السعودية تدفع بلبنان إلى مواجهات داخليّة وحزب الله في أقوى وضع منذ تأسيسه

شدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله على رفض تأجيل الانتخابات النيابيّة ولو تقنيّاً ليوم واحد، وأعلن أنّه إن «لم تتمّ معالجة الخروق «الإسرائيلية» بالطرق السياسية، فإنّ حزب الله سيعالجها على طريقته». ودعا اليهود في فلسطين المحتلّة إلى مغادرتها والعودة إلى البلدان التي جاؤوا منها، «حتى لا يكونوا وقوداً لأيّ حرب تشنّها حكومتهم الحمقاء»، لافتاً إلى ضرورة مراجعة ظاهرة «داعش» والمسؤول عن إيجادها وتمويلها وتسلحيها وتمكينها.

أسوأ الظواهر والمخاطر

كلام السيد نصرالله جاء في كلمة له عبر شاشة عملاقة نُصبت في باحة عاشوراء في الضاحية الجنوبية لبيروت، في ختام المسيرة الحاشدة بذكرى العاشر من محرّم أول من أمس.

واعتبر السيد نصرالله، أنّ تنظيم «داعش» هو من أسوأ الظواهر والمخاطر التي برزت في منطقتنا وتاريخنا، مضيفاً: «انظروا إلى حجم التشويه والإساءة الذي ألحقته «داعش» بالإسلام والرسول»، داعياً إلى مراجعة ظاهرة «داعش» والمسؤول عن إيجادها وتمويلها وتسلحيها وتمكينها. وقال إنّ «الذين أوجدوا «داعش» ودعموها وسهّلوا لها، يجب أن يعرفهم العالم أيّاً كانوا وفي أيّ بلد لمعاقبتهم، ويجب أن يقوم المسلمون في العالم بعقد لقاءات ومؤتمرات لدراسة هذه الظاهرة ومواجهتها بالأشكال المختلفة»، وتابع قائلاً: «يجب أن تدخل الأمّة مع هذا الفكر الوهابي التكفيري بموقف حاسم، حتى لا تتكرّر المأساة».

حكومة نتنياهو حمقاء

وفي الشأن «الإسرائيلي»، أعاد السيد نصرالله التأكيد أنّ الكيان الصهيوني يواصل خروقه واعتداءاته على لبنان، متوجّهاً إلى اليهود بالقول، إنّ «الحركة الصهيونية استغلّت اليهوديّة واليهود من أجل إقامة مشروع احتلاليّ في فلسطين والمنطقة خدمة للإنكليز والسياسات الأميركيّة»، وإنّ «حكومة بنيامين نتنياهو تقود شعبكم إلى الدمار والهلاك»، منبّهاً اليهود: «أنتم ستدفعون الثمن بسبب السياسات الحمقى لنتنياهو الذي يحاول جرّ المنطقة إلى حرب في سورية ولبنان».

وأشار السيد نصرالله إلى أنّ نتنياهو وحكومته لا يعرفون إذا بدأوا الحرب كيف ستنتهي، وهم لا يملكون صورة صحيحة عمّا سينتظرهم لو ذهبوا إلى حماقة الحرب هذه، داعياً «كلّ من جاء إلى فلسطين المحتلّة إلى مغادرتها والعودة إلى البلدان التي جاؤوا منها، حتى لا يكونوا وقوداً لأيّ حرب تشنّها حكومتهم الحمقاء».

ووجّه السيد نصرالله كلامه إلى حكومة نتنياهو «بأنّ الزمن قد تغيّر، وأن من يراهنوا عليهم سيكونون عبئاً عليهم»، وقال لمستوطني الكيان: «أنتم تعرفون أنّ الكثير ممّا تقوله قيادتكم السياسيّة عن قدرتها في أيّ حرب مقبلة أكاذيب وأوهام، لأنّكم تعرفون حجم الخلل فلا تسمحوا لحكومة حمقى بأن تأخذكم إلى مغامرة»، وأنّه إذا شنّ نتنياهو حرباً فلن يكون هناك أيّ مكان آمن في فلسطين المحتلّة».

العراق واليمن والبحرين

إقليميّاً، أكّد السيد نصرالله أنّه لو انتظر العراقيّون والسوريّون واللبنانيّون الإدارة الأميركية والتحالف الدولي، لكانت «داعش» ما زالت موجودة ولصحّ شعارها باقية وتتمدّد، ونبّه مريدي التقسيم في العراق إلى أنّه «إذا كنتم تراهنون على أميركا وتثقون بها، فإنّ التقسيم سيحصل»، داعياً كلّ حكومات المنطقة إلى معرفة خصمهم وصديقهم، «فلا تجوز المراهنة على الأميركيّين، بل الاعتماد على النفس كما في المعركة مع داعش»، ومشدّداً على معرفة أنّنا «أمام إدارة أميركيّة هي سبب المآسي».

ورأى السيد نصرالله، أنّه «من واجبنا في هذا اليوم أن نجدّد إدانتنا للعدوان السعودي الأميركي على اليمن، وللمجازر اليوميّة التي يرتكبها سلاح الجو السعودي بحقّ اليمنيين»، ودعا لإيقاف الحرب الظالمة على اليمن، التي لم يحقّق منها حكّام الرياض شيئاً.

وأضاف: «الشعب اليمني الذي يملأ الجبهات في ميادين القتال والساحات للتظاهر بالرغم من كلّ المخاطر، يعرفون أنّ خيارهم الوحيد هو الصمود والثبات، وأنّ اليمنيّين يعرفون أنّ نتيجة الصمود والبسالة هو الانتصار، وأنّ كلفة المعركة مهما كبرت هي أقلّ من كلفة الاستسلام لمن يريد مصادرة سيادتهم».

وأكّد أنّه يجب «أن نتذكّر الشعب البحريني المظلوم الذي يُزجّ بالسجون ويتعرّض للانتهاكات»، مشيراً إلى أنّ «في الوقت الذي يضيَّق فيه على علماء البحرين، تتّجه المنامة للتطبيع مع كيان العدو».

كما عبّر السيد نصرالله عن التضامن مع مسلمي ميانمار، «الفاجعة الجديدة التي حلّت على أمّتنا»، مؤكّداً «أنّ المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الدول الإسلاميّة التي يجب أن تتحرّك قبل فوات الأوان، ويجب أن نعرف جميعاً أنّ هذه المشكلة هي مع نظام عنصريّ فاشيّ».

وكان السيد نصرالله أعلن في كلمة له في مساء السبت الماضي في «مجمّع سيّد الشهداء» بالضاحية الجنوبيّة، أنّ المنطقة في نهاية مرحلة تحتاج بعض الوقت، وأوضح أنّ «داعش» في نهايته العسكريّة في سورية، وقال إنّ ما جرى في اليومين الماضيين أمر طبيعي، لأنّ هذا التنظيم حوصر، ومن الطبيعي أنّ ما لدى «داعش» من انتحاريّين وانغماسيّين سيحاولون القيام بهجمات متفرّقة عاجزة عن استعادة الأرض والميدان.

وشدّد على أنّ محاولة «داعش» استنزاف الجيش السوري لتأخير حسم المعركة في سورية، لن يجدي نفعاً، لأنّ القرار اتُّخذ في ذلك والأمر يحتاج إلى بعض الوقت. وأوضح أنّ في هذه المعركة في هذه المساحة الشاسعة، يبقى تهديد «داعش» الأمنيّ في العراق وسورية.

إحياء «الشرق الأوسط الجديد»

ولفتَ السيد نصر الله إلى أنّه يتمّ التحضير لشيء خطير في المنطقة، لافتاً إلى أنّ العدو «الإسرائيلي» قلق لأنّ «داعش» والجماعات التكفيريّة يُهزمون، وإلى أنّ الفضل لكلّ من قاتلوا في العراق وسورية ولبنان في مواجهة «داعش» من كلّ الجنسيّات، لأنّه لو انتصر «داعش» لكانت كلّ هذه الحكومات ومن طبخوا السم لأكلوه، وقال السيد نصر الله إنّه «يتمّ وضع المنطقة أمام مرحلة خطيرة جداً، وهي مرحلة تقسيم والعودة إلى الشرق الأوسط الجديد الذي تمّ إسقاطه في حرب تموز 2006».

وأوضح السيد نصرالله، أنّ «مشروع الشرق الأوسط الجديد كان تقسيم المنطقة على أُسُس عرقيّة وطائفيّة ومذهبيّة، وتدخل في صراعات فيما بينها وتكون «إسرائيل» هي الأقوى، وتصبح ملاذاً لكلّ الطوائف. وأوضح أنّه «بعد فشل مرحلة «داعش» التي كانت مشروعاً في خدمة أميركا و»إسرائيل»، اليوم يدخلون في مشروع جديد وهو إعادة تقسيم المنطقة والبداية من كردستان العراق».

ودعا السيد نصرالله الأكراد إلى عدم الانخداع بـ»حقّ تقرير المصير»، موضحاً أنّ هذه المسألة هي في سياق مختلف، هو تجزئة المنطقة على أُسُس عرقية ومذهبية. وشدّد على وجوب وقوف كلّ الشعوب العربية ضدّ تقسيم المنطقة، لأنّ التقسيم سيلحق الجميع، وقال: «تقسيم المنطقة سيصل إلى السعودية، وهي أكثر دولة معرّضة للتقسيم، وهذا السيف سيصل إلى أعناقكم وهذا السمّ سيوضع بأطعمتكم فانتبهوا».

ودعا السيد نصرالله الجميع إلى التعاطي بمسؤوليّة مع هذه المسألة، وأوضح أنّ المشكلة مع سياسيّين أكراد وليس الكرد، وقال إنّ الأكراد «هم جزء من أمّتنا وشعوبنا، ويجب عدم الوصول إلى مسألة عداوة مع الأكراد».

وأشار السيد نصرالله إلى أنّ «بعض الدول العربيّة يدفع لإنجاز تسوية بين الفلسطينيّين والحكومة «الإسرائيليّة»، ويقال إنّه إذا أردتم جمع الطاقات لمواجهة إيران وأن نصل إلى نتائج، يجب مساعدتنا لحلّ الموضوع الفلسطيني، وهذا يأخذ الذريعة من إيران ومحور المقاومة».

لبنان الأكثر أمناً

وفي الشأن اللبناني، شدّد الأمين العام لحزب الله على «أنّ لبنان من أكثر البلاد أمناً في العالم، وحتى أكثر أمناً من الولايات المتحدة الأميركية، بعد إنجاز تحرير الجرود»، ونوّه بإنجاز تحرير كامل السلسلة الشرقية، مثمّناً تضحيات الجيش والمقاومة، ومؤكّداً أنّ هذا الإنجاز أنهى الوجود العسكري للإرهابيّين في لبنان، مشيراً إلى أنّ التهديد الأمني قائم، لكن ليس بمستوى ما كان في السابق. وأشار السيد نصر الله إلى «أنّ الجرود مليئة بالألغام والمتفجّرات وأحزمة في المغاور والوديان التي تركها الإرهابيون وراءهم».

ونفى السيد نصرالله تخفيف الإجراءات في محيط الضاحية الجنوبية، مؤكّداً أنّ الإجراءات الأمنيّة يجب أن تستمر حتى إشعار آخر. وأشار إلى وجود بعض الأشخاص في مخيم عين الحلوة ممّن يشكّلون خطراً أمنياً، لافتاً إلى وجود تواصل مع القوى الفلسطينية، وقال إنّ «الحزب» «مع المقاربة الشاملة في كلّ المخيمات ليس على الصعيد الأمني فقط، ونطالب بإحياء ورقة التعاون اللبناني الفلسطيني مع المخيمات، وهذا يساعد الفلسطينيّين في الموضوع الأمني».

ودعا القوى السياسيّة في لبنان إلى الوعي، «خصوصاً أنّ السعوديّة تدفع بلبنان نحو مواجهات داخليّة»، مشدّداً على أنّ حزب الله ليس في موقع ضعف ولا قلق ولا خوف، والجميع يعرف أنّ حزب الله هو في أقوى وضع منذ تأسيسه.

وشدّد على «أنّ مصلحة لبنان الحقيقية هي تجنّب الدخول في أيّ مواجهة داخلية تحت أيّ عنوان من العناوين، خصوصاً أنّ هناك انهيار محاور في المنطقة، ويبدو أنّ الأميركيّين يحضّرون لعداوات جديدة وصراعات جديدة في المنطقة».

ودعا السيد نصرالله إلى الحفاظ على الاستقرار العام الموجود في البلد، والحالة القائمة من الهدوء والتواصل والحوار والتلاقي بين مختلف القوى، ولفتَ إلى أنّ «إدارة شؤون البلد لا يمكن معالجتها بذهنيّة التحدّي والمكاسرة، بل بالحوار».

قانون الانتخاب

وشدّد على رفض تأجيل الانتخابات النيابيّة في لبنان، ولو تقنيّاً، ولو ليوم واحد. وضمّ السيد نصرالله صوته إلى صوت رئيس المجلس النيابي نبيه برّي بالقول، إنّه قطعاً لا يوجد تمديد ولا تأجيل للانتخابات، وهي ستُجرى. وأكّد أنّ الانتخابات المقبلة يجب أن تُجرى على أساس القانون الذي أُقرّ في مجلس النوّاب من دون أيّ تعديل على القانون، وقال «إنّ أيّ نقاش جديد سينسف القانون وسيعيدنا إلى نقطة الصفر».

وفنّد السيد نصرالله ادّعاءات البعض أنّ هذا القانون على قياس حزب الله، موضحاً أنّ الحزب كان يطالب بالنسبيّة على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة، وأعلن أنّ هناك الكثير من التفاصيل التي أُقرّت لا تتناسب معنا، مشيراً إلى أنّ «هذا قانون تسوية قام على أساس تسوية وطنيّة ممكنة، وهذا ما يجب أن يراعى».

وفي قضية مكافحة الفساد، قال السيد نصرالله إنّ «محاربة الفساد تبدأ من سدّ أبوابه ومعالجة أسبابه، والمعالجة الماليّة الجادّة».

ولفتَ في موضوع سلسلة الرتب والرواتب إلى أنّه لا داعي للقلق، وإلى أنّ المعالجات التي اتّفق عليها ضمن المُتاح، يفسح المجال لمعالجة الموازنة وقطع الحساب. وجدّد السيد نصرالله التأكيد أنّ الحزب مع استمرار الحكومة في العمل إلى آخر يوم من حقّها الدستوري، وقال إنّ الحزب مع الاستمرار في هذه الحكومة والتعاون الإيجابي.

النازحون ملفّ انتخابيّ

وفي ملف النازحين السوريّين في لبنان، كشف السيد نصرالله عن وجود مسؤولين في لبنان لا يريدون عودة النازحين إلى بلادهم لأسباب تخصّهم، معلناً أنّ حزب الله مع العودة الطوعيّة للنازحين.

ودعا السيد نصرالله النازحين إلى العودة إلى بلادهم وممارسة حياتهم الطبيعيّة هناك، وقال لهم «انظروا حولكم. الفلسطينيّون يتمسّكون بحق العودة، ومصلحتكم أن تشاركوا في إعمار بلدكم»، وأكّد حق النازحين العودة إلى بلدهم، وألّا يبقى هذا الموضوع ملفّاً للمزايدة الانتخابيّة على حساب معاناة النازحين واللبنانيّين والسوريّين في وقت واحد.

عبوات ناسفة «إسرائيلية»

وبشأن الخروق «الإسرائيلية» المستمرّة للبنان، دعا السيد نصرالله إلى التعاطي مع هذا الأمر بجدّية، وإلى تفعيله، حتى لا تصبح الخروق أمر طبيعي. وشدّد على وجوب تسليط الضوء على الخروق «الإسرائيليّة» وما يتمّ كشفه من كاميرات مفخّخة وأجهزة تنصّت، التي يمكن أن تنفجر بأيّ مزارع، وقال: «إنّ الإسرائيليّين يزرعون عبوات ناسفة تقتل داخل الأراضي اللبنانيّة وهذا لا يجوز التساهل فيه، تصوّروا أنّ المقاومة تفعل ذلك داخل الأراضي الفلسطينيّة ويكتشف الجيش «الإسرائيلي» هذا الأمر، ماذا سيكون الردّ الدولي على ذلك؟ هذا الأمر لا يجوز السكوت عليه».

وأعلن أنّه إنْ «لم تتمّ معالجة الخروق بالطرق السياسيّة، فإنّ حزب الله سيعالجة على طريقته، ولن يترك البلاد عرضة للعبوات الناسفة والأجهزة التي يمكن أن تقتل أهلنا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى