روسيا ومحاولة انفصال إقليم كاتالونيا..
روزانا رمّال
تحضر العناصر المستفيدة من أي حركة انفصالية في العالم منذ لحظة الإعلان عن نيات الشروع بتزخيمها لتصبح مسألة النزعة نحو الانفصال مستحيلة، من دون دعم مباشر من جهات قادرة على إنجاحه، فتصير فكرة البحث عن الداعمين الوظيفة الأكثر إلحاحاً لمعرفة أبعاد الخطوة والتماس روحيتها. وللمفارقة يحضر الحديث عن إعادة إحياء الحلم الكتالوني بالتزامن مع الحلم الكردي الذي سبق التحضير له بأيام في وقت لا يمكن اعتبار أن المصادفات والسياسة خطان متوازيان في هذه الظروف الدولية، حيث يتصدر ملف مكافحة الإرهاب وتأمين حدود الدول من اللجوء ومخاطر امتداد التطرف وانتشاره فيها، خصوصاً الدول الأوروبية إلى أعلى مستويات الحذر.
تحكم البديهيات بأن لا يلجأ الكاتالونيون للغرب من أجل الدعم بالانفصال. وهو ما لن يتوفر على اعتبار أن إسبانيا هي احد اعمدة الاتحاد الأوروبي الذي تعرّض بما فيه الكفاية للاهتزاز منذ الخروج البريطاني منه وصولاً الى الازمة المالية في اليونان وغيرها، مما يهدّده. وهو الامر نفسه الذي يعتبر بديهياً أيضاً شرقاً في ان لا يلجأ الكرد الى طلب الدعم من روسيا للانفصال، بل للغرب والولايات المتحدة او حلفائها في المنطقة وبالتحديد «إسرائيل» من اجل تحقيق حلم الدولة.
الحديث عن رغبة كاتالونية «بريئة» للانفصال خالية من أي دعم خارجي صعبة، بالرغم من أن الحلم قديم جداً ويشكل رغبة عميقة. لهذا برز الحديث عن دعم روسي خافٍ أيّد الكاتالونيين لاستغلال الوقت المناسب للمطالبة بالانفصال، طالما ان الفرصة مؤاتية دولياً، قبل تسكير الملفات واحتساب النقاط في محاولة روسية لانتهاز فرصة هزّ العصا تجاه الغرب الداعم لانفصال الأكراد متجاهلاً المصالح الروسية من دون أن يعني ذلك أن الانفصاليين الكاتالونيين لا يملكون اجندة استقلالية تامة، لكن الزخم السياسي وتجميع التأييد الدولي أساسي في محطات كهذه، ولو كان ظاهرياً أو خجولاً.
نجاح روسيا في أزمة شبه جزيرة القرم واستعادة سيادتها عليها وتحصينها لشبه الجزيرة على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة بوسائل الدفاع الثقيلة، آخرها نشر أنظمة صواريخ كاليبر وs400 ومضاعفة حضورها العسكري خلال السنتين الماضيتين أدى الى صعوبة التدخل الأميركي في مناطق نفوذها ما قوّى موقعها في الجوار الأوروبي.
التجربة الأقرب عند الأوروبيين اذاً هي التجربة مع روسيا، في ما يتعلق بشبه جزيرة القرم، بحيث كان الاعتراض الأوروبي واسعاً أبرزه بلسان انجيلا ميركل مع اتهامات بتعارض القضية مع القانون الدولي، وعلى الرغم من ذلك عادت العلاقات الجيدة بين الرئيس بوتين وميركل في ما بدا تقبّلاً أوروبياً للأمر الواقع..
الأمر الواقع هذا لا يبدو أن روسيا وتركيا وإيران ودول المنطقة ستتقبّله. وهي بهذا الإطار قد تبدو بديهياً مستفيدة من تزخيم حركات انفصال أوروبية بحال وجدت أن ذلك يمكن استغلالها، حتى لو لم تنجح بالتهديد والتحذير من العبث بالصحن المشرقي، خصوصاً المدى الحيوي المصلحي لروسيا وحلفائها، كما يجري بإعلان دولة مستقلة لإقليم كردستان العراق. وعلى هذا الأساس تبدو روسيا واقعة ضمن محاولة الإعداد لرسم توازن جديد، لكنه خطير بالنسبة للغرب الذين يدركون جيداً أن روسيا أكبر المستفيدين من انفصال كاتالونيا بتقديرهم كعامل سيهزّ الاتحاد الأوروبي.
صحف أبرزها «إل باييس» الإسبانية، تتحدّث عن دور روسي في الأزمة ويحظى جوليان اسانج بجزء بارز من التحليلات والتقارير المكتوبة والإعلام الروسي ككل الذي نجح بدخول العالم الغربي بسرعة. إحدى تغريدات جوليان اسانج، حسب الصحيفة، تقول إنه أتى على ذكر مسألة الانفصال منذ فترة بـ 12 أيلول بالقول «ميلاد كاتالونيا كدولة مستقلة أو الحرب الأهلية»، وقد انتشرت هذه الجملة بشكل كثيف على وسائل التواصل.
هذا يعني أن روسيا كانت تتحسّب للاستعداد الكردي للاستفتاء لتأتي فرصة الردّ بالمثل، خصوصاً أن التحضير للاستفتاء الكردي استغرق أشهراً، وكان قد أعلن عنه سابقاً وعلى ان روسيا انتظرت إمكانية الغائه ولم تفلح، بدا أن التحرك من القارة العجوز ضروري فكيف بالحال اذا كانت التجربة في جزيرة القرم واعدة في تسجيل النقاط؟
ادوارد سنودن ايضاً أحد المتهمين بالمنضمّين لحملة اسانج، حسب صحف إسبانية، حيث كتب تغريدة على تويتر يوم 12 أيلول أيضاً، تقول: «القمع الإسباني الذي يتجلّى في التصريحات غير اللائقة، السياسات الممارسة، التعامل مع الاحتجاجات في كاتالونيا، يُعدّ انتهاكًا لحقوق الإنسان»، وقد حصد إعجاباً وانتشاراً أيضاً لكلامه بين النشطاء.
استفتاءان بين كاتالونيا وكردستان. واحد تريده أميركا وواحد لا تريده. وبديهياً ما لا تريده اميركا سيكون مؤاتياً أكثر للسياسات الروسية. وعليه فإن نوعاً من التوازن الجديد والمباغت قد فرضه الحدثان. وبالتالي فإن أي حديث عن انفصال في كردستان أي في المدى الحيوي لروسيا يعني أنه سيكون بمقابله انفصال في كاتالونيا بأبعد حال، إلا اذا أخذ الغرب بعين الاعتبار مخاطر دعم انفصال الأكراد من تحت الطاولة وعدلوا فكرة الانفصال وحفظوا مكاسب الحكومة المركزية العراقية. هذا إذا أخذ بعين الاعتبار أن ما يجري في كاتالونيا هو تحذير وتنبيه من الأخطر فإما يسقط المشروعان وإما يمضي الاثنان بسكة متوازية تعطي كلاً من الولايات المتحدة وروسيا نقطة لصالح الإبقاء على التوازن بدلاً من الهيمنة التي حاولت واشنطن فرضها على موسكو من جديد في وقت يبدو دعم انفصال الأكراد رداً مباشراً على روسيا وإيران اللتين دعمتا ضمّ شبه جزيرة القرم الى روسيا. وبكل الأحوال تستفيد روسيا من الخضة الأوروبية والصحوة التي قد تشهدها لتعديل سياسة الغرب تجاه انفصاليي العراق شاركت فيها أو لم تشارك!