة الأطراف اللبنانيين الممتازة مع قطر ولضيق الوضع المالي الحالي للعديد من المؤسسات الإعلامية والسياسية الحزبية، فإن هذا يعني أن مسألة قطع الطريق على قطر أساسية في هذه المرحلة، خصوصاً أن بيروت قادرة على لعب دور كبير كمنصة إعلامية وسياسية رئيسية في المنطقة قادرة على إعادة رسم روحية وهوية المرحلة التي تتعاطى فيها الدول، خصوصاً السعودية، التي تجهد اليوم من اجل رفع اي شبهة او تهمة بدعم الإرهاب وصب الموقف باتجاه قطر التي تدعم قوى مسلحة متطرفة وفق اتهامات المتنازعين.
الأسباب التي تجعل من زيارة الساسة اللبنانيين للمملكة العربية السعودية المحلية أيضاً لا تخلو من محاولة المملكة تثبيت وجودها في بيروت أكثر بعد أن خفت حضورها بسبب انشغالها بأزمات اليمن وقطر وقبلهما سورية والبحرين. وكلها ملفات لا تزال مفتوحة الأمر الذي جعل خصومها في حال أفضل وحلفاءهم السياسيين، وبالأخص حزب الله الذي استطاع فرض شروطه في اللعبة السياسية الحالية، واستطاع أيضاً تشكيل حكومة وحدة وطنية جدية مع تيار المستقبل في وقت كان من المفترض أن يكون التشنّج الذي شاب المرحلة الماضية لسنوات قد قطع الأمل في إمكانية تقبل الأفرقاء مجدداً، لصيغة كهذه. الامر الذي جعل من الحريري يبدو أحد الغارقين في احضان حزب الله، على ما تصفه بعض أوساطه المتطرفة سياسياً لجهة المقاطعة، وهي أصوات تقبّلت في النهاية الأمر الواقع الجديد.
لكن وبالرغم من كل ذلك، فإن هذا لا يعني ان المسار الذي سلكه الحريري أكان بتشاركه الحكومة مع حزب الله او تعميق علاقته بالرئيس عون والوزير جبران باسيل ليس واقعاً ضمن موافقة سعودية أو على الاقل تقبل لضرورة اتخاذ الحريري موقف كهذا من أجل الحفاظ على ما تبقى من حضور لتياره في صيغة بدا فيها حزب الله منتصراً، بعد أن فشلت عملية إسقاط حليفه في سورية الرئيس بشار الاسد وتعزيز موقعه لدى حلفائه الإيرانيين والروس. وهو ما يجعل اليوم مسألة إعادة ضخّ المعنويات وإعادة تزخيم الاهتمام السعودي بلبنان ضرورة.
المملكة العربية السعودية التي عيّنت سفيراً جديداً في لبنان تبدأ معه مرحلة جديدة أيضاً ترغب فيها بإعادة إحياء نفوذها «هي» في لبنان على خط قطع الطريق على إعادة إحياء اي نفوذ لسورية فيه كأمر واقع أو ترك الطريق مفتوحاً لإيران وحدها او قطر، لا إعادة إحياء 14 آذار، كما يُقال. وهو ما لا يمكن إحياؤه بعد انتهاج صيغة الوفاق الحاصل بين رئاستي الجمهورية والحكومة وما بينهما، خصوصاً أن الحريري هو العنصر الأساس في بنيان 14 آذار. وبالتالي فإذا كان هذا أحد أهداف المملكة، فإن هذا يعني أنها مستعدّة لقلب الطاولة والتخلّي عن الحريري وقطع الطريق أمام فرص فوزه بالانتخابات البرلمانية المقبلة في الربيع المقبل على أساس إعادة تسميته من جديد من قبل الأطراف كافة رئيساً للحكومة اللبنانية. وهي حكومة العهد الرئيسية.
حسابات واضحة للرياض تخوضها على طريق تصحيح صورتها وإعادة هيكلة مواقفها الداخلية والخارجية، ومنها إصلاحات داخل المملكة آخرها منح المرأة السعودية حق قيادة السيارة بشكل طبيعي.
زيارة المسؤولين اللبنانيين الأكثر ارتباكاً من التقارب السياسي والانتخابي الواعد لجهة حماية المصالح المشتركة بين التيار الوطني الحر والمستقبل وحزب الله تحمل في ما تضمره مرحلة إزعاج محضّرة لحزب الله من دون أن تقدر جدياً على تبديل نتائج ميدانية كبرى لصالح حلفائه إقليمياً إلا بحالة واحدة وهي الحثّ باتجاه حرب «إسرائيلية» مستبعَدة حالياً ضده.