ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة… تنقذ لبنان!
علي بدر الدين
الأخطار الكبيرة والكثيرة التي تضغط بقوة على لبنان، وتعصف به كدولة ومؤسسات، ولتقويض تعايش مكوناته وتلاوينه الطائفية والمذهبية الهش أساساً، والقائم على صيغ التكاذب والنفاق، تتفاقم وتزيد الأمور تأزماً وتعقيداً، وقد تلغي من القاموس اللبناني أي أملٍ ولو كان ضئيلاً بالإنقاذ أو الخروج من الأنفاق الكابوسية، أو حتى إمكانية التقليل من الخسائر والتداعيات والانهيارات.
وعلى العكس تماماً، فإن إدخال لبنان عنوة أو طوعاً بأزمات المنطقة وصراعات القوى الإقليمية والدولية وتقاطع مصالحها وأطماعها بات السمة التي تطبع واقع لبنان وتتحكم بحاضره ومستقبله، وحضوره على خريطة المتغيرات التي تجتاح المنطقة العربية بمشرقها ومغربها، بخاصة أن سياسة التأني بالنفس غير الواقعية في الأساس سقطت، ولم يعد لها قيمة أو دوراً أو فاعلية في إبعاد لهيب الحرائق المشتعلة أو قسوة الإرهاب الداعشي والنصراوي وغيرهما من مسميات إرهابية عن لبنان، الذي يبدو أنه دخل معمعة الضياع أو التأرجح المكاني والسياسي والكياني على الخرائط الجغرافية السياسية والأمنية المرسومة التي أعدها بخبث لا مثيل له المخططون باتقان لإغراق المنطقة العربية ولبنان بينها في آتون الصراعات والاقتتال والفتن المتنقلة، وإيقاظ ما يعرف بالخلايا الإرهابية النائمة وتحريكها في بيئاتها الحاضنة كلما احتاجت إليها، وصولاً إلى تحقيق أهدافها القريبة والبعيدة ومن أهمها تجزيء المجزأ وخلق دويلات مقزّمة وهامشية، ينحصر دورها في إثارة النعرات والغرائز والتوترات الدائمة مستفيدة من خصوبة أرضها الحبلى والملائمة لتأجيج الصراعات وتعميمها على الدول والشعوب لإعادة رسم خرائط النطقة الجيوسياسية، وخلق معادلات جديدة على الأرض، بعد أن وجدت القوى الدولية المتحكمة بالمصائر والشعوب والسياسة والاقتصاد أن معاهدات وتفاهمات دولية سابقة انقضى زمانها وتجاوزت معاهدة كسايكس بيكو مثلاً. وقد آن الأوان لمتغيرات تعيد الأمور إلى نصابها وتلبّي سياسات واحتياجات القوى «العظمى» لوضع اليد والسيطرة واستنزاف الخيرات وتدمير دول وتفتيتها وتقسيمها وتهجير سكانها وإضعافها وإعادة ربطها بسياساتها والتحكم بمصائرها. وهذا ما يفعله ما يسمى بالتحالف العربي – الدولي في سورية والعراق بذريعة مكافحة الإرهاب وضربه لإرهاب «داعش»، تؤكد الوقائع الميدانية أنه يزداد إرهاباً وشراسة وقوة في ظل هذا التحالف المشكوك في أهدافه ومشروعه وسياسته، ويحقق ما عجز عنه من دون التدخل العسكري الجوي التدميري الممنهج لهاتين الدولتين. فكيف للبنان هذا البلد الصغير الذي تتآكله الصراعات والاحتراب الطائفي والمذهبي والانقسامات العمودية والأفقية التي تتقاسمها قوى سياسية وطائفية أن يعمد في مواجهة المدّ الإرهابي الخطير، وسياسات التقسيم والتجزئة والحروب، وكيف له أن ينجو من أخطارها وتداعياتها، وقواه السياسية المختلفة على كل شيء إلا على المصالح والمكاسب والمواقع، وبعض أفرقائه يبيعون ويشترون من سوق المزايدات والتملق وطلب الدعم والمؤازرة من دول إقليمية ودولية لتأمين الغلبة لهم على شركائهم في الوطن؟ كيف للبنان أن يخرج سالماً والإرهاب يتهدده من «داعش» و«النصرة» والداعمين لهما علناً، وافرقاؤه متفقون ومتفاهمون على عدم الاتفاق والتفاهم، ومصرّون على الاختلاف حول قضايا الوطن الصغرى والكبرى، وعاجزون عن توفير الحد الأدنى من مقومات بقاء الوطن ومؤسساته، بعد أن تخلى بعضهم عن مسؤولياته وراهن على متغيرات تحفظ له ماء وجهه وتؤمن له الغلبة والتحكم بمفاصل الوطن وما عليه وفيه، وسلّم طوعاً مفتاح السيطرة على الأوضاع وتجنيبه حرائق المنطقة وارتداداتها التقسيمية والفتنوية المدمِّرة والقاتلة ورَبَط عن قصد أو من غير قصد مصيره بسياسات خارج الحدود؟
هل يتوقع اللبنانيون على اختلافهم مصيراً أفضل لبلدهم في ظل أفرقاء سياسيين منشغلين بإعداد السيناريوات والمقايضات وتبادل المنافع والمواقع؟ حتى على التمديد للمجلس النيابي الواقع حتماً، على رغم الأصوات الرافضة ودفاتر الشروط المعروضة على بساط البحث وبغياب هذا المكوّن السياسي الطائفي أو بحضوره، لأن المطلوب هو إلهاء اللبنانيين بسياسة التمويه والتورية وإشعارهم بوهم الجدية، وتحمل المسؤولية وأن في البلد حرصاء ومؤتمنين على المصلحة العامة من دون سواها. «يتمنّعن وهنّ راغبات».
لا عجب في ذلك ولا دهشة مما حصل وما هو متوقع، فالسقوط في امتحان المسؤولية والحرص ليس جديداً، وقد سبقه سقوط مماثل وفشل ذريع وعن سابق إصرار وتصميم، تمثلاً بالعجز وعدم القدرة والاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي لم يعد من الأولويات. وكذلك في إقرار سلسلة الرتب والرواتب، واكتشاف ثغرات فيه وغبنٍ لاحق بأحد الأسلاك العسكرية، وفي حال رفعه فإن نسبة الـ TVA سترتفع إلى اثنين في المئة بدلاً من واحد، وهذا ما سيزيد من الأعباء على اللبنانيين الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وهذه النسبة المزادة إذا حصلت لا يتحمل مسؤوليتها السلك العسكري المقصود لأنه من حقه أن يحصل على رواتب يستحقها لدوره الوطني الكبير في الدفاع عن لبنان ووحدته وأمنه وسلمه الأهلي.
والدولة والأفرقاء والقوى السياسية سقطت أيضاً في عجزها وعدم قدرتها على معالجة ملف النازحين السوريين والحؤول دون الوقوع في تداعياته الأمنية والاجتماعية التي يزداد معها القلق والخوف المشروعين في ظل تطورات أمنية متسارعة خرجت عن السيطرة قد تهدد ما تبقى من تواصل بين المناطق وتعايش على رغم هشاشته بين مكونات الشعب اللبناني.
وفي سلسلة الإخفاقات عدم القدرة على إنهاء مأساة العسكريين المخطوفين حيث الدوران في دائرة الحيرة والإرباك والتردد، امر نتيجته عدم التوصل إلى اتفاق على صيغة أو مخرج يحفظ هيبة الدولة والمؤسسة العسكرية ويعيد المخطوفين إلى عائلاتهم سالمين، ونعترف بأن الدولة والمعنيين لا يتحملون وحدهم مسؤولية الفشل والإخفاق في الوصول إلى الخواتيم السعيدة، لأنها قضية معقدة وتتدخل فيها دول عربية وإقليمية لها حساباتها وسياساتها ومصالحها، ولأن العسكريين في قبضة إرهابيين خطيرين ومجرمين لا تعنيهم المفاوضات ولا قيمة لديهم للإنسان وسجلهم حافل بالإرهاب الأسود.
كيف يمكن إنقاذ لبنان من السقوط أو شعبه من الوقوع في الفتنة والمصير المجهول والبعض من أفرقائه يصوّب على المؤسسة العسكرية الوطنية بامتياز التي لا تزال رغم استهدافها واغتيال عناصرها مصدر أمن وأمان واطمئنان اللبنانيين، وهو نفسه الذي يشكك بالمقاومة ويخونها ويحمّلها المسؤولية في ظلّ ما أصاب الوطن، وهي التي بشهدائها وتضحياتها حرّرت لبنان ودحرت الاحتلال «الإسرائيلي» وحققت انتصاراً نوعياً غير مسبوق على العدو «الإسرائيلي» ويقدم الغالي والنفيس ويؤازر الجيش والشعب ليحمي لبنان من الإرهابيين الغزاة الجدد.
إنّ لبنان القويّ الموحد الذي يريده اللبنانيون ويطمحون إليه، يتحقق في ظلّ التطوّرات العسكرية والأمنية والهجمة الإرهابية بتجسيد القاعدة الثلاثية الجيش والشعب والمقاومة، لأنه لا خيار غيرها ولا بديل عنها لحماية لبنان وصونه.